في طريقه إلى عدن.. أحمد الجابري يسكب تناهيده لصبايا بير الماء والدنيا غبش

الثلاثاء 23 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 06 مساءً / وفاق برس: متابعات:
عدد القراءات 4153
من الهجر قبيطة وبالتحديد من وادي (أملح) المجاور للراهدة مدينة الحلوى تنطلق ألوان فراشات الحكاية ذات صباح من صباحات أشواق (طائر الأشجان) الشاعر الكبير أحمد غالب الجابري وهو يتهيأ للسفر باتجاه الحبيبة عدن فتمر به خطاه الحالمة عبر الوادي إلى جوار بئر (أملح) ووسط زقزقة عصافير الوادي المحتفية بفرحة الفجر الوليد يلمح بطرف الندى الشفاف أسراب الصبايا الواردات لجلب الماء في لحيظات الغبش.. يستدعي انتباهه رجع صدى همساتهن الناعمة وهن يتناجين كالقمارى ويتبادلن أخبار الصباح على سطح البئر فيرنو إليهن بعين الهائم المأسور وهو يستجدي منهن سقيا فؤاده العطشان لماء حسن الملاح المضئ بألق الفجر وتلوذ آحاته الظمأى ببرودة ثيابهن المبلولة بالطل.. يرتل عليهن وحي إلهامه الهامي ويقطر دموع (هوى الأيام) في مباسم ورود خدودهن.. يشكو لهن ظمأ العمر وهو (جازع طريق) تماماً مثلما عاش عمره كله جازع طريق بجانب حياة الهنا والسرور وصرح بذلك مخاطباً نديمه المشتكي الباكي مداراً فوق مايسات الغصون (طير أيش بك تشتكي قلي أنا مثلك غريب.. قبل منا كان هنا مثلي ومثلك عاشقين.. ذوبوا الأشواق ما خلوا لنا غير الأنين.. نشتكي نبكي نضيع في الهوى عمر السنين.. غيرنا هم اللي عاشوا واحنا بس الضايعين).. وكل مرة ينفض الطائر ريشة بلحن نايها الحزين..

- إلى وادي أملح إذن على جناح النغم دون تأخير هناك حيث نجده وحده شدو العندليب "طارش" يوافينا بسرد تفاصيل المشهد المشهود..
حصى الوادي المنصتة بذهول لحديث الجابري الحبيب هي مالكة الحق الحصري في ترجمة مختصر رواية الكلام الذي أراد شاعرنا أن يكون مستهله الخطابي البديع "يا صبايا فوق بير املح والدنيا غبش"لكن أيوب بحسه الشفاف يريدها لكل زمان ومكان فيعدلها ويغنيها (فوق بير الماء) بدلاً عن (فوق بير أملح) التي خاطب الجابري صباياها الواردات مستلطفاً والدنيا غبش:
يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غبش.. من يُسَقِّي في الهوى قلبي ويروي لي العطش
لاجل روحي ترتوي بالحب رشنّي رشش.. واسكبين العطر من قطر الندى حالي الوَرَش
وبالمناسبة لزم هنا توضيح اللبس الذي قد يتبادر لأذهان بعض عشاق صيحات الموضة من جيل اليوم وبالأخص أولئك الذين ربما يظنون الحديث عن (قطر الندى) حديثاً عن اسم موضة عبايات الاسترتش الجديدة التي اجتاحت الأسواق مؤخراً فصاحبنا الجابري ليس خبير أزياء قطعاً ولم يكن يوجد أيضاً وقتها في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم (أيام الشراشف) الفضفاضة ما يسمى بعباية (قطر الندى) حتى يطلب شاعرنا المسافر يومها من صبايا بير أملح أن يسكبن العطر من ثناياها (حال كتابته القصيدة)..
وفي الحقيقة ربما يكون اختلف الأمر حالياً فنحن لا نعلم إن كان قد غزى بالطو (قطر الندى) هذا مناطق الريف النائية وبالتحديد تلك النواحي التي سكب الجابري (هوى أيامه) في سفوح شعابها ووديانها وتوسل لحسانها أن يسكبين العطر من قطر ندى غيم غباشيشها (الحالي الورش)..
يا هوى الأيام يا عمري ويا ذَوْب الشموع.. ما ظمأ مثلَ ظمأ روحي ولا مثلي وَلُوع
لملمين الشوق من قلبي ومن بين الضلوع.. لو ظِمِي شرويه من حبي وشسقيه الدموع
وعلى طول الطريق.. طريق الجابري المحفوف بالأشجان والأشواق ولا نقصد الطريق إلى عدن مروراً بنقاط التشطير في الشريجة وكرش، ولكنه طريق العمر والدموع الذي قطعه عبر صحاري الظمأ والالتياع مقتفياً نداء حادي قلبه (العاشق) الذي لطالما أتعبه مع الأحباب فانبرى يعاتبه (أيش معك تتعب مع الأحباب يا قلبي وتتعبنا معك).. وعلى طول هذا الطريق الطويل يواصل (العم أحمد) سيره مطارداً سراب الأماني والوعود ومحتملاً حرارة الظمأ والحرمان، ورغم كل الجراح يبتسم جريح الدهر (ابتسامة الرضا بالحاصل) وهو يحتضن الأيام في صدره ويغني للوجود:
كم شجاني في الهوى طيب الأماني والوعود.. وارتوى العشاق من دمعي ندى كل الورود
وأنا الظمآن لا أروى وروحي تستزيد.. أحضن الأيام في صدري واغنِّي للوجود
والواقع.. جدير بمن رافق الضنا واللوعة وصادق الأنين كالجابري الذي أعطى عمره للهوى واشترى عمر السنين، الجابري الذي أعطى كل شيء ولم يأخذ بالمقابل سوى الجحود والتناسي والنكران خليق به أن يختار الهوى فناً وشغلاً بمحض إرادته ويستعذب العذاب رغم الوجد والحنين ورغم خيبات الظن القاتلة التي تجرع مراراتها علقماً من كأس الأيام حيث نجده عند نهاية المطاف يندب حظه العاثر ويقلب حسابات الأسى القديمة متحسراً، ليس على حبه فهو نذر عليه ولكن على عدم وجود من يستحقه (أعطيت قلبي لمن يسوى وما يسواش.. كل من جهش له واخذ من لوعتي مجهاش).
.. إنه دائما ما يشخص لنا بحس الخبير المجرب مأساة زمن (اللاحب).. زمن البغض والكراهية والنسيان، زمن المادة والمصالح والمظاهر الزائفة.. زمن خطيئته الكبرى أن تجد قلباً محباً ومستعداً للتضحية في سبيل الحب دون مقابل كقلب الجابري الطائر لهفة والذائب حباً وعواطفاً ولكن (يا خسارة) لمن؟ ومن أجل من؟ للأسف لا أحد يستحق.. ولهذا نجده يطلق لاستفهاماته العنان عند الختام، وكلها على سبيل البحث عمن يستحق صدق حب قلبه الكبير من لقلبي يا صبايا ولا من يجيب..!!
الهوى فنِّي يلوّعني ويضنيني الأنين.. شفَّني وجدي وأضنى في الهوى روحي الحنين
من لقلبي يا صبايا واشتري عمر السنين.. واعطي عمري للهوى عمري فدى للعاشقين
- صفوان القباطي - safwankobaty@gmail.com

* نقلا عن صحيفة المشتقلة:

 
مواضيع مرتبطة
السبسي رجل من الحرس القديم بوجه جديد والتزام بمستقبل ديمقراطي ... (تحليل)
تقرير مصور(فيديو+ فوتغراف) .. مقاتلوا داعش يسقطون طائرة لقوات التحالف ويأسرون طيارها في سوريا
الحرب تقترب من إكمال عامها الرابع وسوريا تزداد تمزقا
عام 2014 ونظريات المؤامرة:امريكا غطت الجنوب بثلج (بلاستيكي) وهمي ..و(داعش).. صنيعة مشتركة وقائدها يهودي متخفٍ
(طائرات انتحارية) في مناورات ايرانية من هرمز إلى خليج عدن
المفارقة التي أحدثها فوز السبسي.. مخضرم تسعيني رئيسا لبلاد مهد (ثورة) الشباب
اليمن : (مافيا) الاتجار بالبشر تختطف فتاة (معاقة) مع أمها وشقيقتها وتمارس ضدهن تعذيباً مروعاً
لأول مرة .. حزب الله اللبناني .. يكشف عن أسرار سياسية وعسكرية هامة ومثيرة
(صورة) .. هل الدكتور عبدالكريم الارياني مواطن أمريكي
فنزويلا في عزلة بعد التقارب التاريخي بين كوبا والولايات المتحدة
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية