إنقر للعودة لأعلى
المصدر وفاق برس:   في قسم عربي وعالمي   بتاريخ 14/04/2025

"مثل من ينتظر الإعدام"… هكذا أمضى المرضى ليلة استهداف الاحتلال للـ"معمداني".


عدد مرات القراءة 157

غزة – استيقظ محمود نصير فجراً اليوم الأحد على صراخ مفاجئ، بينما كان مستلقياً على سريره في قسم الجراحة بمستشفى المعمداني في مدينة غزة، جريحاً لا يقوى على الحركة. ضوضاء تعم المكان، أصوات تصرخ، وأقدام تلهث راكضة في كل اتجاه.

شيئاً فشيئاً بدأ يستوعب ما يحدث من حوله، إلى أن جاءه الخبر: جيش الاحتلال وجّه إنذاراً بقصف المستشفى، ولم يتبقَ سوى دقائق على تنفيذ الغارة.

كان يسمع ويرى كل شيء، لكنه لا يستطيع فعل شيء. جسده مقيد بكسر في الظهر، ونصفه السفلي مشلول، ورقبته بالكاد تتحرك.

كانت الفوضى تتسع من حوله كإعصار، المرضى يُنقلون مسرعين، المرافقون يحملون أطفالهم، والجرحى يُسحبون بعجلة. أما هو، فبقي في مكانه، ليس شجاعةً منه، ولا عناداً، بل لأن جسده خذل.

وفجأة، دوى الانفجار. اهتزت الجدران بعنف، وتناثر الزجاج في كل اتجاه، بينما اجتاح الغبار المكان كعاصفة، خنقه الهواء، وشعر وكأن الموت يقترب منه.

يقول نصير لموقع الجزيرة نت: "لو كنت سليماً، لهربت بأقصى سرعة، لكني عاجز تماماً. قررت البقاء مع من لم يستطيعوا المغادرة، في حين فرّ كثيرون إلى الشوارع المحيطة بالمستشفى".

وكان نصير قد أُصيب قبل ثلاثة أسابيع فقط، عندما قصف الاحتلال منزلهم في حي الزيتون.

وفي الساعات الأولى من فجر اليوم الأحد، شنت طائرات الاحتلال غارة على مستشفى المعمداني، أحد أبرز المستشفيات في شمال قطاع غزة، بصاروخين، مما أدى إلى استشهاد طفل مريض، ووقوع دمار واسع، دفع وزارة الصحة في غزة إلى إعلان المستشفى خارج الخدمة.

٣٣٣٣-1697738149

تتشابه قصة "نصير" مع حكاية زُهري السعودي، الذي كان نائماً في قسم الجراحة، مرافقاً لولديه الجريحين محمد (13 عاماً) وأحمد (10 أعوام)، اللذين أصيبا في قصف تعرضت له مدرسة "دار الأرقم" شرقي غزة قبل أسبوعين.

وفي إحدى اللحظات، وبعد أن هدأ الليل قليلاً، أيقظ أحمد والده بصوت مرتجف قائلاً: "يابا، بيحكوا إسرائيل بدها تقصف المعمداني..".

ظن الأب أن ابنه يهذي في نومه، فربت على كتفه وقال له: "أنت صاحي ولا بتحلم؟"، لكن الحلم سرعان ما تحول إلى كابوسٍ حقيقي. في لحظة، انقلب المستشفى إلى ساحة من الفوضى، الجميع يصرخ، والمرضى على الأسرّة يناشدون بالخروج إلى مكان آمن.

يقول السعودي لموقع الجزيرة نت: "لم أصدق أن القصف قد يحدث فعلاً، فهذه مستشفى. حاولنا الخروج، لكننا خفنا من الشظايا في الساحات".

وفي تلك اللحظة، تدخلت زوجته رانية السعودي لتكمل شهادتها عن ما حدث، قائلة: "لم نكن نعرف أي المباني ستتعرض للقصف… كنا في رعب كبير، وابني محمد أصيب بسخونة شديدة من شدة الخوف، وبدأ جسده يرتجف".

وتكمل: "كان المرضى يصرخون: أخرجونا… أخرجونا، لكننا لم نكن نعرف إلى أين نذهب. كان الخطر في كل مكان. بقينا، والحمد لله، أن ربنا نجانا".

كمن ينتظر إعداماً، كان محمد أبو ناصر يرقد على سرير حديدي في باحة المستشفى، يتلقى العلاج من إصابة في كلتا قدميه، التي أصيب بها جراء قصف إسرائيلي في مايو/أيار من العام الماضي.

وكغيره من الجرحى، اختار أبو ناصر، مضطراً، البقاء في قسم الجراحة أثناء وقت القصف، لعدم وجود مرافق يساعده في الخروج.

يروي ما حدث قائلاً: "كنت جريحاً لا أستطيع التحرك، وكنت وحدي في قسم الجراحة… البعض تم إخراجهم بمساعدة المرافقين، أما أنا، فبقيت وحيداً، وكانت اللحظة مرعبة…".

ويضيف: "كنت أشعر وكأنني أنتظر تنفيذ حكم الإعدام، وعندما وقع القصف كان كزلزال… اهتز المبنى، واندفع الغبار بقوة إلى داخل المكان، خنقنا، ولم أستطع التنفس، كنت أظن أن هذه هي نهايتي".

ومثل باقي الجرحى والمرضى، ظل أبو ناصر يردد السؤال الملح: "أين نذهب الآن؟ نحن كجرحى ومصابين لا نعرف"

YUKSELDI-copy-1697738073

خارج الخدمة

بالقرب من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي، وقف الطبيب فضل نعيم، مدير المستشفى المعمداني، يتفقد آثار الهجوم. وقال نعيم لموقع الجزيرة نت: "الوضع في المستشفى كان كارثياً من البداية، كنا نعمل في ظل نظام صحي منهك… نقدم الخدمات بالحد الأدنى، والآن أصبح الوضع أكثر سوءاً".

ويضيف نعيم مشيراً إلى الأقسام المدمرة: "قسم الطوارئ والاستقبال، قسم الإسعاف، المختبر، الصيدلية، قسم أشعة الطوارئ… هذه ليست مجرد أقسام، هذه هي روح المستشفى. من دونها، لا نستطيع استقبال المرضى والجرحى".

بناءً على ذلك، قررت إدارة المستشفى إخراجه عن الخدمة، بسبب حجم الدمار الكبير الذي يستدعي شهوراً من الإصلاح.

ويعبر نعيم عن حزنه قائلاً: "أنا حزين جداً لهذا القرار، لكننا مضطرون لإغلاق المستشفى. الأقسام المدمرة هي أساس المستشفى، والمشكلة أن المستشفيات الأخرى مكتظة وغير مجهزة، ولا تقدم خدمات متكاملة. سنضطر لتوزيع الخدمات على المستشفيات الأخرى".

ويعترف المسؤول الطبي أن هذا القرار يعني أن المرضى "سيواجهون خطر فقدان حياتهم أو أطرافهم، أو إصابتهم بإعاقات دائمة".

ويختتم قائلاً: "المستشفى المعمداني كان عصب وزارة الصحة في شمال القطاع، الوحيد الذي يقدم خدمات متكاملة، وكان الوحيد أيضاً الذي يحتوي على جهاز التصوير بالأشعة المقطعية CT".

البديل.. ليس بخير

بعد إخراج المستشفى المعمداني، الذي يعد أهم مؤسسة طبية في شمال القطاع، عن الخدمة، تواجه وزارة الصحة تحدياً كبيراً في إيجاد البديل.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور منير البُرش، مدير عام وزارة الصحة، لموقع الجزيرة نت: "سنضطر لنقل المرضى إلى مستشفى الشفاء، الذي سنعمل على جعله بديلاً في هذه المرحلة، مع السعي لترميم المعمداني وإعادته للحياة من جديد".

لكن مستشفى الشفاء نفسه يعاني، بحسب البرش، حيث إنه "يعمل حالياً بشكل جزئي كمستشفى ميداني. نعمل منذ فترة على ترميم بعض أقسامه، وسنركز كل جهودنا عليه في الفترة القادمة".

المصدر: الجزيرة

قد يعجبك ايضا

أخبار ذات صلة