علماء الدين ورجال الأمن وخبراء الطب النفسي في العالم العربي يطالبون بوضع حد لطوفان الشعوذة، فيما شيدت أوروبا نصبا تذكاريا يرد الاعتبار لعشرات النساء أدن بالسحر في الماضي.
وظاهرة الدجل والشعوذة لا تقتصر على مكان أو زمان محددين، إنها تنتشر كالمرض العضال في كل المجتمعات وتنخر عقول جميع الشرائح من النساء والرجال والأغنياء والفقراء والمثقفين والأميين.
وباتت اليوم جزءا من الثقافة الشعبية في أغلب المجتمعات العربية، فقد فرض ممتهنو الشعوذة أنفسهم حتى في الأوساط الاجتماعية الثرية، بعدما كان زبائنهم يقتصرون على الفئات الفقيرة، وانتقلوا من مرحلة الاستقبال، أي انتظار الزبائن في بيوتهم، إلى مرحلة الاستقطاب، من خلال محاولة جلب الزبائن عبر وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والصحف والفضائيات.
وقد كشف خبراء في البحوث الاجتماعية والجنائية أن العرب ينفقون حوالي 100 مليون دولار سنويا على الدجالين والمشعوذين، وأن أهم المترددين على هؤلاء الدجالين هم الفنانون والسياسيون، فيما بلغت نسبة المثقفين والرياضيين 15 بالمئة. كما بينت دراسة ميدانية أن حوالي نصف النساء العربيات يقعن في أسر خرافات السحر والشعوذة، مشيرة إلى تزايد عدد الدجالين في العالم العربي، أذ وصل المعدل العام إلى وجود دجال لكل ألف عربي.
وفي العالم العربي يطالب العديد من علماء الدين ورجال الأمن وخبراء الطب النفسي بضرورة وضع حد لطوفان السحر والشعوذة، الذي سيطر على مختلف شرائح المجتمع في العالم العربي، لكن الشمال الأوروبي الكبير الذي اعتبر في ما مضى بوابة إلى الجحيم والذي شهد إعداماً للساحرات أكثر من أي مكان آخر في القارة، شيد نصبا تذكاريا يرد الاعتبار لعشرات النساء اللواتي تمت إدانتهن. وأحرقت إحدى هؤلاء الساحرات لأنها ألقت تعويذة مميتة على طفل وعنزتين فيما أحرقت أخرى لأنها تسببت في عاصفة جرفت عشرة قوارب ومعها 40 بحاراً.
وفي مطلع القرن السابع عشر، عاش نحو 3 آلاف شخص في بلدة فينمارك شمال النروج. وفي غضون عقود قليلة، أتهم 135 منهم، غالبيتهم من النساء، بالشعوذة والسحر، وأعدم 91 منهم.
وتقول بروفيسورة التاريخ ليف هيلين ويلومسين: "إن هذه الأرقام المرتفعة تضع فينمارك على رأس اللائحة في أوروبا" التي دأبت في تلك الحقبة على مطاردة الساحرات ومعاقبتهن.
وأضافت وهي تقف أمام النصب الضخم الذي دشن سنة 2011 في بلدة فاردو "الوضع هنا كان أسوأ منه في بعض مناطق ألمانيا واسكتلندا".
وقد طالت الاتهامات بالشعوذة والسحر الفتيات الصغيرات اللواتي وجهت أصابع الاتهام إلى بعضهن قبل تبرئتهن في النهاية. وتعزى هذه الحملة العنيفة ضد السحرة إلى انعزال تلك المنطقة جغرافياً.
فقد تجذرت في تلك المنطقة فكرة مفادها أن النساء قادرات على التعامل مع الشيطان بالتخلي عن الإيمان مقابل التمتع بقدرات شريرة. وتقول ويلموسين: "كان الناس يعتقدون فعلاً أنهم محاطون بجيش سري متحالف مع الشيطان. وكانت المحاكم المحلية قادرة على التصرف على هواها من دون أي رادع. فكان السحرة يجبرون على المثول أمام القضاة والاعتراف وكانت إدانتهم تتم أحياناً في اليوم نفسه".
وإذا تبين أن التعذيب وحده غير كاف للحصول على اعتراف من المتهمة، كانت المحكمة تأمر أحياناً برميها في البحر بعد تقييد قدميها ويديها. فإذا طفت على سطح الماء، يكون ذلك دليلا على أنها ساحرة بالفعل. وتشرح البروفيسورة أن "الماء كان يعتبر مادة صافية ترفض الأوساخ". وفي فينمارك، كانت المتهمات جميعهن يطفون على سطح الماء، بمن فيهن زوجة القس بيدر كروغ التي طلبت بنفسها الخضوع لاختبار الطوف سنة 1663 لدحض الاتهامات الموجهة إليها. ويقول المؤرخ روني بليكس هيغن إن: "مطاردة الساحرات ليست صفحة من التاريخ انطوت، بل هي مستمرة بقوة، ليس في الغرب، لكن في أفريقيا خصوصاً وأيضاً آسيا وأميركا الجنوبية".
واليوم كما في الأمس، غالباً ما تتهم الساحرات المزعومات بالتسبب بالمآسي، مثل الأمراض واختفاء الأشخاص والغرق والعواصف والحوادث على أنواعها.
وفيما أعدم 50 ألف شخص في أوروبا بتهمة ممارسة الشعوذة، لقي ما بين 70 و80 ألف شخص في العالم حتفهم للسبب عينه منذ الحرب العالمية الثانية.
ويقول المؤرخ هيغن: "إنها أرقام رسمية سترتفع مع مرور الوقت. ونصب فارد التذكاري يدل على أن الاضطهاد لم ينته".
العرب اون لاين