من ابين الى البيضاء وارحب .. قراءة تحليلية أولية لعام من الحرب الشعبية على الإرهاب في اليمن

الجمعة 19 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 07 مساءً / كتب/ أحمد الحسني
عدد القراءات 1816
مع بدء توافد مسلحي القبائل على المخيمات التي أقامها أنصار الله على مشارف العاصمة تناقلت وسائل الإعلام تصريحات للقيادي في القاعدة جلال بلعيدي يقول إنه وأعضاء التنظيم ينتظرون معركة صنعاء على أحر من الجمر، وعلى امتداد الشهر رصدت تقارير أمنية ومصادر محلية في البيضاء وأبين وحضرموت ومأرب وشبوة توجه مقاتلي التنظيم صوب العاصمة استعداداً للمعركة، ولكن خلافاً لما كان متوقعاً حسمت المواجهات في وقت قياسي وخسر مقاتلو القاعدة ومن معهم المعركة المنتظرة، كما خسروا المعارك التي ذهبوا إليها من قبل في كتاف وعمران والجوف وأرحب وهمدان، قتل بعضهم وأسر البعض وفـرّ الآخرون تاركين مقرات القيادة الخفية للتنظيم في الضاحية الشمالية للعاصمة تكشف علاقاته الخفية وتزيح الأقنعة عن وجوه القيادات العسكرية العليا ومراكز النفوذ التي يتبعها التنظيم.
وبقدر الغموض الذي أحاط مصير القائد الخفي للقاعدة الذي يشغل منصب المستشار العسكري لرئيس الجمهورية والمهيمن على القوات المسلحة منذ ثلاثة عقود، حرصت القاعدة على الظهور ونفذت تحت رايات الثأر الطائفي عدداً من العمليات والاغتيالات في بعض المحافظات للإيحاء بأن المعركة التي انتهت في العاصمة لم تبدأ بعد، وأننا على موعد مع حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، إيحاء وجد طريقه إلى الأذهان بسبب ضبابية المشهد السياسي وغياب الدولة وبسبب الحضور الكبير وغير المسبوق الذي حظي به في وسائل الإعلام وأطروحات الكثير من النخب التي تنامت أكثر، وتشعبت رافعة للإرهاب مزيداً من الرايات الإثنية والمناطقية والمذهبية في مواجهة تمدد اللجان الشعبية نحو المحافظات.
***
الرايات المتعددة التي منحتها الثارات السياسية للقاعدة والعلاقات الخفية التي كشفتها معركة صنعاء وتمثيل المصالح الإقليمية المفترضة، أزالت الكثير من الحشمة في دعم الإرهاب إعلامياً ورفدتها بمجاميع من المقاتلين من كوادر بعض القوى السياسية وأتباع بعض الزعامات القبلية، سواء المرتبطة بتحالفات سرية مع التنظيم أو التي ترى في تمدد اللجان الشعبية إضراراً بمصالحها الخاصة، أو تأثيراً على مكانتها الاجتماعية أو بعض الشباب المأخوذ بحدة التجييش المناطقي والمذهبي المهيمن على المنابر ووسائل الإعلام، لكن كل ذلك لم يؤثر على سير المعركة الشعبية على الإرهاب واستمر مقاتلو القبائل في التقدم والسيطرة على معاقل التنظيم في أكثر من محافظة، وبسرعة أكبر توالت هزائم القاعدة مثيرة الكثير من السخرية بوعيد مأمون السدي أن معركته المقدسة لن تقف إلا في مران الذي ذهب أدراج الرياح، حاملاً معه الكثير من الرهبة التي راكمتها في الأذهان إخفاقات الحرب الكونية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة وتحليلات (المختصين) بشئون الجماعات الإرهابية على شاشات الفضائيات.
لقد حاول التنظيم استعادة تلك الهيبة بانتهاج وسائل أكثر بشاعة، وتناقلت المواقع المساندة وغير المساندة مشاهد الذبح والإعدامات الجماعية وجثث الجنود في جبل راس وأشلاء المدنيين في ميدان التحرير، لكنه لم يستعد هيبته بقدر ما كان، يخسر التعاطف والتجييشات التي جلبتها له رايات المناطقية والمذهبية، وينسف مع كل عبوة ناسفة الكثير من جهود حلفائه السياسيين، ومبررات مسانداتهم له ويخجل الشخصيات الاجتماعية من الوقوف معه، ويقود المزيد من مقاتلي اللجان الشعبية صوب المزيد من أوكاره والسيطرة على المزيد من معاقله الحصينة كرداع وأرحب.
***
لقد كشفت لنا معركة صنعاء وما سبقها وما تلاها من معارك الحرب الشعبية على الإرهاب جملة من الحقائق أبرزها:
- فعالية الدور المجتمعي وأهميته في الحرب على الإرهاب.
- أن العمليات النوعية التي نفذتها القاعدة ضد المقرات العسكرية الاستراتيجية لا تعود إلى بسالة نادرة أو مهارات قتالية فائقة وإنما إلى وجود قياداتها الخفية في مراكز القرار داخل المؤسسة العسكرية، ولولا الخيانة لاستطاع الجندي المدرب والقائد العسكري أن يحقق من الانتصارات أكثر مما حققته بندقية القبيلي في الحرب على الإرهاب.
- أن القاعدة رغم طابعها السلفي ليست جماعة جهادية من طلاب الشهادة، ولا تمثل امتداداً فكرياً يمكن القبول بالاعتراف به صراحة من أي من الأصوليات الإسلامية التي تقاتل القاعدة في صفوفها أو تنفذ عملياتها لصالحها لدرجة أن سلفيي دماج -الأكثر تشدداً- أعلنوا أنهم لا يشرفهم نصرة القاعدة لهم، ولا يرحبون بقتالها في صفوفهم.. وبالتالي فإن القاعدة عصابة مسلحة تمارس السطو المسلح وتمتهن القتل تحت رايات متعددة لإرهاب الخصوم السياسيين لمراكز القوى التي تعمل لصالحها أو للتأثير في العملية السياسية بما يخدم مصالح تلك القوى ومراكز النفوذ.
- العقائديون داخل التنظيم وطلاب الشهادة الذين لديهم الاستعداد لارتداء الأحزمة الناسفة وقيادة السيارات المفخخة، هم مجموعة الأحداث الذين جندهم التيستيرون، ومحاضرات شيوخ الأصوليات وفتاواهم التكفيرية، وشظف العيش وأخطاء الدرونز، وهؤلاء يتناقصون كلما أدركوا زهد قادة التنظيم في الشهادة وشاهدوهم وهم يفرون من ساحة المعركة، أو يستسلمون طلباً للنجاة.
- إن المجتمعات القبلية بيئة طاردة للإرهاب لا حاضنة له، أو عقبة أمام القضاء عليه، وإن المجتمعات غير القبلية هي الوسط السهل الذي نفذت فيه القاعدة كل مجازرها بحق العسكريين والمدنيين وعمليات السطو المسلح على البنوك، والسيطرة على المناطق والمنشآت الحكومية، ولذلك قتلت الجنود في جبل راس وذبحت أبناء عمران في حضرموت وهاجمت وسطت على البنوك في العدين وسيئون، وهاجمت المقرات العسكرية في أمانة العاصمة وعدن والمكلا.
- أن غارات الدرونز تقتل بعض الإرهابيين وتجند بأخطائها إلى التنظيم أضعافهم من المقاتلين وتضم أضعاف أضعافهم إلى قاعة المتعاطفين وليست عملية شبوة بالمنال الوحيد.
- من خارطة الأهداف التي وجهت إليها القاعدة عملياتها والاغتيالات والإعدامات التي نفذتها أو نفذت باسمها، نجد أن غالبية العسكريين الذين تم اغتيالهم ليس لهم علاقة مباشرة في سير العمليات العسكرية ضد التنظيم والمقرات التي استهدفتها خارج نطاق المواجهات، كما أن المدنيين الذين استهدفتهم لا تجمعهم رابطة أو تصنيف يمكن أن يشكل هوية عقدية أو إثنية أو طبقية، فضمن ضحاياها السني والعلماني والهاشمي وغير الهاشمي والأغنياء والفقراء، ما يعني أنه ليس لدى التنظيم معركة خاصة أو مشروع تبحث له عن أرضية وإنما تقوم بدور القاتل المأجور لصالح من تعمل لحسابهم، وهذه حقيقة لم تحاول التضليل عليها حين استثُنيت المؤسسات المالية التابعة لمن تعمل لصالحهم من السطو؛ إذ لم تكن صفة الإسلامي هي التي حمت بنك سبأ من مقاتلي القاعدة الذين كانوا يذبحون الجنود وهم يرددون شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
- أنه كلما خسرت القاعدة معركة أمام القبائل تحاول تعويض هيبتها بقتل أكبر عدد ممكن من العسكريين والمدنيين بعيداً عن مناطق المواجهات أو ما يمكن تسميتهم الأهداف السهلة، ووسعت دائرة مبرراتها للقتل لتشمل النسب والمذهب والمنطقة رجلاً أو امرأة أو طفلاً، والحصول على المال وحتى لإحداث ضجة تشعر المجتمع بوجودها، وانتهجت وسائل أكثر بشاعة كذبح المختطفين أو الإعدامات الجماعية لهم بعد إجبارهم على حفر قبورهم لدرجة أن عدم الرغبة فقط أصبح هو الشيء الوحيد الذي يمنع أعضاء القاعدة من القتل، وهذا السلوك أفقدها مبرر وجودها الأخلاقي والقيمي، وإنه أيضاً يوصد أمامها أبواب التعاطف وسيؤدي استطرادها فيه إلى حرمانها من استقطاب العقائديين وطلاب الشهادة الشجعان الذين تزودهم بها محاضرات شيوخ الجهاد في دور العبادة ومؤسسات التعليم الديني الخاصة الذين لن يقتنع الكثير منهم أن من الجهاد في سبيل الله أن تكبر على سرقة بنك أو ترفع راية العُقاب لذبح إنسان يردد شهادة التوحيد، كما سيحرمها فئة المقاتلين الشجعان من أبناء القبائل الذين تربوا على قيم تنبذ الغدر وقتل الأسير وعابر السبيل والمسالم وانتهاك الحرمات والتمثيل بالجثث.
- كشفت المواجهات أيضاً أن لدى القاعدة القدرة على القتل وتنفيذ العمليات المريعة والجرائم البشعة، لكنها في المحصلة لم تمثل قوة وإنما عبئاً على كل حلفائها وتعرية لكل من يحاول أن يرفع لها راية مشروعية.
***
لقد حققت الحرب الشعبية على الإرهاب بدءاً من أبين وليس انتهاء بأرحب انتصارات كبيرة وخسرت القاعدة تباعاً أبرز معاقلها والكثير من حواضنها الاجتماعية والسياسية وفقدت أكبر وأهم مراكز الدعم داخل القبيلة والمؤسسة العسكرية، إلا أن المؤسسة العسكرية تبقى رأس الحربة في مستقبل حربنا على الإرهاب الذي لا يزال يحشد براميل البارود إلى مناطق النفط في مأرب وحضرموت استعداداً لمعركة نحتاج لحسمها بأقل الخسائر وإعادة ترتيب أولوياتنا على النحو التالي:
أولاً: تطهير المؤسسة العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات من أيادي الإرهاب التي زرعت فيها خلال الفترة الماضية.
ثانياً: تعزيز الشراكة المجتمعية في هذه الحرب.
ثالثاً: الحد من تجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف القاعدة عن طريق:
- وقف غارات الدرونز والتدخل المباشر للقوات الأجنبية.
- تجريم التجييش الإعلامي والتحشيد الديني تحت أية راية طائفية أو مناطقية أو إثنية، وتجريم التحالف مع الإرهاب أو تقديم الدعم المالي أو المعنوي له في الداخل أو في الخارج.
رابعاً: تتبع مصادر تمويل التنظيم والرقابة بصرامة على المؤسسات غير الربحية والجمعيات الخيرية، واعتبار كل فدية أو تفاوض مع التنظيم عليها دون إشراف الحكومة اليمنية تمويلاً مباشراً للإرهاب.
خامساً: إطلاق قرار العفو العام عن كل من يترك التنظيم وحسن معاملة أسراهم ومداواة جرحاهم واحترام حقوقهم ومراعاة العدل معهم.
أولويات على المدى القريب تحتاج للكثير غيرها في استراتيجية القضاء على الإرهاب. ستستمر الصراعات السياسية ومنابر الوعظ والمخابرات الدولية باستغلال هرمونات الشباب والفقر في رفد القاعدة ببعض المقاتلين وستتمكن من تنفيذ عملية هنا أو هناك، لكنها في النهاية عصابة لا تمتلك مشروعاً للبقاء، هذه رواية التاريخ المنكرة عن أمثالها تؤكد مصداقيتها وقائع عام من الحرب الشعبية على الإرهاب.
*صحيفة اليمن اليوم:

مواضيع مرتبطة
توقعات محرري رويترز 2015 : عام دموي في اليمن وانفراج في ايران وسوريا وانهيار في ليبيا والعراق
الامن السعودي يقتل 4 إرهابيين : الرياض تعلن استجابة مصر وقطر لمبادرة خادم الحرمين الشريفين .. (نص البيان)
فنزويلا في عزلة بعد التقارب التاريخي بين كوبا والولايات المتحدة
(صورة) .. هل الدكتور عبدالكريم الارياني مواطن أمريكي
لأول مرة .. حزب الله اللبناني .. يكشف عن أسرار سياسية وعسكرية هامة ومثيرة
العشرات من عناصر (القاعدة) بينهم اجانب يقعون اسرى بايدي اللجان الشعبية في (ارحب)
صراع التطرف والإصلاح داخل جماعة الإخوان بمصر ينتظر لحظة الانفجار
أوروبا تضغط في ليبيا لدعم ميليشيات الإخوان..ومصر تستعيد المساعدات الأميركية
لا مكان هنا للضعفاء : (فيديو+صور) .. طائرات وأسلحة ثقيلة متطورة وضفادع بشرية في عرض عسكري لكتائب القسام أرعب الصهاينة
فيديو .. (القسام) تنشر فيديو من حواسيب للجيش الإسرائيلي .. وحماس تعتبر تسريب أشرطة فيديو عن عمليات المقاومة (فضيحة) إسرائيلية
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية