إثيوبيا تبني نهضتها بفضل نهضة الإخوان وتحقق وعد رئيسها الراحل: مصر لا تستطيع إيقاف سد الألفية

الأحد 02 يونيو-حزيران 2013 الساعة 09 صباحاً / وفاق برس:متابعات
عدد القراءات 1650
يبدو أن العبارة الشهيرة التي قالها المؤرخ الإغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد «مصر هبة النيل» سوف تذهب بلا رجعة، بعد أن قررت إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق، كمرحلة أولى لبناء السد الذي تطلق عليه «سد النهضة» أو سد الألفية.

والنيل الأزرق هو الفرع الذي يمد مصر بأكثر من 80 في المئة من احتياجاتها من المياه، بينما تحصل على الباقي من حصتها في المياه التي تصل إلى 55.5 مليار متر مكعب سنويا عن طريق النيل الأبيض. وبذلك تنتهي الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقا لاتفاقيات 1929 و1959 التي بموجبهما تحصل مصر حتى الآن على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا، والسودان على 18.5 مليارا.

سلبية الإخوان

تأتي عملية تحويل مجرى النيل الأزرق بمثابة صفعة سياسية على وجه النظام المصري، حيث أعلنت الحكومة الإثيوبية عن بدء تحويل مجرى النهر بعد يوم واحد فقط من مغادرة الرئيس المصري محمد مرسي للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إثر حضور الاحتفال باليوبيل الذهبي لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.

يبدو أن ملف مياه نهر النيل ومخاطرها المستقبلية على أمن مصر المائي لم يتم إدراجه على جدول أعمال الرئيس المصري أثناء زيارته، فقد انصبت اهتمامات محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر فقط على القضايا الداخلية وتحقيق أهدافهم في أخونة المؤسسات، وهدم القضاء، والإطاحة بجبهة الإنقاذ الوطني المعارضة، وتعطيل حركة «تمرد» عن جمع ملايين التوقيعات لإحراج مرسي وجماعته داخليا وخارجيا. لكن، قضايا الأمن القومي المصري ومعطياتها، يبدو أنها بعيدة عن أولويات الجماعة.

فإذا ما وضعنا في الاعتبار الضجة التي أثارتها تصريحات بعض المسؤولين السودانيين، في أعقاب زيارة الرئيس المصري للخرطوم، بأنه لا يمانع من أن تقوم السودان بضم مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه، سوف تفضح طريقة التفكير التي تنتهجها جماعة الإخوان، والتي لا تعطي أولوية لما يضر بالمصالح القومية المصرية، وتقتصر فقط على ما يحقق مصالح الجماعة.

ورغم عدم الاهتمام الذي تظهره الحكومة الإثيوبية والتجاهل للموقف المصري في تعاملها مع ملف السد وتبعاته، إلا أنها على ما يبدو قررت إحراج مرسي عندما أوفدت لاستقباله وزيرة التعدين، في حين أن رئيس وزراء جنوب أفريقيا تم استقباله من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه، وهو ما لا يتسق مع مكانة مصر المشاركة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، وبعد اتخاذ أيضا القرار بتحويل مجرى النيل الأزرق فور عودته مباشرة إلى القاهرة.

ويرى محللون أن لجوء أثيوبيا إلى البدء في تحويل مجرى النيل الأزرق الآن بدلا من شهر سبتمبر-أيلول القادم كما كان مخططا له، يهدف بالأساس إلى قياس ردود الأفعال المصرية والسودانية على الإعلان عن مثل هذه الخطوة، والتي ستتحدد على أساسها المراحل المقبلة من المشروع.

وسد النهضة، المعروف في إثيوبيا بسد الألفية العظيم خطّط له الرئيسي الأثيوبي الراحل ميليس زيناوي القائل إن «مصر لا تستطيع إيقاف سد الألفية».

عطش منتظر

تكمن مشكلة مصر والسودان الرئيسية في الموقف الإثيوبي، حيث أنه لا يوجد خطر حقيقي على مصر من ناحية الاتجاه الجنوبي الاستوائي، بسبب أن ما تحصل عليه مصر من هذا الاتجاه هو 15% فقط من حقها التاريخي واستخداماتها الحالية، كما أن الطبيعة الطبوغرافية وطبيعة تكوين النهر من عدة أفرع وضعف معامل الانحدار يجعل من الصعب إنشاء مشروعات كبيرة، حيث لا يكتسب النيل شكله المعروف إلا عندما يبدأ في الخروج من أراضي دولة جنوب السودان متجها نحو الشمال ويأخذ اسم النيل الأبيض، وفي الوقت نفسه فإنه في حالة إقامة أي مشروعات في هذه المنطقة، فإن نسبة تأثيرها على مصر ضعيفة وتصل إلى 10 في المئة، فقط بمعنى أن أي مشروع جديد سوف يستخدم 10 مليارات متر مكعب إضافية في هذه المنطقة فإن تأثيره على مصر هو تقليل حصتها بمقدار مليار متر مكعب واحد، وذلك بخلاف نسبة التأثير لمشروعات الهضبة الإثيوبية التي تصل إلى 90 في المئة.

وينتظر الجميع تقرير اللجنة الثلاثية التي تم تشكيلها بالاتفاق بين دول مصر والسودان وإثيوبيا لدراسة التأثيرات السلبية المحتملة على حصص مصر والسودان جراء بناء سد النهضة الإثيوبي، والتي تتكون من ستة أعضاء محليين، (إثنين من كل من مصر والسودان وإثيوبيا)، وأربعة خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود.

وحذّر تقرير صدر في شهر أكتوبر-تشرين الأول الماضي، عن مؤسسة «ستراتفور» -وهي شركة استخبارات أميركية خاصة- من أن مصر تواجه خطر «وجود» إذا تمكنت إثيوبيا من بناء «سد النهضة».

وإذا واصلت مصر غض الطرف عن هذه المشروعات الجديدة، التي تموّلها شركات عالمية كثيرة منها خفية الجنسية، فإن سياستها هذه ستؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام المستثمرين من كل العالم (دولا وشركات) ليجعلوا من إثيوبيا سلاحا يلوون به ذراع مصر. ورغم التطمينات المستمرة التي يصرح بها المسؤولون الإثيوبيون من أن بناء السد لن يؤثر بالسلب على حصة مصر والسودان من المياه، إلا أن هذا يعيد للأذهان تلك التطمينات التي قدمتها تركيا عند قيامها ببناء سد أتاتورك على نهر الفرات، الذي أدى عند الانتهاء منه في 2005، إلى خلق ظروف في غاية الصعوبة في كل من سوريا والعراق، خلافا لما تعهدت به أنقرة.

وكانت تركيا قد بدأت بناء سد أتاتورك في 1983، ضمن مشروع ضخم لبناء 15 سدا يجري حاليا الإعداد لاستكمالها بتكلفة كلية مقدارها 33 مليار دولار، متجاهلة عشرات السنين من الاعتراضات العراقية والسـورية.

وأدى السد إلى حرمان سوريا من 40 في المئة من حصتها من مياه نهر الفرات، بينما كان المردود على العراق أكثر سوءا، حيث لم يعد يحصل سوى على ثُمن حصته عام 1989. ولم تفتح تركيا صنبور المياه إلا قليلا في عام 2009 على إثر مفاوضات بين الدول الثلاث، اشتكت خلالها سوريا والعراق من أن «سد أتاتورك» يخنق البلاد، خاصة بعد أن سادت حالة من الجفاف آنذاك.

ويعتبر خبراء أن عملية تحويل مجرى النيل الأزرق تشكل إنجازا بنسبة 50 في المئة من مراحل بناء سد النهضة. ويعتقدون أن المشكلة التي سيطرحها بناء هذا السد الضخم تتمثل في الفترة المطلوبة لملء خزانه (بأكثر من 70 مليار متر مكعب)، حيث أن تحويل كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق، التي عادة ما تنتهي في السودان ومصر، سيؤدي إلى تقلص حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال فترة ملء الخزان.

 

الأهداف السياسية

 

ويقول خبراء إنه بحلول عام 2050 ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها من المياه والذين يتوقع أن يصل عددهم إلى 150 مليون نسمة.

علاوة على ذلك ثمة مخاوف في مصر والسودان من مواصفات بناء السد الإثيوبي.

فقد تعرضه كميات المياه الضخمة التي سيختزنها لانهيار سيؤدي حتما إلى كارثة بيئية تدمر آلاف الأفدنة وهجرات جماعية لمئات الآلاف من الأسر في شمال السودان وصعيد مصر، بالنظر إلى خبرة الإثيوبيين الضعيفة في بناء السدود، والتي ظهرت في انهيار سد «تاكيزي» الذي انتهى من إنشائه عام 2009.

إثيوبيا ليست في حاجة إلى إنشاء سد بهذا الارتفاع وبهذه السعة التخزينية المقررة لتوليد الكهرباء، حيث أن التصميم الأصلي للسد والذي وضعه الخبراء الأميركيون عام 1964 كانت سعته 11 مليار متر مكعب بعد حساب كل معاملات الأمان، لكن إثيوبيا أعلنت ارتفاع السد ليحجز سبعة أضعاف السعة التخزينية للكمية المقررة للسد الأصلي بما يقرب من 200 مليار متر مكعب، وهو ما يعني احتمالات عدم تأمين السد، حيث أن معامل الأمان طبقا لهذا التصميم تصل إلى 1.5، في حين أن معامل الأمان للتصميم الأصلي كان 12، وهو ما يعني أنه في حالة إنشاء سد النهضة ستكون المخاطر قائمة لأنه مبني على صخور بازلتية مرنة تستجيب للزلازل وعوامل التعرية.

مشروع سد النهضة له أهداف سياسية أكثر منها تنموية لإثيوبيا، ويبدو أن الأخيرة انتهزت فرصة انشغال السلطة السياسية المصرية حاليا بمشاكلها الداخلية، للبدء في تنفيذ المشروع الذي لاقى اعتراضات كبيرة في ظل نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وصلت إلى حد تهديد الأخير بتوجيه ضربة عسكرية استباقية للسد. حيث قامت الحكومة الإثيوبية بتغيير تصميم السد عدة مرات حتى وصلت سعته في المرة الأخيرة إلى 74 مليار متر مكعب، في حين تعد الطاقة الكهربائية المنتظر أن تتولد عن هذا التصميم الأخير أقل من التصميمات التي سبقته.

 

مخاطر المشروع

 

ويزعم خبراء أن لسد النهضة الإثيوبي أكثر من أربع تصميمات ودراسات متعددة آخرها هو ما تم اعتماده ويشمل إقامة بحيرة ضخمة ملحقة بالسد تصل سعتها إلى 74 مليار متر مكعب من المياه يتم امتلاؤها على مدى ست سنوات كل عام تملأ فيه هذه البحيرة سيتم اقتطاع 12 مليار متر مكعب من نصيب مصر من مياه النيل كل عام، ولا يكفي في الظروف الحالية للاستهلاك المائي للمصريين، كما أن هذه الكمية التي ستنتقص كل عام ستصيب مناطق زراعية كاملة بالصعيد بالتصحر بعد انخفاض منسوب السد العالي وبحيرته، إضافة إلى أن انخفاض مخزون المياه سيمنع السد من توليد الكهرباء ما سيؤدي إلى حرمان مئات القرى المصرية من التيار الكهربائي. ويحذر آخرون من خطورة انهيار سد النهضة المزمع إقامته لأنه تم تشييده على منحدر شديد الوعورة، حيث إنه سيُبنى على فالق جيولوجي يجعل القشرة الأرضية تتعرض لتشققات ستؤدي إلى انهيار السد الذي سيؤدّي إلى إغراق المساحات ما بين الخرطوم وصولا إلى السد العالي في الشمال عند أسوان.

 

خيارات مصيرية

 

 يبقى أمام مصر ثلاثة خيارات لوقف بناء السد، أولها: مواصلة الضغط الدبلوماسي على أديس أبابا، وتستند مصر في هذا الاتجاه إلى أدوات متعددة، منها الشرعية الدولية، فبناء السد غير قانوني وفقا لأحكام اتفاقية عام 1959 واتفاق عام 2010. وقد بادرت مصر بالفعل بالضغط على الهيئات التشريعية في هذه الدول لتأخير أو منع التصديق على الاتفاقية.

فإذا فشلت هذه الجهود، فالخيار الثاني أمام القاهرة هو تنشيط ودعم جماعات مسلحة لشن حرب بالوكالة على الحكومة الإثيوبية، ولن تكون هذه الخطوة جديدة على مصر، ففي السبعينات والثمانينات، استضافت مصر - وهو ما فعلته السودان لاحقا- جماعات مسلحة معارضة لأديس أبابا، ومن بينها الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا التي انفصلت عن إثيوبيا في عام 1994 بدعم مصري، بالإضافة إلى أن مصر تستطيع دعم هذه الجماعات المسلحة مرة أخرى للضغط على الحكومة الإثيوبية المقسمة عرقيا، وهناك ما لا يقل عن 12 جماعة مسلحة منتشرة في أنحاء إثيوبيا وتعمل على قلب نظام الحكم أو إقامة مناطق مستقلة.

 إلى جانب ذلك فقد ذكرت بعض التقارير أنه يمكن لمصر الاستعانة بحلفائها في إريتريا لزعزعة استقرار إثيوبيا، ويبدو أن ذلك هو السيناريو الذى بدأ بالفعل، فقد أعلنت إثيوبيا مؤخرا أنها ضبطت 500 قطعة سلاح وكميات كبيرة من الذخيرة أثناء محاولة تهريبها إلى داخل البلاد من السودان، وجاءت هذه الواقعة بعد شهر واحد من إعلان 6 جماعات إثيوبية معارضة في المنفى تشكيل حركات مسلحة ضد الحكومة.

ففي نوفمبر-تشرين الثاني عام 2011 اتهمت الحكومة الإثيوبية بعض الأطراف الخارجية بدعم جماعات دينية إسلامية مسلحة لتحويل إثيوبيا (المسيحية) إلى دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية، .

أما الخيار الثالث فهو التدخل العسكري المباشر الذي قد تلجأ إليه القاهرة في حالة نجاح إثيوبيا في بناء السد وتأثرت حصتها بالفعل وبشكل كبير، كما فعلت من قبل عام 1976 (بحسب بعض الوثائق السرية التي صدرت مؤخرا) عندما قامت بتفجير سفينة في عرض البحر كانت تحمل معدات لبناء سد كبير في إثيوبيا.

مؤامرات خارجية

رغم أن أزمة مياه نهر النيل ليست بالأمر الجديد إلا أنها اتخذت منحى آخر وبدأت تحدث ضجة كبيرة على خلفية التغيرات البيئية والسكانية من جهة والتغييرات الإستراتيجية والسياسية بسبب دخول جهات أخرى أجنبية في اللعبة.

حيث تشير التقارير والدلائل إلى تورّط الجانبين الأميركي والإسرائيلي في هذه «الحرب الصامتة» بتحريضها للدول التي تنبع منها مياه النيل من خلال تبني شركاتها إقامة مشاريع إنمائية فيها وإقامة السدود بتقديمها مساعدات فنية ومالية ضخمة. وحرصت إسرائيل في الآونة الأخيرة بشدة على بناء علاقات إستراتيجية قوية مع الدول الأفريقية ومنها إثيوبيا، حيث تقوم إسرائيل بإمداد إثيوبيا بالمساعدات الاقتصادية والطبية، بالإضافة لبعض أساتذة الجامعات والعلوم المخــتلفة.

وعقب إعلانها عن تحويل مسار النيل الأزرق، دعت السفارة الإثيوبية في «إسرائيل» المواطنين والشركات «الإسرائيلية» إلى شراء سندات لتمويل «سد النهضة».

 ونشرت السفارة الإثيوبية في «إسرائيل» ملفًا عن سد النهضة باللغة العبرية، تضمن معلومات عن المشروع تحدثت عن أهمية بناء هذا السد الذي سيكون أكبر مولد للطاقة الهيدروليكية في أفريقيا، والسابع على مستوى العالم.

 

العرب اون لاين

 
مواضيع مرتبطة
تحليل إخباري: السعودية تهيمن على ارسال مساعدات للمعارضة السورية
سوريا في 24 ساعة: استمرار معارك السيطرة على القصير والجيش يستعيد قريتين بحماة وموقف الأسد يتعزز وروسيا تعرقل قرارا أممياً ( تقرير مفصل )
( واشنطن بوست ): تصاعد أعمال العنف الطائفي في العراق يحمل أصداء الماضي
( تقرير ) :الحرب السورية تعمِّق الانقسامات في الشرق الأوسط
غلوبال بوست: أيّ جار لسوريا سيكون الخاسر الأكبر من حربها
تحليل إخباري: رحى الحرب الأهلية في سوريا قد تستمر سنوات واستعادة النظام قد تستغرق عقوداً من الزمن
تباين بشأن محتوى قضية جنوب اليمن
مثقفو مصر يطالبون بإقالة وزير الثقافة ووقف أخونة القطاع
سوريا : 165 قتيلا وقوات الأسد تضيق الخناق على المعارضة في القصير وهجمات صاروخية على البقاع اللبناني وحرب إعلامية بين روسيا والغرب ( تقرير موسع )
الربيع العربي ينتقل الى تركيا واردوغان يدعو إلى وقف الاحتجاجات ضد الحكومة
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية