( تايم ): هذه هي ابعاد لعبة شطرنج تمارسها روسيا واسرائيل واميركا ودول اخرى على الرقعة السورية

واشنطن - القدس - يشبه تحقيق نشرته مجلة "تايم" الاميركية اليوم السبت لمراسلها في مدينة القدس كارل فيك ادوار روسيا واسرائيل والولايات المتحدة وتركيا وبعض الدول العربية في الازمة السورية بلعبة شطرنج تدور على الرقعة السورية. ويقول فيك ان قرار الائتلاف الوطني السوري الذي يمثل المعارضة على المسرح الدولي عدم الاشتراك في محادثات السلام المقترح اجراؤها في هذا الشهر، هو قرار قد يبدو انه يهمش دور الدبلوماسية في ايجاد حل للحرب الاهلية. وفي ما يلي نص التحقيق:
"رغم هذا الموقف الذي اعلنته المعارضة السورية فان دور الدبلوماسية لا يزال في قمة نشاطه في ما يتعلق بالحرب الاهلية، بل انه حتى مع تزايد الاعمال الرهيبة التي تشهدها ساحات القتال، فان جزءا واسعا من الحرب يتمثل ايضا في التصريحات. وليس أدل على ذلك من البيانات التي غطت على تصريحات الثوار على موجات الانباء ذاتها: فالرئيس السوري بشار الاسد اشار في لقاء تلفزيوني الى ان روسيا ارسلت بالفعل بعض قطع البطاريات المضادة للطائرات التي تعرف بـ"إس-300".
وترقى تصريحات الاسد الى ما يعرف اصلا بـ"دبلوماسية (تلفزيون) سي إن إن"، اي باستخدام التلفزيون عبر الاقمار الاصطناعية لنقل رسالة ما. ومع ذلك فان هذا التعبير لم يعد شائعا، لاسباب منها ان ذلك اصبح امرا عاديا ولوجود العديد من البدائل لـ"سي إن إن". وفي هذه الحالة، فان الوسيلة كانت جزءا مهما من الرسالة: فالرئيس السوري الذي يجد نفسه متورطا، استخدم لبث رسالته تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله، المؤيد لميلشيات سوريا من الاراضي اللبنانية جنبا الى جنب مع ايران، التي انشغلت وسيلتها الدعائية تلفزيون "برس تي في" لشرح النقاط التفصيلية الواردة في المقابلة. ويحلو للقادة العسكريين تكرار قول لكارل فون كلاوزفيتز بان الحرب ليست الا امتدادا للسياسات بطرق مختلفة. ولكنك لا تسمع احداً من الدبلوماسيين يشير الى (شخصية فيلم الاطفال) ميري بوبنز عن المعايير اللازمة للمربية المثالية (وهي): "العبي لعباً، من كل الانواع". ولننظر في بعض الالعاب الدبلوماسية التي ولدها الصراع السوري:

القرقعة بالسلاح:
ان الصواريخ "إس-300" تعتبر تهديدا قويا للطائرات المعادية. وعندما توصلت روسيا الى اتفاق لبيع المنظومة الى ايران، اهتاج البنتاغون بسبب ما يحمله ذلك من مضاعفات في وجه القوة الجوية الاميركية لدرجة ان واشنطن ظلت تضغط على موسكو لسنوات للتراجع عن الصفقة، وهو ما توصلت اليه في نهاية الامر في العام 2010، بزعم العقوبات الدولية الهادفة الى حرمان ايران من برنامجها النووي. والتعهد الروسي ببيع المنظومة ذاتها الى سوريا لا تعني شيئا من حيث مسيرة الحرب الاهلية : فالثوار ليست لديهم طائرات.
لكن اسرائيل تملك طائرات، وفي حال تسليم الـ"إس -300" فان اسرائيل اعلنت على لسان وزير دفاعها موشيه يعلون هذا الاسبوع انها "تعرف ما عليها ان تقوم به". والتداعيات واضحة على ضوء سجل اسرائيل الاخير: اذ قامت الطائرات الاسرائيلية من طراز "إف-16" ثلاث مرات في الاشهر الاربعة الاخيرة بقصف الداخل السوري، وواستهدفت بالتحديد منظومات الاسلحة المتقدمة التي تُصنف قذائف "إس-300" من ضمنها. وكان المقصود من تلك الهجمات ان تظل طي الكتمان، والهدف منها لا يتعدى منع تحويل تلك الاسلحة الى حزب الله، الذي يمثل مجموعة ميليشيا قوية ساعدت ايران على تشكيلها لمقاتلة اسرائيل. واكدت اسرائيل جهرا وعلانية عبر القنوات الخلفية ايضا ان نزاعها ليس مع الاسد، الذي ينظر كثير من الاسرائيليين في الداخل الى انتهاء عهده باعتباره خطوة ايجابية (لانه سيقلل الى حد كبير من أهمية حزب الله وبالتالي ايران، وقد ارسل كلاهما مقاتلين لمساعدة الاسد). وان كان هناك صف اخر في اسرائيل ينظر الى الاسد على انه "الشيطان الذي نعرفه"، وانه عدو مكشوف ولا يمثل اي مخاطر الى حد كبير، ويمكن استبداله بزمرة من الثوار الجهاديين، البعض منهم حلفاء رسميا مع تنظيم "القاعدة".
وقال يفتاح شابير، مدير مشروع التوازن العسكري الاسرائيلي في معهد دراسات الامن القومي الذي يضم متقاعدين من خدمات الامن الاسرائيلية في تل أبيب: "لم تكن اسرائيل تقصد التدخل، وليست هناك علاقة تذكر بين هذه العمليات الجوية والثورة القائمة في سوريا. فاسرائيل لا تتدخل لصالح احد من الجانبين ضد الجانب الاخر".
ذلك هو القول الرسمي. وبعد التهديد المستتر ليعلون، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باصدار امر الى المسؤولين الحكومين بعدم التصريح باي شيء عن سوريا. وفي الوقت ذاته فان قائد سلاح الجو الاسرائيلي حذر بشكل صريح من انه في حال سقوط الاسد، فان اسرائيل ستقوم بعمليات واسعة الهدف منها تدمير منظومات الاسلحة الكيميائية والبيولوجية والمتقدمة لدى الجيش السوري. ويحمل البديل، وهو اختفاء الاسلحة داخل عالم "القاعدة" والمنظمات الارهابية الاخرى اللامسؤولة، اكثر من تبرير للمخاطرة التي يمكن ان تقوم بها اسرائيل في توريط نفسها في القتال، حسب قول الجنرال عمير ايشل "قد نجد انفسنا مضطرين لاتخاذ اجراء على نطاق واسع للغاية، خلال فترة قصيرة جدا ".

دبلوماسية "فيسبوك":
واشار نتنياهو الى هذه النقطة ذاتها على وسائل الاعلام الشعبية الرئيسية في آذار (مارس)، بتبرير قرار حكومته لاصلاح العلاقات مع تركيا. "من المهم لتركيا واسرائيل اللتين تشاركان سوريا في الحدود، ان تكون لديهما القدرة على التواصل مع بعضهما، وهو امر يتعلق ايضا بالتحديات الاقليمية الاخرى. فسوريا تحتضر، وبدأت ذخيرتها الهائلة من الاسلحة المتقدمة بالوقوع في ايدي عناصر مختلفة. وما نخشى منه اكثر من اي شيء اخر هو وقوع الاسلحة الكيميائية في ايدي جماعات ارهابية".

الدبلوماسية الوقائية:
ان اقوى الادلة الملموسة على ان اسرائيل تريد البقاء خارج الحرب الاهلية السورية هو تخفيفها المتكرر من شأن الحوادث على تلك الحدود المشتركة التي ما زالت قائمة كجبهة عسكرية منذ حروب العقود الماضية. ففي احد الايام في اواخر الشهر الماضي اكتشف جنود الجيش السوري النظامي دخول دورية اسرائيلية راجلة من كتيبة الاستطلاع في لواء غولاني الى المنطقة الحرام بين الجبهتين، فوجد اعضاؤها انفسهم محصورين في مكانهم عندما وجه السوريون قذائف هاون نحوهم. ثم، قبل ان تتمكن القوات الاسرائيلية من انقاذهم، لوحظ ان جنوداً سوريين يتوجهون نحوهم سيراً على الاقدام، وهو مشهد دفع القادة الاسرائيليين الى توجيه نيران دمرت الموقع السوري. وكما كان الامر بالنسبة الى حادثة سابقة تعرضت فيها سيارة جيب عسكرية اسرائيلية للنار من الجانب السوري، اوحى المسؤولون الاسرائيليون بان المشكلة ربما كانت "نيراناً طائشة".

دبلوماسية السفن الحربية:
انتقلت عشر سفن حربية روسية تقريباً الى المياه السورية بالقرب من قاعدة طرطوس حيث تشغل سوريا وروسيا قاعدة بحرية مشتركة هي المنشأة الوحيدة لروسيا في المياه الدافئة. وشكل نشر هذه السفن الذي يذكر باجواء الحرب الباردة اشارة تضامن مع الاسد وتحذيراً ضمنياً الى تلك الدول - مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا والدول السنية الاخرى المنحازة الى المتمردين، خصوصاً المملكة العربية السعودية وقطر - بان موسكو ستدافع عن نصيبها الذي احتفظت به على مر اجيال في سوريا، حيث مصلحتها الوحيدة في الشرق الاوسط.
ولا يتوقع ان يكون للسفن دور في القتال - مع انها تحمل، على ما يفترض، قدرات استخباراتية. ووجودها رمزي بصورة اساسية. وينطبق هذا في الواقع ايضاً على الهرج المتعلق بنظام الصواريخ "اس-300"، وفقاً للمحل العسكري شابير. ذلك ان هذا النظام، رغم فاعليته، معقد الى حد انه لا يمكن جمعه ضمن مدة ستة اشهر. ثم هناك التحدي المتمثل في تدريب السوريين على استخدامه.
وكبديل، يمكن ان ترسل روسيا مشغلين من عندها، وهو خيار ستجده اسرائيل اقل تهديداً بكثير. ويقول شابير: "بالمناسبة، سنظر الروس الى الامر كوزن مكافيء لست بطاريات صواريخ باتريوت (من "ناتو") منشورة الآن في تركيا على الحدود مع سوريا. ويقوم بتشغيلها اميركيون، والمان وهولنديون. وطبعاً اذا ارسلت روسيا وحدات تضم جنوداً روس، فان اسرائيل لن تهاجم".
وعلى اي حال، فان آخر ما صدر من تصريحات من روسيا هو ان ان نظام "اس-300" لن يسلم الى سوريا قبل سنة اخرى، على الاقل. فعلام كانت تلك الضجة كلها؟ يقول شابير: "اعتقد ان الاعلان عن النقل لعبة روسية. انه لعبة روسية القصد منها القول للعالم برمته بجلاء ان لهم اهتماماً قوياً بسوريا ولا ينبغي تجاهلهم".