ملوك الطوائف في القرن الواحد والعشرين
دكتور/عبدالعزيز المقالح
دكتور/عبدالعزيز المقالح
حاول الإعلام العربي على مدى الخمسين عاماً الماضية أن يترك في أذهان المواطنين العرب انطباعاً ساذجاً مؤدّاه أن حكامهم ينقسمون إلى ملوك ورؤساء وأمراء وسلاطين. وجاءت الأحداث الأخيرة لتثبت لهم عكس ذلك مؤكدة أن حكامهم جميعاً لم يكونوا سوى ملوك يتمتعون بصلاحيات الملوك وامتيازاتهم الاستثنائية، وأن الأنظمة التي كانت تسمى بـ"الجمهورية" لا تختلف في شيء عن الأنظمة الملكية والأميرية، وأنها جميعاً ترفض أن تتزحزح عن كراسي السلطة مهما كلفها الأمر، وكلف شعبها أيضاً. وليس ذلك وحسب بل وسعت جاهدة إلى إثبات حق الوراثة لسلالتها "المجيدة" مما أفقد النظام الجمهوري في الأقطار العربية تميزه وفتراته المحددة، وجعل من رؤساء الجمهوريات ملوكاً كاملي الصلاحيات، يرثون ويورّثون، ويمارسون السلطة على طريقة الملوك والسلاطين. وإذا كانت الظروف السياسية والاجتماعية قد ساعدت البعض من رؤساء الجمهوريات على التمديد لأكثر من دورة، وكان لهذا التمديد ما يبرره عند البعض فإن موضوع التوريث هو الذي كشف المستور وقضى على سائر المبررات. وكان في عدد من الأقطار العربية القشة التي قضمت ظهر النظام وجعلت الملايين تغرق في موجة من التساؤلات التي لم تكن ترد على أذهان الغالبية منهم عن الفارق بين نظام ملكي وآخر جمهوري، وتطورت تلك التساؤلات إلى حالة تململ، ثم إلى احتجاجات، لم تلبث أن تحولت إلى ثورات عارمة لم يتوقف اشتعالها حتى الآن. وتبقى مصر في هذا السياق هي النموذج الأبرز والأهم الذي يعكس نفسه على واقع بقية الأقطار العربية، والجمهورية منها على وجه الخصوص. وكان للتمديد كما للتوريث أثرهما في اشعال نيران السخط واستقطاب الملايين إلى الساحات والميادين العامة. وما يهمني في هذه الإشارات ليس الاختلاف الشكلي في أنظمة الحك م العربي ولا في فوارق المضامين الناتجة عن ذلك الاختلاف بقدر ما تهمني الإشارة الجوهرية إلى أن هذه الأنظمة التي أصبحت متشابهة إلى درجة التماهي لم تضع حداً للتناقض الذي قام بينها والذي صار هو القاعدة الثابتة رغم ما يبدو على السطح من مجاملات مؤقتة ومن اجتماعات دورية تسمى بالقمم، فقد بقيت لعنة ملوك الطوائف في الأندلس تتابع ملوكنا إلى القرن الواحد والعشرين، وظل الاستقواء بالآخر الأجنبي، أو الاستعماري، هو العامل الفاعل في الربط بين ملوك الطوائف في الأندلس وملوك العرب في العصر الحاضر فقد أدّى التوسع في عدد ملوك طوائف الأندلس إلى صراعات دامية أدت إلى أكبر مأساة تعرّض لها العرب في تاريخهم الوسيط والتي تمثلت في سقوط الأندلس. أما ملوك الطوائف في عصرنا فقد قاد اختلافهم وتنازعهم وخوفهم من بعضهم إلى أكبر مأساة عربية في العصر الحديث، وهي سقوط فلسطين في قبضة الاحتلال الاستيط ا ني الصهيوني الذي لن يكتفي بالاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي مزعوم بل سيواصل التربص المصحوب بالتوسع في الأراضي العربية المجاورة، إضافة إلى حالة التهديد الدائم واستمرار تعامله المشين مع أشقائنا الفلسطينيين أصحاب الأرض المسروقة الذين بات العالم ينظر إليهم كرهائن تحت التعذيب إلى أن يتوحد ملوك الطوائف ويتناسوا خلافاتهم التي أوصلت الأمة العربية إلى هذا المنحدر وجعلت في مقدور عصابة مؤلفة من خليط قوميات ولغات متنافرة أن تسرق في ضوء الشمس واحداً من أقطارها الموجود في قلب الوطن الكبير. تأملات شعرية : أبدو في هذا الزمن الفائض عن حاجة كل الناس نداءً مرتعشاً لا يسمعه في الأرض أحدْ. أبدو كالظل الشارد فوق متاهات الوقت أتابع حلماً لا يدنو ويتابعني وحشٌ ذو أنيابٍ من رعبٍ وكمد.
في الجمعة 16 مارس - آذار 2012 12:53:19 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=37&lng=arabic