( تقرير ) :الحرب السورية تعمِّق الانقسامات في الشرق الأوسط

الأحد 02 يونيو-حزيران 2013 الساعة 11 مساءً / وفاق برس:
عدد القراءات 1371
وكالات:وقعت لحظة غريبة وغامضة في المعركة على مدينة القصير الصغيرة يوم الاثنين الماضي حين ظهرت سيارة «جيب» عسكرية إسرائيلية قديمة أمام كاميرات التلفزيون السوري الرسمي. وفق وكالة «سانا» الرسمية، كانت تلك المركبة التي صادرها الجيش في القصير وفق ادعاءاته دليلاً واضحاً على تورط إسرائيل في الحرب الأهلية السورية. أضافت الوكالة: «يؤكد هذا الأمر على أن إسرائيل وتركيا وقطر تقود الأعمال العدائية ضد سورية عبر مركز عمليات مشترك».
لكن لم يشرح تقرير وكالة «سانا» السبب الذي دفع إسرائيل إلى التدخل عبر استخدام مركبة غير مستعملة منذ 10 سنوات. سرعان ما تبين أن سيارة «الجيب» مستخرجة من مخزن أحد المتاحف. كانت تُستعمل سابقاً في سجن الخيمة العسكري في جنوب لبنان لنقل السجناء إلى أن انسحب الجيش الإسرائيلي من المنطقة في مايو 2000. بعد ذلك، أنشأ «حزب الله» اللبناني مركزاً تذكارياً في السجن ويبدو أنه جلب المركبة الآن إلى القصير. هذا ما يفسر ظهور جرارة أمام السيارة في الصور.
لكن على رغم هذه الحملة الدعائية، قد تصبح معركة القصير المريرة نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية. للمرة الأولى، يقود مقاتلو «حزب الله» علناً الحرب الميدانية ضد الثوار بينما يوفر لهم الجيش السوري الدعم بالدبابات والضربات الجوية.
أرسلت إيران، حليفة النظام السوري، القوات العسكرية للمحاربة إلى جانب الرئيس بشار الأسد. قد تتوسع الثورة وتتحول إلى صراع طائفي يتجاوز حدود البلد وسط احتدام الانقسام والتوتر في أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما الانقسام القائم بين السُّنة والشيعة. وقد تنجرّ مراكز الصراع بين فرعَي الإسلام الأساسيين (لا تزال معزولة حتى الآن في لبنان والعراق والمملكة العربية السعودية) إلى صراع واسع قد يغلّف المنطقة كلها سريعاً.
في 30 أبريل، أعلن أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، عن سياسة قد تؤدي إلى نوع الصراع الذي بدأ الآن في القصير. ثم وصف بعد زيارة طهران الثوار في سورية بـ«التكفيريين»، في إشارةٍ إلى المتعصبين السُّنة الذين يعتبرهم الشيعة مهرطقين يريدون محاربتهم وتدنيس أضرحتهم. لهذا السبب، أكد نصرالله على ضرورة التحرك بشكل استباقي والقيام بكل ما يلزم لدعم إخوتهم الشيعة الذين يحاربون لصالح الأسد.
بعد خطاب نصرالله، تدفقت وحدات «حزب الله» نحو الحدود طوال أسابيع، فضيّقت الحصار حول القصير. يوم الأحد 19 مايو، أطلق مقاتلو الحزب هجوماً على المدينة التي تدمرت منذ فترة طويلة بسبب القصف. يوم الإثنين الماضي، ذكرت وسائل الإعلام السورية الرسمية أن قوات النظام أوشكت على تحقيق النصر مع أن الثوار كانوا يتابعون القتال فوق الأنقاض حتى يوم الجمعة الماضي. كذلك، يتجه عدد إضافي من الثوار من حلب إلى القصير بينما يتابع مقاتلو «حزب الله» الوصول من لبنان.
قُتل حوالى 100 فرد من الثوار و40 من نخبة مقاتلي «حزب الله» خلال أول يومين من المعركة. بالنسبة إلى «حزب الله»، إنها أكبر حصيلة قتلى في صفوفه منذ الحرب مع إسرائيل في عام 2006.

اشتداد العداوة:
في الماضي، كان «حزب الله» يدفن مقاتليه الذين يسقطون في سورية سراً. أما اليوم، فهم يُحمَلون إلى قبورهم ضمن مواكب علنية. يبدو أن الحزب يريد توجيه رسالة مفادها أن سقوط كل مقاتل يؤكد على واجب متابعة القتال.
لكن تشير الحملة الدعائية اليائسة المرتبطة بالمركبة الإسرائيلية إلى الانزعاج الذي يشعر به «حزب الله» لدرجةٍ دفعته إلى المجازفة بتشويه صورته التي صقلها على مر ثلاثة عقود باعتباره المدافع عن لبنان في وجه إسرائيل. تحول «حزب الله» الذي يعتبر نفسه «داود» العربي الذي يصر على تحدي «جالوت» الإسرائيلي إلى جيش طائفي في صراع أخوي ضمن الإسلام.
بدل أن يكون لبنان دولة موحدة، تماسك البلد طوال سنوات بفضل اتفاق ثابت بين الجماعات الدينية. لكن ها قد بدأ ينجر الآن إلى الحرب في سورية المجاورة. في الأسبوع الماضي، شهدت مدينة طرابلس الشمالية أسوأ المعارك منذ سنوات بين المتطرفين السُّنة وميليشيات من العلويين. نشأت اضطرابات أيضاً خلال موكب جنازة من تنظيم «حزب الله» في مدينة صيدا الجنوبية.
لا يزال عدد المجاهدين السُّنة الذين يأتون إلى سورية من أنحاء العالم العربي منخفضاً. ارتكزت طريقتهم القديمة لتحديد عدوّهم على أسلوب «القاعدة» التي تقود الصراع ضد الغرب واليهود وجميع الكفار بشكل عام. لكن بدأت تلك الصورة تتغير، إذ يعارض السُّنة الآن كل من يُعتبر خائناً للإسلام الحقيقي: الشيعة.

القصير المحورية:
تقع مدينة القصير على بُعد 200 كلم من الحدود الإسرائيلية. بما أن «حزب الله» يحارب الآن الأشخاص الذين وفروا المأوى للمواطنين اللبنانيين حين هربوا من القصف الإسرائيلي في عام 2006، لم تعد حملته تحظى بتأييد واسع في لبنان. لكن تحتل القصير أهمية كبرى لأن أحد الطرقات التي يستعملها الثوار لبلوغ مدينة حمص الصناعية سابقاً يمر بتلك البلدة. لكن يُعتبر الطريق السريع المجاور أهم من المدينة نفسها. إذا أبقاه النظام السوري مفتوحاً، يمكنه أن ينقل الجنود من المنطقة التي يسيطر عليها على طول الساحل إلى دمشق، ويمكنه أن ينقل الصواريخ والمعدات العسكرية الأخرى من مرفأ طرطوس إلى العاصمة.
في الشهرين الأخيرين، أنشأ جيش الأسد حلقة حول العاصمة دمشق، ما يعني محاصرة آلاف الثوار في الضواحي. يمكن تقسيم البلد إلى قسمين. تراجع حجم قوات الأسد ولكنها لا تزال موالية للرئيس. تتألف من وحدات نخبوية وميليشيات علوية وقوات إيرانية ومقاتلي «حزب الله». تقوم هذه الجهات كلها بالسيطرة على الطرف الجنوبي من البلد، من دمشق إلى الساحل الشمالي، فضلاً عن محافظة السويداء الدرزية في الجنوب وأجزاء من الصحراء في شرق دمشق وحمص. باستثناء بعض المعاقل التابعة للجيش السوري، يسيطر الثوار على بقية المعاقل: إدلب في الشمال وأجزاء كبيرة من حلب، والمناطق الكردية، ودير الزور في الشرق، والجزء الجنوبي الشرقي من البلد.
ذكرت وكالات الأنباء الغربية أن سقوط القصير سيحرم الثوار من جميع إمدادات الأسلحة. لكنّ هذه الادعاءات غير صحيحة لأن طريقاً فقط من طرقات التهريب يمر بمنطقة القصير. باستثناء معبر حدودي واحد، يسيطر الثوار على كامل الحدود مع تركيا. الوضع مشابه على الحدود مع الأردن، وحتى الحدود مع العراق حيث تدعم الحكومة الأسد.
لم تكن طرقات النقل هي التي أُقفلت. بل تجمدت طوال أسابيع شحنات الذخائر وأسلحة الكلاشنكوف والقذائف الصاروخية التي كانت تسمح تركيا والأردن بمرورها. من دون موافقة الولايات المتحدة، تعجز تركيا والدول الخليجية الأخرى عن إرسال أسلحة إلى الثوار. لكن تريد واشنطن الآن أن تتروى وتنتظر نتائج مؤتمر السلام الدولي الذي سيُعقد في شهر يونو في جنيف.

توسع الانقسام الطائفي:
لكن لا تعلم الولايات المتحدة وأوروبا حتى الآن ما يجب فعله. خلال اجتماعهم الأخير، لم يتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على موقف موحّد لتحديد ما سيحدث بعد انتهاء مدة حظر الأسلحة. يميل كل من فرنسا وبريطانيا إلى دعم خطوة توفير المساعدات العسكرية إلى الثوار بينما تشعر الحكومة الألمانية بأن أفضل استراتيجية تقضي بالبقاء خارج الصراع. كذلك، تبدي دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك النمسا والجمهورية التشيكية، معارضة شديدة لتوفير أي نوع من المساعدات العسكرية إلى الثوار.
في غضون ذلك، يتابع حلفاء الأسد تدعيم آلياته العسكرية. قبل أيام، أعلن عوض الزعبي (جنرال سابق في القوات الجوية السورية انشق عن النظام وقصد العاصمة الأردنية عمّان في عام 2012) أن الشعبة 720 من جهاز استخبارات القوات الجوية السورية تجمع لائحة من الأوامر لطهران كل مساء. بعد 15 ألف مهمّة، لا تفتقر قوات الأسد إلى القنابل فحسب بل إلى مختلف المواد مثل العجلات والسائل الهيدروليكي وقطع التبديل والكيروسين. يوضح الزعبي الذي يقيم الآن كضيف في فيلا زعيم قبلي سعودي: «تصل طائرات الشحن الإيرانية بشكل شبه يومي وهي تحمل المواد المطلوبة. إذا توقفت عمليات التسليم، سينتهي أمر القوات الجوية بعد أسبوعين».
يبدي كل من إيران و{حزب الله» تأييداً شديداً لدمشق. صحيح أن الدول السنية المجاورة لسورية امتنعت عن التدخل العسكري، لكنها تستعد لاتخاذ المواقف بشأن الجبهة الجديدة. في أواخر عام 2011، انسحبت الجماعة السنية الفلسطينية «حماس» من دمشق حيث أقام قادتها لسنوات تحت رعاية إيران.
من المعروف أن معظم الأكراد في تركيا وسورية والعراق من السُّنة أيضاً. ربما ساهم هذا الواقع في نجاح المفاوضات الأخيرة بين المنظمة الانفصالية الكردية، «حزب العمال الكردستاني»، والحكومة التركية بعد 30 سنة من الحرب الأهلية. أدى الزعيم العراقي الكردي مسعود برزاني دوراً أساسياً لتحقيق ذلك الإنجاز. طوال أسابيع، كانت قواته مستعدة لإطلاق النار على وحدات الجيش التي تخضع لقيادة رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي. يُجبر المالكي من جهته السُّنة على الخروج من الحكومة والمراكز العسكرية في بغداد بينما يشهد البلد أسوأ الاعتداءات منذ سنوات.
يبدو كل شيء متداخلاً. مثل شظايا الحديد على المغناطيس، بدأت الدول والجماعات الإثنية ووحدات القتال تنقسم لأسباب طائفية في ظل توسع الانقسام بين السُّنة والشيعة.

دور إسرائيل في المعادلة المعقدة:
تهدد الحرب الأهلية في سورية بتأجيج صراع قديم آخر. حتى الآن، حاولت إسرائيل شن حرب ضمنية في خضم الحرب القائمة، لكن ليس ضد آلية الأسد العسكرية بل ضد شحنات الصواريخ والأسلحة المتطورة الأخرى من سورية إلى «حزب الله». كما جرت العادة، لم تُظهر القيادة في دمشق (صوّرت نفسها طوال عقود كجبهة ضد «المعتدين الصهاينة») أي مقاومة في وجه الضربات الجوية الإسرائيلية. حتى بعد أحدث عملية قصف في 5 مايو، بالكاد أصدرت احتجاجاً فاتراً معتبرةً أن استمرار الاعتداءات «سيؤجج التوتر في المنطقة».
يبدو أن التفاهم الضمني بين العدوّين، سلالة الأسد وإسرائيل، أفاد الطرفين طوال عقود. حافظت دمشق على السلام في هضاب الجولان التي احتلتها إسرائيل وأدارتها منذ حرب الستة الأيام في عام 1967. في المقابل، تركت إسرائيل النظام على راحته، على رغم خطابها العدائي، واكتفت ببعض الضربات الجوية المستهدَفة من وقتٍ إلى آخر. لكن اندلعت حروب بالوكالة في لبنان. حتى بعد الاعتداء في بداية شهر مايو، بذلت الحكومة الإسرائيلية جهدها لطمأنة السوريين حين أكدت أنها لم تكن تهدف إلى إسقاط النظام بل منع وصول الأسلحة إلى «حزب الله» بكل بساطة.
تشبه إسرائيل «حزب الله» في قناعة كل فريق بقدرته على اختيار الطرف الذي يريد محاربته. يريد «حزب الله» ضرب الثوار السُّنة في سورية ولكنه يريد تجنب الصراع مع السُّنة في لبنان. لكن إلى متى ستنجح هذه المقاربة؟
تخضع إسرائيل للضغوط التي تدعوها إلى وقف عمليات تسليم أي صواريخ مستقبلية إلى «حزب الله». ويجب أن يثبت الحزب من جهته صحة شعاراته. يجد «حزب الله» صعوبة في تبرير قراره بإرسال أكثر من ألف رجل للقتال في القصير التي لا تضم أي ضريح شيعي أو جنود إسرائيليين مقابل عدم تحريك أي ساكن بعدما قصفت إسرائيل ترسانة كانت متوجهة إلى الحزب.
يتبادل الطرفان بعض التهديدات. لكن على رغم هذه الحملة الدعائية كلها، تبقى الحرب المفتوحة احتمالاً مستبعداً. في المقابل، تبدو الحرب أقرب إلى الواقع بسبب قرار موسكو منح سورية أحدث نظام للدفاع الجوي من طراز «إس300-0»، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان الروس سيغيرون رأيهم في اللحظة الأخيرة. حتى بعدما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موسكو في 14 مايو، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو ستتابع تسليم أنظمة الدفاع إلى سورية لأنها ملزمة بذلك بموجب العقود.
إذا كان نظام الدفاع الجوي (يشمل ست بطاريات و144 صاروخاً وفق الاتفاق مع موسكو) قابلاً للاستعمال في المستقبل القريب، سينهار تفوق إسرائيل الجوي المطلق في المنطقة. ستصبح طائراتها ضمن نطاق صواريخ «إس -300» بعد فترة قصيرة من إطلاقها. تهتم روسيا بإبقاء الأسد في السلطة. لكن سيبقى «حزب الله» محصناً أيضاً في وجه الاعتداءات تحت مظلة الدفاع الجوي في سورية.
يقول غيورا إيلاند، جنرال متقاعد ومستشار سابق في شؤون الأمن القومي: «لن تسمح إسرائيل بحصول ذلك. إنها مسألة صعبة جداً بالنسبة إلينا. في النهاية، لا نريد الحرب مع روسيا. لكن إذا تابعت تسليم المعدات، سيكون الرد دراماتيكياً على الأرجح».

مواضيع مرتبطة
غلوبال بوست: أيّ جار لسوريا سيكون الخاسر الأكبر من حربها
نيويورك تايمز: صراع سني- شيعي يشعل المنطقة انطلاقاً من سوريا
فيسك: حزب الله استدرج الى تضاريس غير مألوفة في سوريا بينما هو يخوض معركةً من اجل البقاء
روسيا منعت بيان مجلس الأمن لتحيزه : احتدام المعارك في سوريا قبيل مؤتمر جنيف والتليجراف تتهم القرضاوى بتأجيج الطائفية وبريطانيا ستبت بتسليح المعارضة بعد محادثات السلام
تحقيق في صحيفة ( الغارديان ) : قرى الجولان تترقب حرباً مع تصاعد التوتر بين سوريا واسرائيل
( واشنطن بوست ): تصاعد أعمال العنف الطائفي في العراق يحمل أصداء الماضي
سوريا في 24 ساعة: استمرار معارك السيطرة على القصير والجيش يستعيد قريتين بحماة وموقف الأسد يتعزز وروسيا تعرقل قرارا أممياً ( تقرير مفصل )
تحليل إخباري: السعودية تهيمن على ارسال مساعدات للمعارضة السورية
إثيوبيا تبني نهضتها بفضل نهضة الإخوان وتحقق وعد رئيسها الراحل: مصر لا تستطيع إيقاف سد الألفية
تحليل إخباري: رحى الحرب الأهلية في سوريا قد تستمر سنوات واستعادة النظام قد تستغرق عقوداً من الزمن
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية