علي عبدالله صالح .. الحوار مفتاح شخصيته

الجمعة 11 أغسطس-آب 2017 الساعة 06 مساءً / وفاق برس/ متابعات:
عدد القراءات 1355
بقلم‮ ‬الدكتور‮/‬ أحمد‮ ‬الأصبحي: 


لكل‮ ‬صاحب‮ ‬رسالة،‮ ‬وقائد‮ ‬عظيم،‮ ‬وسياسي‮ ‬حكيم،‮ ‬مفتاح‮ ‬لشخصيته‮ ‬يسهل‮ ‬به‮ ‬سبر‮ ‬أغوارها،‮ ‬واكتشاف‮ ‬قدراتها،‮ ‬وتفسير‮ ‬آثارها‮ ‬ومآثرها،‮ ‬واستكناه‮ ‬ما‮ ‬تفكر‮ ‬به‮ ‬لمستقبل‮ ‬أفضل‮.‬
والأخ‮ ‬الرئيس‮ ‬علي‮ ‬عبدالله‮ ‬صالح،‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬أولئك‮ ‬القلائل‮ ‬العظام‮ ‬الذين‮ ‬جاد‮ ‬بهم‮ ‬تاريخ‮ ‬اليمن‮ ‬المعاصر،‮ ‬وأزعم‮ ‬أن‮ ‬مفتاح‮ ‬شخصيته‮ ‬الفذة‮ ‬هو‮ ‬الحوار‮.‬
والذين التقوه، ويقابلونه من المواطنين والضيوف الأشقاء والاصدقاء، وهم كثرة كاثرة يجدونه مدرسة متميزة بمنهج حواري هادئ وهادف، مفرداته البحث عن الحقيقة، والوصول إليها، وذم احتكارها، واحترام الرأي والرأي الآخر، ونبذ التعصب المقيت.. وخُلُقُه التواضع الجم، والحلم، وتقدير محاوريه، والاستماع الجيد لمعارضيه.. ووسائلُه المجادلة الحسنة وبيان المنطق والحجة، والصبر والأناة.. وغايته الوصول بمحاوريه الى الأهداف النبيلة، والتفاعل الجاد مع الرسالة الوطنية، والطموحات الشعبية.
وشهود مقامه الحواري إنما يُصدرون في إجماعهم هذا عن يقين جسَّده واقع الوطن والشعب والدول، المتسم في عهده بالانجازات التاريخية المتمثلة بالوحدة والديمقراطية والتنمية الشاملة في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وانعكاسها على السياسة‮ ‬الخارجية‮ ‬لليمن‮ ‬بالمكانة‮ ‬الرفيعة‮ ‬لبلادنا‮ ‬في‮ ‬المنظومات‮ ‬العربية‮ ‬والإسلامية‮ ‬والإقليمية‮ ‬والدولية‮.‬
ولقد كان لبراعة الأخ الرئيس في إدارة الحوار، والتمكن من فنونه ومنهجيته الرسالية دور عظيم في الانتقال باليمن الى مرحلة ثرَّة العطاء، طيبة الخيرات، تؤسس لبناء الدولة الحديثة، دولة النظام والقانون والعمران.
فقد أنهى الأخ الرئيس بالحوار الحواجز النفسية التي كانت قائمة بين السلطة والقوى الفكرية والسياسية.. وأثرى بالحوار التجربة الوطنية وعزز جبهتها الداخلية، وأتاح فرص الانسجام والتجانس والامتزاج بين مختلف ألوان الطيف السياسي، وخلصها من كثير من شوائب الانطباعات الخاطئة، ورواسب الانتقاصات المتبادلة، ومكّنها من الالتقاء على الثوابت الوطنية.. وعالج بالحوار حالة الاحتقانات السياسية، وثبَّت مبدأ تعظيم الجوامع واحترام الفروق.. ورسّخ بالحوار قاعدة العمل الديمقراطي السلمي.. ووصل بالجميع الى الاتفاق على ملء الفراغ السياسي بصياغة ميثاق وطني يمثل الحد الأعلى لالتقاء الشعب على مضمامينه، والحد الأدنى بين مختلف القوى السياسية.. وبقيام المؤتمر الشعبي العام كأسلوب للعمل السياسي المنظم، والذي مهد لقيام التعددية السياسية والحزبية وسرّع بالحوار في إعلان قيام دولة الوحدة بتلازم وثيق مع‮ ‬ديمقراطية‮ ‬التعددية‮ ‬السياسية‮.. ‬وأضاف‮ ‬بالحوار‮ ‬بُعد‮ ‬التنمية‮ ‬السياسية‮ ‬الى‮ ‬بُعدي‮ ‬التنمية‮ ‬الاقتصادية‮ ‬والاجتماعية،‮ ‬وأضفى‮ ‬على‮ ‬التنمية‮ ‬الشاملة‮ ‬روح‮ ‬المشاركة‮ ‬الشعبية‮ ‬والسياسية،‮ ‬وعزز‮ ‬مؤسسات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮.‬
وأزاح بالحوار حالة العزلة التي نأت باليمن عن المحيطين العربين والدولي، واستحوذ على احترام الاشقاء والاصدقاء، وتمكّن بالحوار من حل معضلات العلاقات الحدودية مع دول الجوار الشقيقة وجعل من سياسة بلادنا الخارجية مثالاً للعلاقات المتوازنة، القائمة على الاحترام المتبادل،‮ ‬وخدمة‮ ‬المصالح‮ ‬المشتركة‮.‬
وبصفة إجمالية فقد تمكن الأخ الرئيس من أن يرسم بالحوار الصورة المشرقة والمشرفة لليمن بكلية أجزائها المؤطرة بالوحدة وبمعالمها الديمقراطية البارزة، وبجماليات التنمية الشاملة ومهابة الكيان والمكانة والتاريخ.
ومنهجية الحوار التي اتسمت بها شخصية الأخ الرئيس منهجية رسالية، انبعثت من بين هموم الشعب واهتماماته وآماله، وآلامه وأناته ومحنه وشدائده التي تعرض لها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، والتي تنهدُّ لها الجبال.. فقد رشحه القدر إثر ما شهدته اليمن في تلك الفترة الحالكة الكالحة من مصارع زعامات ثلاث في شمال الوطن وجنوبه، وتمكن هذا الزعيم من أن ينجو باليمن ويجتاز بها تلك الفترة العصيبة الى بر الأمان والسلام، ويلج بالوطن والشعب مرحلة جديدة طافحة بالبشر وواعدة بالخير والرفاه.
وما كان لمنهجية الحوار الرسالية أن تغدو مفتاح شخصية الأخ الرئيس لولا أنها نمت معه، وخالطت كيانه منذ نعومة أظفاره، وصارت أصلاً في تكوين شخصيته التي ترعرعت في يمن اليُمن، واغتذت من غلال إيمانها، وارتوت بماء حكمتها.
فسيرة الأخ الرئيس الذاتية تحدثنا عن فرد من عموم أبناء الشعب، نشأ مواطناً بسيطاً في أسرة ريفية فقيرة تنتمي الى الوسط الشعبي الذي عاش شظف العيش، وذاق مرارة الحياة، محروماً من أبسط حقوقه في الصحة والتعليم في ظل الحكم الإمامي المستبد.. ولم يكن من بُدٍّ أمام أبناء جيله إلاّ الاعتماد على النفس مع أسرهم المكافحة، ومكابدة الحياة، وعناء المعيشة.. وقد كان علي عبدالله صالح واحداً ممن عاشوا فترة طفولتهم بلا طفولة، وهذا ما نمَّى فيه الشخصية العصامية، وروح التحدي ومغالبة شدائد الحياة، فتلقى دراسته الأولية في كُتّاب القرية،‮ ‬وارتبط‮ ‬بالأرض‮ ‬فلاحةً‮ ‬ورعياً،‮ ‬ولامست‮ ‬قدماه‮ ‬تربتها،‮ ‬وتوطنت‮ ‬نفسه‮ ‬على‮ ‬محبتها،‮ ‬وارتقت‮ ‬المحبة‮ ‬الى‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوطن،‮ ‬فكان‮ ‬الاهتداء‮ ‬الى‮ ‬الالتحاق‮ ‬بالقوات‮ ‬المسلحة‮ ‬عام‮ ‬1958م‮.‬
وبفضل‮ ‬عصاميته،‮ ‬وعلو‮ ‬همته،‮ ‬وقوة‮ ‬جلده‮ ‬وانضباطه،‮ ‬تدرج‮ ‬في‮ ‬الرتب‮ ‬العسكرية،‮ ‬وشغل‮ ‬مناصب‮ ‬قيادية‮ ‬عسكرية‮ ‬منها‮:‬
‮- ‬قائد‮ ‬فصيل‮ ‬دروع‮.‬
‮- ‬قائد‮ ‬سرية‮ ‬دروع‮.‬
‮- ‬أركان‮ ‬حرب‮ ‬كتيبة‮ ‬دروع‮.‬
‮- ‬مدير‮ ‬تسليح‮ ‬المدرعات‮.‬
‮- ‬قائد‮ ‬كتيبة‮ ‬مدرعات‮.‬
‮- ‬قائد‮ ‬قطاع‮ ‬المندب‮.‬
‮- ‬قائد‮ ‬لواء‮ ‬تعز‮.‬
‮- ‬قائد‮ ‬معسكر‮ ‬خالد‮ ‬بن‮ ‬الوليد‮ »‬1975‮-‬1978م‮«.‬
وقد كان معروفاً من يومئذ بالتفاعل النشط مع هموم وطنه، وقضايا شعبه، ولم يكن بمعزل عن الأحداث والتحولات والمخاضات التي مرّ ويمر بها الوطن، فقد فرضت عليه وطنيته أن يشارك من مواقعه المختلفة في الدفاع عن الثورة، وتثبيت النظام الجمهوري، وأن يُبلي بلاءً حسناً في فكٍّ حصار صنعاء، الذي ضُرب عليها سبعين يوماً.. ولكأنما كانت المحن والأخطار التي أحدقت بالوطن، مراجل القدر التي هيأت هذه الشخصية العصامية لدور مرتقب عظيم، يحسن فيه قيادة مسيرة النهوض الوطني الشامل، وليعطي صورة القائد المنبعث من بين صفوف الشعب المكافح، وليحمل‮ ‬بين‮ ‬جنبيه‮ ‬قلباً‮ ‬نابضاً‮ ‬بحب‮ ‬شعبه‮ ‬ووطنه،‮ ‬وليغْدُ‮ ‬أحد‮ ‬فوارس‮ ‬أمته‮ ‬في‮ ‬الذود‮ ‬عن‮ ‬حماها،‮ ‬والدفاع‮ ‬عن‮ ‬قضاياها‮ ‬ما‮ ‬استطاع‮ ‬الى‮ ‬ذلك‮ ‬سبيلاً،‮ ‬والمشاركة‮ ‬في‮ ‬بناء‮ ‬مشروعها‮ ‬الحضاري‮.‬
لقد أتاح له تدرج الرتب، والتنقل الوظيفي وتنوع الأمكنة أن يخبر الوسطين العسكري والمدني، وأن يحتك بقطاعات واسعة من جماهير الشعب وأن ينفتح على مختلف القوى السياسية والفكرية، ويمد إليها جسوراً من الحوار، حتى لقد ظنه كل فريق منتمياً الى صفه، على أنه كان أكبر من أن يتحيز الى فريق دون آخر لعلمه أنَّ كل فريق يدرك جانباً من الحقيقة، وطالما تاقت نفسه ليرى الجميع على صعيد واحد يتحاورون ليصلوا الى القواسم المشتركة.. فقد كان في طبيعة تكوينه شعبي العشرة يغشى المجالس، ويرتاد المنتديات، ويقترب من مختلف شرائح المجتمع واتجاهاتها، ويتعرف على طرائق تفكيرها واهتماماتها.. وحين استقر عمله قائداً لمحافظة تعز تلك العاصمة الثقافية، جعل من مقره ملتقى للنخب الفكرية والأدبية والسياسية، يتحاورون، ويتناظرون، ويتدبرون أمر الوطن كل من وجهة نظره، ويثرون بآرائهم من يحسن التقاط زُبَد الكلام، فالمجالس مدارس.. ولقد أدرك الرئيس ببصيرته أنّ خير ما ينقذ الوطن من مآزقه السياسية، وأزماته الاقتصادية، وتواتراته النفسية والاجتماعية، هو الحوار بين مختلف القوى والتيارات السياسية والتقاؤها على أمر جامع يؤلف بين القلوب، ويوحد الكلمة، ويلم الشّمل.
وظلت مدركاته الحوارية حبيسة صدره، تنتظر اللحظة التاريخية لتكون مفتاح حكمته الى قلوب أبناء شعبه، وقواهم السياسية والفكرية.. أفصح عن امتلاكه هذا المفتاح لحظة قدومه من موقعه كقائد للواء تعز الى العاصمة صنعاء إثر اغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي رحمه الله، ليشغل‮ ‬عضوية‮ ‬مجلس‮ ‬رئاسة‮ ‬الجمهورية‮ ‬المؤقت،‮ ‬ونائب‮ ‬القائد‮ ‬العام،‮ ‬ورئيس‮ ‬هيئة‮ ‬الأركان‮ ‬العامة‮.‬
ففي هذه اللحظات العصيبة وفي ساعة العسرة كان جُل تفكيره منصباً على تهيئة الأسباب لفتح حوار وطني، يفضي الى إقرار ميثاق تلتقي عليه جماهير الشعب، وقواه السياسية والاجتماعية.. وما كان لعظيم قومه في مثل تلك الظروف الحرجة، والمنعطفات الحاسمة إلاّ أن يكون له مثل هذا التفكير الحكيم، والرأي السديد.. وأسجل هنا باعتزاز عظيم من واقع زيارتي له في مكتبه في القيادة العامة للقوات المسلحة، قبل أن يصبح رئيساً، شوقه الشديد الى ذلك اليوم الذي يتحقق فيه هذا المطمح الديمقراطي، وقد كان يحدثني بحماس قوي وإصرار عاهد عليه الله، ويده على المصحف الشريف على أن يعمل على تمكين الشعب من الالتقاء على ميثاق وطني، باعتباره بوابة الانطلاق الى بناء يمن الوحدة والديمقراطية والتنمية الشاملة، وتفعيل أهداف ومبادئ ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة 1962م.. وساعتها أيقنت أن المحنة التي تعرضت لها البلاد إنْ هي إلاّ شدة عابرة، وأن الوطن الى خير، وأن مع العسر يسراً.. فلا شيء يقف في وجه الحكمة والحزم وبُعد الرؤية، وسداد الرأي، وإن كان اعتقاد الكثرة في حينه أن مجرد التفكير بميثاق وطني في مثل ذلك الظرف الحرج إنْ هو إلا ضرب من الخيال، خاصة من خبروا التجارب السياسية السابقة، وما اعترضها من العوائق، لكن الذين خبروا الرئيس وعرفوه عن قرب، سواءً أكانوا من النخبة العسكرية أو المدنية، تأكد لهم أنه كان يعني ما يقول.. وقد رأوا فيه الزعيم المستوفي لعناصر القيادة، والمؤهل لحمل أمانة قيادة الوطن والمتمتع بجسارة القرار في المواقف الصعبة، فكان انتخابه رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة من قبل مجلس الشعب التأسيسي، يوم الـ17 من يوليو 1978م، يوماً مهيباً يؤسس لحياة جديدة، فقد شكل بداية لانعطاف تاريخي في مسيرة شعبنا، إذ سرعان ما اتجه به قائد مسيرته الكبرى صوب صناعة فجر ديمقراطي جديد، وبناء الدولة الحديثة والعمل على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، والتفاعل الواعي مع أهداف ومبادئ الثورة اليمنية.. وأخذ يُشمِّر عن ساعد الجد، ويباشر مهامه القيادية متمثلاً روح الشعب، وهمة الأجداد البناة من عمالقة السلف الذين أسسوا مجداً حضارياً أضاء غسق‮ ‬التاريخ‮.‬
وكان في طليعة همومه منذ الأيام الأولى لتحمله أمانة قيادة الشعب، العمل على إحداث تنمية سياسية شاملة تسير جنباً الى جنب في خطوط متوازية متكافئة السرعة مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تضمنتها الخطة الخمسية الأولى.. وكان لابد له أن يستخدم مفتاح حكمته للعثور على صيغة عملية تتفاعل مع مبادئ الشعب وقيمه وأهداف ثورته.. ولاعتقاد الأخ الرئيس أن الديمقراطية لا تمثل مطلباً فردياً، ولا يمكن أن تترك لاجتهادات ربما جانبها التوفيق،.. فقد كان توجهه الى الشعب من خلال جميع فئاته: علماء ومفكرين، ومشائخ وعسكريين ومثقفين وغيرهم‮.. ‬يستمزج‮ ‬آراءهم‮ ‬وأفكارهم‮ ‬في‮ ‬أنسب‮ ‬وسيلة،‮ ‬وأسلوب‮ ‬عمل‮ ‬لقيام‮ ‬حوار‮ ‬وطني‮ ‬شامل‮ ‬يُتَفق‮ ‬فيه‮ ‬على‮ ‬صيغة‮ ‬عملية‮ ‬لميثاق‮ ‬وطني،‮ ‬تُجسِّد‮ ‬بالمشاركة‮ ‬الفعلية‮ ‬إرادة‮ ‬الشعب‮ ‬وتطلعاته‮.‬
وابتدأ مشوار الحوار الوطني، وبدايته في أواخر عام 1978م، حين أوكل الأخ الرئيس الى لجنة من المفكرين والعلماء والمثقفين من داخل مجلس الشعب، وخارجه، وضع مسودة أولية لمشروع ميثاق وطني كمادة خام تطرح للنقاش، وأخذت فترة كافية أنجزت فيها صياغة المسودة وسلمتها الى الأخ الرئيس، لينتقل بالمسودة الى الخطوة الثانية من الحوار، فعقد لمناقشتها اجتماعاً موسعاً ضم أعضاء مجلس الوزراء، والقيادات العسكرية، والمحافظين، والهيئة العليا للاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي للتطوير، وأثريت بالعديد من الملاحظات والافكار العملية النابعة من بيئة الواقع التطبيقي، وخبرات مؤسسات الدولة واحتياجات ومتطلبات التنمية الشاملة.. وأحيلت هذه الاضافات والتعديلات على اللجنة التي صاغت المسودة الأولية لمشروع الميثاق، وأخذت وقتاً كافياً لإعادة الصياغة في ضوء ما طرح في الاجتماع الموسع.. وأضحت المسودة مشروعاً ناجماً عن مشاركة أوسع، وآراء أكثر.. لكن ذلك لم يكن سوى البدايات التي اشتملت عليها المنهجية الحوارية التي اتخذها الأخ الرئيس، وجعل منها مدرسة متميزة.. فقد رأى أن القوى السياسية والفكرية مازالت مغيبة من الحوار، وهي التي كان قبل أن يصبح رئيساً يرجو لو أنها‮ ‬تلتقي‮ ‬يوماً‮ ‬ما‮ ‬على‮ ‬صعيد‮ ‬حواري‮ ‬وطني‮ ‬شامل،‮ ‬توحد‮ ‬الجهود‮ ‬وتُعظِّم‮ ‬الجوامع،‮ ‬وتحترم‮ ‬الفروق،‮ ‬وترسخ‮ ‬لشرعية‮ ‬الاختلاف،‮ ‬وتنطلق‮ ‬لبناء‮ ‬الوطن‮ ‬من‮ ‬وحي‮ ‬ما‮ ‬توصلت‮ ‬إليه‮.‬
وها هي الفرصة باتت مواتية لاختبار القوى السياسية والفكرية واستحثاثها لعلم وطني عظيم، وكان القرار الحكيم بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي.. فصدر القرار الجمهوري رقم »5« لسنة 1980م القاضي بتشكيل لجنة الحوار الوطني، والتي ضمت في عضويتها خمسين مشاركاً على اختلاف‮ ‬اتجاهاتهم‮ ‬وانتماءاتهم‮ ‬السياسية‮ ‬والفكرية‮ ‬للبحث‮ ‬عن‮ ‬أنسب‮ ‬صيغة‮ ‬لملء‮ ‬الفراغ‮ ‬السياسي‮ ‬والتنظيمي‮.. ‬وأحيلت‮ ‬إليها‮ ‬مسودة‮ ‬المشروع‮ ‬الأولي‮ ‬المعدلة‮.‬
واجتمعت لجنة الحوار الوطني، وقد وُفِّر لها كامل شروط الحوار: حرية تامة، وشفافية عالية، وزمن مفتوح لجدية متواصلة وحوار مسئول، واحترام كامل لكل رأي يطرح، فلا محاسبة على فكرة غريبة، ولا مصادرة لرأي، ولا تلقين فيه ولا إملاء، ولا وصاية، ولا استماع لوشاية، ولا قرارات‮ ‬جاهزة‮ ‬وصياغات‮ ‬معدة‮ ‬مسبقاً،‮ ‬متحرر‮ ‬من‮ ‬الحوارات‮ ‬الصورية،‮ ‬والسرادقية‮ ‬الشكلية‮ ‬التي‮ ‬يصدق‮ ‬فيها‮ ‬قول‮ ‬الشاعر‮:‬
حكوا‮ ‬باطلاً،‮ ‬وانتضوا‮ ‬صارماً‮ ❊❊ ‬وقالوا‮: ‬صدقنا،‮ ‬فقلنا‮: ‬نعم
وبالشروط والمناخات الكاملة للحوار، اجتمعت لجنة الحوار الوطني ولأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر بمختلف ألوان الطيف السياسي على صعيد واحد، بعد أن كانت متنافرة، متباعدة، متباغضة، متناحرة، متحاربة، يُخطِّئُ بعضها بعضاً، ويستنفد الجميع الكثير من طاقاته وقدراته، وجهده‮ ‬ووقته‮ ‬في‮ ‬تبادل‮ ‬التهم،‮ ‬واستكثار‮ ‬الذات،‮ ‬بينما‮ ‬لا‮ ‬يمتلك‮ ‬كل‮ ‬منها‮ ‬على‮ ‬هذه‮ ‬الحال‮ ‬سوى‮ ‬جزء‮ ‬يسير‮ ‬من‮ ‬الحقيقة‮ ‬المبعثرة‮.‬
وكانت‮ ‬حكمة‮ ‬القائد‮ ‬المحنك‮ ‬في‮ ‬السلوك‮ ‬بهذه‮ ‬القوى‮ ‬الحيّة‮ ‬في‮ ‬منهجية‮ ‬حوارية،‮ ‬تستأصل‮ ‬شأفة‮ ‬الاحقاد‮ ‬والضغائن‮ ‬من‮ ‬الصدور،‮ ‬وتؤلف‮ ‬بين‮ ‬القلوب،‮ ‬وتجمعها‮ ‬على‮ ‬كلمة‮ ‬سواء‮.‬
ومن الطبيعي أن تشهد الاجتماعات الأولى للجنة الحوار الوطني حالة من التوترات والانفعالات التي اصطحبها كل طيف سياسي من تأثيرات التخندق والتمترس ضد بعضه بعضاً، ثم ما لبثت أن هدأت الأنفس، وسكنت عواصف الإثارات والعواطف، وأخذت تظهر محلها قيم حوارية ترسخت شيئاً فشيئاً‮ ‬حتى‮ ‬غدت‮ ‬سلوكاً‮ ‬تزهو‮ ‬به‮ ‬الحكمة‮ ‬اليمانية‮.‬
فخلال‮ ‬فترة‮ ‬الحوار‮ ‬الوطني‮ ‬التي‮ ‬استغرقتها‮ ‬اللجنة‮ ‬قرابة‮ ‬العامين‮ ‬تحقق‮ ‬الكثير‮ ‬مما‮ ‬كان‮ ‬يرمي‮ ‬إليه‮ ‬الأخ‮ ‬الرئيس‮ ‬في‮ ‬منهجيته‮ ‬الحوارية،‮ ‬ومن‮ ‬ذلك‮ ‬توصل‮ ‬الجميع‮ ‬الى‮:‬
‮- ‬الايمان‮ ‬بشرعية‮ ‬الاختلاف‮.‬
‮- ‬ترسيخ‮ ‬مبدأ‮ ‬احترام‮ ‬الرأي،‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر‮.‬
‮- ‬البحث‮ ‬عن‮ ‬الجوامع‮ ‬المشتركة،‮ ‬واحترام‮ ‬الفروق‮.‬
‮- ‬القبول‮ ‬بالحد‮ ‬الأدني‮ ‬من‮ ‬المبادئ‮ ‬التي‮ ‬يلتقي‮ ‬عليها‮ ‬الجميع‮ ‬في‮ ‬صياغة‮ ‬نظرية‮ ‬للعمل‮ ‬الوطني‮.‬
‮- ‬الاتفاق‮ ‬على‮ ‬الثوابت‮ ‬الوطنية‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يختلف‮ ‬عليها‮ ‬اثنان‮.‬
‮- ‬نبذ‮ ‬التعصب‮ ‬والتطرف‮.‬
‮- ‬السعي‮ ‬نحو‮ ‬الاعتدال‮ ‬والوسطية،‮ ‬والتوازن‮.‬
وبهذه الروح مضت لجنة الحوار الوطني تنجز مهمة صياغة مشروع الميثاق الوطني، وقد سخّرت مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، الرسمية منها وغير الرسمية لحوار مفتوح، وسّع مجال المشاركة على مستوى الوطن شماله وجنوبه، وقد أفادت منه اللجنة في صياغة مسودة المشروع،‮ ‬وتقدمت‮ ‬بها‮ ‬الى‮ ‬الأخ‮ ‬الرئيس‮.‬
ومرة ثالثة لم يتوقف الأخ الرئيس عند الصياغة التي تمّ التوصل إليها من قبل لجنة الحوار الوطني والتي اشبعتها نقاشاً مستفيضاً، وجدلاً واسعاً، وحواراً معمقاً،.. فإن منهجية الحوار التي ابتدعتها حكمة الأخ الرئيس أوسع مدى، وأبعد عمقاً.. إنها تمتد الى مشاركة جماهير‮ ‬الشعب‮ ‬بآرائها‮.. ‬وفي‮ ‬مشاركتها‮ ‬القول‮ ‬الفصل‮.‬
ولكن‮ ‬ما‮ ‬هي‮ ‬الآلة‮ ‬المناسبة‮ ‬التي‮ ‬يمكن‮ ‬اتباعها‮ ‬لمشاركة‮ ‬فعلية‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬جماهير‮ ‬الشعب؟
لقد كان الاهتداء الى تكليف لجنة الحوار الوطني القيام بتفريغ نصوص مسودة المشروع في ورقة استبيان، تُستفتى على تفاصيلها الجماهير بتقسيمها الى مؤتمرات شعبية مصغرة عمت جميع البلاد، وقد اجتمعت هذه المؤتمرات على مدى أسبوع تُقدِّم آراءها بالإضافة أو التعديل أو الإقرار.. وقامت لجنة الحوار الوطني بجمع أوراق الاستبيان، وكُلِّفت مرة أخرى بإعادة صياغة المسودة في ضوء نتائج هذه الأوراق.. وأضحت الصياغة بصورتها النهائية لمشروع الميثاق الوطني.. وقد وضعت بين يدي الأخ الرئيس، وكان يعتقد أنها ستكون خاتمة المطاف.. لكن منهجية الحوار التي ابتكرها الأخ الرئيس، قضت ألا تعتمد إلاّ بحوار شعبي عام يتوج جهد السنوات الأربع، ويفضي الى انتهاج أسلوب للعمل السياسي يقر الميثاق بصيغته النهائية، ويحميه ويطبقه، ويبني عليه برامج العمل السياسي.. فكان أن أصدر الأخ الرئيس القرار الجمهوري رقم 19 لسنة 1982م.. الخاص بقيام المؤتمر الشعبي العام، وتحديد عضويته بألف عضو، يتم انتخاب 70٪ منهم، في المؤتمرات الشعبية المصغرة، وتعيين 30٪من قبل الدولة، وانعقد المؤتمر العام الأول، وقدمت إليه الصياغة النهائية لمشروع الميثاق، وتم إقرار الميثاق بصيغته النهائية خلال فترة انعقاد المؤتمر من 24-29 أغسطس 1982م، وأقر المؤتمرون في الوقت نفسه استمرار المؤتمر الشعبي العام أسلوباً للعمل السياسي، وانتخب الرئيس أميناً عاماً للموتمر في 30 أغسطس 1982م.. وأقر النظام الداخلي للمؤتمر، وبرنامج العمل السياسي.. وتشكلت اللجنة الدائمة للموتمر‮ ‬وأمانة‮ ‬سرها،‮ ‬واللجان‮ ‬المتخصصة،‮ ‬واللجنة‮ ‬العامة‮.. ‬ومارس‮ ‬المؤتمر‮ ‬دور‮ ‬الاضطلاع‮ ‬بمهمة‮ ‬التنمية‮ ‬السياسية،‮ ‬والمشاركة‮ ‬في‮ ‬صنع‮ ‬القرار‮.‬
لقد أحدث قيام المؤتمر الشعبي العام تحولاً نوعياً في نمط الحياة السياسية، وأفسح قيامه المجال واسعاً أمام تعددية المنابر في داخله، وترتب على ذلك تقليص حجم العمل الحزبي في الخفاء، والحد من الصراع في ما بين الأحزاب من جهة، وبينها وبين السلطة من جهة أخرى، وأدى قيام المؤتمر كذلك الى الدفع بعمل لجان الوحدة، وتشكيل لجنة التنظيم السياسي الموحد مع نظيره الحزب الاشتراكي.. وكان لقيام هذه اللجنة دور التسريع في بلورة فكرة الأخذ بنظام التعددية الحزبية والسياسية فور إعلان قيام دولة الوحدة.
وهكذا حقق الرئيس القائد أول آماله الوطنية الكبرى في ملء الفراغ السياسي والتأليف بين ألوان الطيف السياسي، وتخليصها من حالة التنافر لتلتقي حول ميثاق وطني أسهم الجميع في صياغته، واتخاذه معالم على طريق النهوض الوطني الشامل.
وفيما ظل المؤتمر الشعبي العام يتوسع بعضويته، ويراجع نظمه ولوائحه الداخلية، ويعقد دوراته الاعتيادية والاستثنائية قبل وبعد قيام دولة الوحدة، التي عمَّت فيها تكويناته ونشاطاته مختلف محافظات الجمهورية، ويسهم بفاعلية عالية ومتميزة في نشر الوعي السياسي، وترسيخ الوحدة الوطنية، والاحتفاظ بموقع الريادة.. لم يُغفل الأخ الرئيس الاهتمام بمجالات البناء والتنمية، وهي التي تشكل غاية الحوار، ومحور منهجيته، فكان أن التفَتَ الى تعزيز الحياة الديمقراطية، وتكريس المشاركة الشعبية في صنع القرار من خلال المؤسسات التشريعية، والتعاونية‮ ‬والمجالس‮ ‬المحلية‮ ‬ومنظمات‮ ‬المجتمع‮ ‬المدني‮.‬
ففي عام 1979م، صدر الاعلان الدستوري الثالث القاضي بتوسيع اختصاصات مجلس الشعب التأسيسي، وزيادة عدد أعضائه من »99« عضواً الى »159« عضواً، واستحث مختلف الكفاءات العلمية والتقنية والفنية، والقدرات المتخصصة لبذل أقصى وتائر الجهد للمضي في تنفيذ الخطة الخمسية الأولى،‮ ‬محدداً‮ ‬أولويات‮ ‬العمل‮ ‬الوطني‮ ‬في‮ ‬مختلف‮ ‬مجالات‮ ‬التنمية‮ ‬الشاملة‮.‬
وعلى الرغم مما كان يعترض مسيرة البناء والتنمية من معوقات وإشكالات، فإن حكمة القائد كانت أقوى من كل العواصف، واستطاع أن يحيل نتائج حرب 1979م، بين شطري اليمن قبل الوحدة الى إنجازات سلمية، تمثلت بتنشيط عمل لجان الوحدة، وتغليب منطق الحوار السلمي، وتحكيم العقل عوضاً‮ ‬عن‮ ‬اللجوء‮ ‬الى‮ ‬العنف‮ ‬والحرب‮.. ‬وظلت‮ ‬أهداف‮ ‬الثورة‮ ‬اليمنية‮ ‬نصب‮ ‬عينيه‮ ‬يجسدها‮ ‬في‮ ‬واقع‮ ‬الحياة‮ ‬السياسية‮ ‬والاجتماعية‮ ‬والاقتصادية‮ ‬والثقافية‮ ‬والعسكرية‮.‬
ولم يتوانَ لحظة عن أن يولي العمل النيابي، والتعاوني والنقابي عناية خاصة ويتعهد آلياته بالنماء، إيماناً منه بأنها القنوات الطبيعية لتعبير المواطن عن حقه في المشاركة السياسية والشعبية، وبأنها السبيل الأنسب للارتقاء بالحياة السياسية، والدفع بعجلة التنمية الاجتماعية‮ ‬والاقتصادية‮ ‬وبناء‮ ‬الدولة‮ ‬الحديثة‮.‬
نقرأ عنايته الخاصة هذه في انتظام الانتخابات الدورية للمجلس النيابي في مواعيدها، فقد جرى انتخاب أعضاء مجلس الشورى، في يوليو 1988م، وسارت العملية الانتخابية بنجاح تام، شهد المراقبون العرب والدوليون ينزاهتها وسلامتها.
وبعد‮ ‬قيام‮ ‬دولة‮ ‬الوحدة،‮ ‬وفي‮ ‬ظل‮ ‬التعددية‮ ‬السياسية‮ ‬استمر‮ ‬انتظام‮ ‬الانتخابات‮ ‬الدورية‮ ‬وآخرها‮ ‬انتخابات‮ ‬الدورة‮ ‬النيابية‮ ‬الثالثة‮ ‬في‮ ‬27‮ ‬أبريل‮ ‬2003م‮.‬
ومثلت انتخابات الهيئات الادارية للمجالس المحلية للتطوير التعاوني في أكتوبر 1985م، اضافة وطنية الى رصيد العمل الديمقراطي التنموي، ولم تقتصر مهامها على الأعمال الخدمية، ومشاريع التنمية المحلية فحسب، بل أسهمت كذلك في صنع القرار المحلي، وممارسة مختلف أشكال النشاط‮ ‬الاجتماعي،‮ ‬وحل‮ ‬القضايا‮ ‬المحلية،‮ ‬وتعزيز‮ ‬الجبهة‮ ‬الداخلية‮.‬
ومن أجل تحقيق المزيد من المشاركة السياسية لرموز الوطن، والذين لديهم الخبرة العملية في الحياة السياسية، صدر القرار الجمهوري عام 1989م الخاص بتشكيل المجلس الاستشاري ليسهم في دراسة القضايا الداخلية والخارجية ذات العلاقة بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد، وقداتسعت‮ ‬عضويته‮ ‬بعد‮ ‬قيام‮ ‬دولة‮ ‬الوحدة،‮ ‬ثم‮ ‬أضحى‮ ‬مجلساً‮ ‬للشورى‮.‬
وأخذت المنظمات الشعبية والجماهيرية في الاتساع الأفقي والرأسي، والتطور الكمي والنوعي، وقام العديد من الاتحادات والنقابات والجمعيات، وشملت مختلف القطاعات العمالية والمهنية والحرفية، الى جانب الجمعيات الزراعية والخيرية والعلمية والاسكانية.. وتشكل ما يزيد على ‮»‬15‮« ‬نقابة‮ ‬عمالية‮ ‬تم‮ ‬على‮ ‬أساسها‮ ‬تشكيل‮ ‬الاتحاد‮ ‬العام‮ ‬لنقابات‮ ‬عمال‮ ‬الجمهورية‮.‬
وشملت النقابات والاتحادات المهنية مختلف التخصصات، وبلغت »17« نقابة واتحاداً، وتحقق في المجالات الثقافية والاجتماعية والخيرية، إنشاء العديد من الجمعيات منها خمس جمعيات نسائية، وخمس جمعيات ثقافية واجتماعية وصحية وخيرية، و»24« جمعية حرفية ونوعية.. أما الجمعيات‮ ‬التعاونية‮ ‬الزراعية‮ ‬فقد‮ ‬بلغ‮ ‬عددها‮ »‬100‮« ‬جمعية،‮ ‬وتجاوز‮ ‬عدد‮ ‬المنظمات‮ ‬الجماهيرية‮ »‬300‮« ‬منظمة‮ ‬شملت‮ ‬العاملين‮ ‬والمتخصصين‮ ‬في‮ ‬مختلف‮ ‬المجالات‮.‬
وقد نمت هذه المنظمات الجماهيرية وازدهرت في ظل المؤتمر الشعبي العام.. وهكذا استطاع الرئيس القائد أن يحقق بالتنمية السياسية حداً من الوعي، تمكن معه المواطن من ممارسة حقوقه السياسية في سلوك ديمقراطي، ودراية جيدة في التعامل مع صندوق الاقتراع وآليات الديمقراطية‮ ‬الحديثة‮.‬
وبنفس وتيرة التطور في حقل التنمية السياسية، حرص الأخ الرئيس علي عبدالله صالح على إحداث ثورة تنموية اجتماعية واقتصادية، إعمالاً للهدف الثالث من أهداف الثورة الذي ينص على رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.. فهو الذي كان شاهداً قبل الثورة على عصر المعاناة من الأمية والفقر والمرض والعزلة التي فرضت على شعب الحضارة والتاريخ العريق، وجعلته يعيش في العهد الإمامي خارج التاريخ.. وهذا ما جعل الرئيس يتحرق من حينه شوقاً الى اليوم الذي يرى فيه جيل الثورة والجمهورية ينعم بالصحة والعافية، وبنور العلم والمعرفة،‮ ‬وبخيرات‮ ‬الوطن،‮ ‬وثرواته‮.. ‬وكذلك‮ ‬شاءت‮ ‬الأقدار‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬الرئيس‮ ‬علي‮ ‬قيادة‮ ‬مسيرة‮ ‬النهوض‮ ‬التنموي‮ ‬الشامل،‮ ‬ليغذ‮ ‬السير،‮ ‬ويحث‮ ‬الخطى‮ ‬في‮ ‬سباق‮ ‬مع‮ ‬الزمن‮.‬
ففي عهده رفع شعار ديمقراطية التعليم، ومجانية التعليم من المهد الى اللحد، وشيدت المدارس في جميع أنحاء الجمهورية حتى لقد صارت تتكاثر في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم بنسبة ولادة مدرسة ونصف في اليوم الواحد، واستكملت يمننة مناهج التربية والتعليم، وتوفير الكتاب المدرسي، وأنشئت مؤسسة لطباعة الكتاب المدرسي تابعة لوزارة التربية والتعليم، وقامت معاهد المعلمين وكليات التربية لإعداد المعلم اليمني وتدريبه وتطوير أدائه، وتضمنت خطط التعليم التوسع في إنشاء المدارس في المناطق النائية والمحرومة، وتطوير التعليم بما يلبي حاجات‮ ‬الفرد‮ ‬والمجتمع‮ ‬ومتطلبات‮ ‬البناء‮ ‬والتنمية،‮ ‬واعتمد‮ ‬النظام‮ ‬التعليمي‮ ‬مرحلة‮ ‬رياض‮ ‬الأطفال‮ ‬والإناث‮ ‬في‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬مناطق‮ ‬الجمهورية‮ ‬في‮ ‬السنوات‮ ‬الأخيرة‮.‬
وحظي التعليم الجامعي والدراسات العليا بقسط وافر من اهتمام الرئيس، الذي ما فتئ يشجع جيل الثورة في كل مناسبة على التحصيل العلمي، والإقبال على التخصص في العلوم المتصلة بإصحاح البيئة وتطويرها، وبتلبية حاجات العمل ومتطلبات التنمية الشاملة، والتي تسهم في حركة النهوض والتطور الذي يعود بالخير والمنفعة على الوطن والمواطنين.. فكان أن انتشرت الجامعات في معظم محافظات الجمهورية، وتوافرت معظم التخصصات العليا، وتكفلت الدولة -بتوجيه من الرئيس- بتوفير المنح والمقاعد الدراسية مجاناً في الجامعات داخل الوطن وخارجه، بما في ذلك الدراسات‮ ‬العليا‮ ‬لنيل‮ ‬درجتي‮ ‬الماجستير‮ ‬والدكتوراة،‮ ‬وذلك‮ ‬في‮ ‬إطار‮ ‬تنفيذ‮ ‬شعار‮ ‬التعليم‮ ‬من‮ ‬المهد‮ ‬الى‮ ‬اللحد‮.‬
وفي‮ ‬إطار‮ ‬تنمية‮ ‬الموارد‮ ‬البشرية‮ ‬قامت‮ ‬مراكز‮ ‬ومعاهد‮ ‬التدريب‮ ‬المهني‮ ‬والتقني،‮ ‬لإعداد‮ ‬الكوادر‮ ‬الفنية‮ ‬المتوسطة،‮ ‬وتأهيل‮ ‬اليد‮ ‬العاملة،‮ ‬وصقل‮ ‬مهاراتها،‮ ‬وتنمية‮ ‬قدراتها‮.‬
وفي عهد الأخ الرئيس أعلنت الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية، وسخرت لإنجاحها الإمكانات المادية والبشرية المتاحة، ونشط التعليم غير النظامي في نشر مراكز محو الأمية، وحقق نجاحاً ملحوظاً، حيث انخفضت نسبة الأمية بين السكان الى 65٪، بعد أن كانت قبل الثورة تمثل 95٪‮.‬
ونالت‮ ‬التنمية‮ ‬الصحية‮ ‬حظاً‮ ‬وافراً‮ ‬من‮ ‬اهتمام‮ ‬الأخ‮ ‬الرئيس‮ ‬الرئيس‮ ‬ورعايته،‮ ‬بما‮ ‬أنها‮ ‬جزء‮ ‬لا‮ ‬يتجزأ‮ ‬من‮ ‬التنمية‮ ‬الاجتماعية‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬وهي‮ ‬محورها،‮ ‬وشرط‮ ‬تحقيق‮ ‬تنمية‮ ‬حقيقية‮.‬
وقد كانت اهتمامات الأخ الرئيس الأولى في حقل الصحة معنية برفع المستوى الصحي بين المواطنين في خطين متوازين من الصحة الوقاية والطب العلاجي.. وكثفت الجهود في العمل على تجفيف منابع الأمراض المعدية السارية منها والمتوطنة، والوبائية، من خلال نشر الثقافة الصحية، وحملات التطعيم الموسع، وقيام وحدات الرعاية الصحية الأولية، والوحدات الصحية الريفية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة، والمراكز الصحية والمستوصفات والمستشفيات في عموم الجمهورية.. وفي عهد الرئيس استؤصل وباء الجدري، وأعلنت وفاته الى غير رجعة.
وفي الطب العلاجي توسع مجال الخدمات الطبية العلاجية، حيث انتشر العديد من المستشفيات والمراكز المزودة بالأسِرّة والتجهيزات الطبية والمختبرية المتاحة، ووفر لها ما تحتاجه من القوى الصحية العاملة من أطباء بشريين، وأطباء أسنان، ومساعدي أطباء، وصيادلة وهيئة تمريض،‮ ‬وفنيين‮ ‬في‮ ‬التخصصات‮ ‬ذات‮ ‬العلاقة،‮ ‬وقابلات‮..‬
وظلت‮ ‬مجانية‮ ‬الخدمات‮ ‬الصحية‮ ‬والطبية‮ ‬سارية‮ ‬المفعول،‮ ‬وحقاً‮ ‬من‮ ‬حقوق‮ ‬المواطن،‮ ‬كما‮ ‬رفع‮ ‬شعار‮ ‬الدواء‮ ‬خدمة‮ ‬لا‮ ‬سلعة‮.‬
ولم تتوقف جهود الدولة عند هذه الحدود فحسب، بل ظلت تتحمل الكثير من نفقات العلاج في الخارج لكثير من الحالات المرضية المستعصية، وكثيراً ما واسى الأخ الرئيس بصفته الشخصية، وكأب حنون، من داهمهم أو أطفالهم مرض خبيث يطول علاجه، أو طارئ اسعاف خطير يقتضي النقل الفوري‮ ‬للمصاب‮ ‬الى‮ ‬الخارج‮..‬
ويمكن‮ ‬القول‮ ‬إن‮ ‬مجمل‮ ‬جهود‮ ‬التنمية‮ ‬الصحية‮ ‬قد‮ ‬أسهمت‮ ‬في‮ ‬ارتفاع‮ ‬معدل‮ ‬متوسط‮ ‬عمر‮ ‬المواطن‮.‬
وتمتد أولويات اهتمامات الأخ الرئيس الى الزراعة عماد الحياة الاقتصادية في اليمن وقرينة حضارتها، وقوتها عبر التاريخ.. ولم يدخر وسعاً في أن يعيد لليمن اسم السعيدة الخضراء، أرض الجنتين، والنهوض بالزراعة تجديداً للثروة، وتنمية للاقتصاد.. وكثيراً ما أكد على أن الزراعة نفط دائم، ودعا الى تحقيق الاستقلال الأخضر، ووضع استراتيجية طويلة المدى للأمن الغذائي.. وهو الذي قرن القول بالفعل، وتمكن من إعادة بناء سد مأرب محاكاة لبناة الحضارة اليمنية القديمة، وبعثاً للتفاؤل باستعادة دورة الحياة الحضارية، وركزالجهود في إقامة المنشآت المائية، وتطوير شبكات الري، وتجديد الكثير من السدود القديمة، وبناء سدود جديدة وذهب يؤكد على الأخذ بسياسة العصرنة الزراعية.. وأثمرت توجيهاته وجهوده في تحقيق تطور نوعي وكمي في الإنتاج الزراعي، ومثَّل عام 1984م، عام النهضة الزراعية، وتحقق اكتفاء ذاتي في كثير من الفواكه والخضراوات، وفائض منها صار يُسوّق إقليمياً.. وتحقق نجاح رائع في استثمار الثروة السمكية في السوق المحلية والخارجية، ومازال مجال الصيد البحري واعداً ويجري العمل على مضاعفة استثماره الى خمسة أضعاف ما هو متحصل حالياً والذي يتجاوز متوسطه السنوي ‮»‬120‭.‬000‮« ‬طن‮.‬
ويمثل استخراج النفط في عهد الأخ الرئيس إحدى خصوصياته التي تفرد بها، فقد هيأ الظروف الملائمة لاكتشاف النفط واستخراجه واستثماره، بعد أن أوشك اليأس أن يستبد بالقلوب لما آلت إليه جهود السابقين، فيقين الأخ الرئيس أن اليمن تنتمي الى منطقة جغرافية تحوي ما يزيد على 25٪ من احتياطي النفط في العالم، دفعه الى الإصرار بحكمة وتدبر، والعمل بالممكن وصولاً الى الطموح، مهيئاً أسباب الأمن والاستقرار، ولفت الأنظار الى إمكانية الاستثمار النفطي بعيداً عن التعرض لأخطار منطقة الخليج التي كانت ملتهبة إبان الحرب الخليجية الأولى.. وقد نجح في استقطاب شركة هنت الأمريكية، والتي وقعت الحكومة اليمنية معها اتفاقية مشاركة في الإنتاج، في منطقة مأرب/الجوف.. وجاء شهر يوليو 1984م ليدشن فيه الرئيس أول بئر إنتاجية للنفط، ولتنضم اليمن الى مصاف الدول المنتجة للنفط بقدرة إنتاجية كانت »7800« برميل في‮ ‬اليوم،‮ ‬لتزداد‮ ‬حالياً‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬دولة‮ ‬الوحدة‮ »‬400‭.‬000‮« ‬برميل‮ ‬في‮ ‬اليوم،‮ ‬ومازال‮ ‬جوف‮ ‬الأرض‮ ‬واعداً‮ ‬بالمزيد‮.‬
إن إنجازات الأخ الرئيس القائد التنموية كثيرة وكبيرة كبر الوطن واتساعه، ولسنا هنا بمعرض تعدادها، فسياق الموضوع جعلنا نومئ بالاشارة السريعة الى بعض من أبرز أولوياته التي تحققت مبكراً في مجال التنمية الشاملة.. وما من تطور ونماء في أرجاء الوطن اليمني إلا كان قائد المسيرة مبعثه وصاحب الفضل فيه، والراعي الأمين له، والمتعهد بنجاحه، فقد استطاع أن يرتقي بحس المسئولية لدى العاملين في مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها ومصالحها ودوائرها وإداراتها، ليتحقق ذلك التطور النوعي المتمثل في ثورة المواصلات والاتصالات، والإعلام، والثقافة، والسياحة والآثار، وشبكة الطرق والمواصلات البرية والبحرية والجوية، وفي خدمات المياه والكهرباء ورعاية الشباب، وتبني استراتيجية إعداد النشء والرعاية الاجتماعية وشبكة الأمان الاجتماعي، ورعاية الأسرة وقطاع المرأة ورعاية المغتربين.. وفي تطوير القطاع المصرفي والمالي وفي مجال الإدارة والقضاء وغيرها من الأعمال والإنجازات المتصلة ببناء الدولة اليمنية الحديثة.. يتوجها جميعاً مؤسسة القوات المسلحة تلك القلعة الشامخة، والمؤسسة العملاقة التي انبثق من بين صفوفها قائد المسيرة المشير علي عبدالله صالح.
وهو الأوفى لها حقاً، والأوعى لمتطلبات النهوض بها، والأقدر على اختزال الزمن في تحديثها، وبنائها بناء يتركز على الكيف قبل الكم، منتقياً أفضل وسائل التدريب والتعليم والتنظيم والتسليح لتساير روح العصر، وتطور وسائل الحرب الحديثة، بحيث تصل الى المستوى الذي يمكنها‮ ‬من‮ ‬أداء‮ ‬واجبها‮ ‬في‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬الوطن‮ ‬ووحدته‮ ‬والحفاظ‮ ‬على‮ ‬سيادته‮ ‬واستقلاله‮ ‬وصون‮ ‬مكتسباته،‮ ‬ومنجزاته‮ ‬المجسدة‮ ‬لأهداف‮ ‬ثورته‮.‬
ولبلوغ ذلك عمل الرئيس على استصدار القوانين والأنظمة واللوائح العسكرية المحدثة للنظام المالي والإداري والفني، وعني عناية خاصة بالتوسع والتطوير للكليات والمعاهد والمدارس العسكرية والشرطية، وتحديث مناهجها وبرامجها.. ويسر سبل ووسائل الارتقاء بمستوى التدريب القتالي والعملياتي والتعبوي، وقام بتنويع مصادر الأسلحة، وحرص على نشر الثقافة الوطنية بين أفرادها، وترسيخ الولاء الوطني، وتنفيذ برامج محو الأمية، وعمل على تحسين مستوى معيشة أفراد القوات المسلحة، وتطوير الخدمات الطبية العسكرية، حتى غدت القوات المسلحة والشرطة بحق‮ ‬رمز‮ ‬الكبرياء‮ ‬الوطني،‮ ‬وعنوان‮ ‬السيادة،‮ ‬وموطن‮ ‬الفخار‮.‬
إن ما تحقق من الإنجازات التنموية لم يكن بمنأى عن العمل على طريق إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، بل كان كل عمل ومنجز من صميم بناء صرح الوحدة، التي طالما ظلت الهاجس الذي لا يبارح الرئيس في يقظته ومنامه منذ ريعان شبابه، الأمر الذي طويت في عهده مسافة الوصول الى يوم الوحدة بسرعة قياسية، ولطالما تلقى العنت وواجه المخاطر وكابد المشاق من أجل البلوغ بالشعب والوطن الى هذا اليوم الأغر، يوم إعلان قيام الجمهورية اليمنية.. وهكذا أنجز الأخ الرئيس ما وعد، فاستحق لقب القيادة التاريخية مع البناة المؤسسين الأُول حفيداً أصيلاً لأول‮ ‬صانع‮ ‬وحدة‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬في‮ ‬تاريخها‮ ‬العريق،‮ ‬شمريهرعش‮ ‬بن‮ ‬ياسر‮ ‬يهنعم‮.‬
لقد ظل الأخ الرئيس في كل الأحوال والظروف يعيش لشعبه ووطنه، فبادلته الجماهير الوفاء بالوفاء، والولاء بالولاء، وإن أبلغ تعبير عن عمق حبها والتفافها حول قيادته تمسكها به، لا تقبل بغيره رئيساً وقائداً، وذهبت تجدد له الولاء والوفاء في كل دورة انتخابية من خلال ممثليها في البرلمان، ومن خلال المسيرات الشعبية.. فقد أعيد انتخاب الرئيس في 23 مايو 1983م، رئيساً للجمهورية، وقائداً عاماً للقوات المسلحة من قبل مجلس الشعب التأسيسي، ثم أعيد انتخابه في الدورة اللاحقة في 17 يوليو 1988م، رئيساً للجمهورية، وقائداً عاماً للقوات المسلحة من قبل مجلس الشورى المتنخب.. وفي عام 1989م مُنح الأخ الرئيس درجة الماجستير الفخرية في العلوم العسكرية من قبل كلية القيادة والأركان، وفي يوم 21 مايو 1990م أجمع مجلس الشورى على اعطائه رتبة فريق عرفاناً ووفاء لما بذله من جهود عظيمة لتوحيد الوطن وقيام الجمهورية اليمنية.. وإثر قيامه برفع علم الجمهورية اليمنية بمدينة عدن في يوم الـ22 من مايو 1990م، وإعلان إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وإنهاء حالة التشطير والى الأبد، اُختير رئيساً لمجلس الرئاسة للجمهورية اليمنية، وإثر قيام مجلس النواب المنتخب للجمهورية اليمنية،‮ ‬انتخبه‮ ‬المجلس‮ ‬رئيساً‮ ‬لمجلس‮ ‬الرئاسة‮ ‬في‮ ‬16‮ ‬أكتوبر‮ ‬1993م‮.‬
وإثر تعرض الوطن للمؤامرة الانفصالية، وتمكّن الأخ الرئيس والشعب من إحباطها والخروج بالوطن منتصراً عليها في يوم الـ7 من يوليو 1994م، وما استتبع ذلك من إجراء تعديلات دستورية في 28 سبتمبر 1994م من قبل مجلس النواب، انتخب على ضوئها رئيساً للجمهورية في أكتوبر 1994م.. وفي يوم 24 ديسمبر 1997م، أقر مجلس النواب منح الأخ الرئيس رتبة مشير تقديراً لدوره الوطني والتاريخي في بناء اليمن الجديد.. وفي يوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 1999م، عبر الشعب بطريقة مباشرة عن مدى تمسكنه وحبه وولائه ووفائه لقائد مسيرة الوحدة، حيث انتخب‮ ‬رئيساً‮ ‬للجمهورية‮ ‬في‮ ‬أول‮ ‬انتخابات‮ ‬رئاسية‮ ‬تجري‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬عبر‮ ‬الاقتراع‮ ‬الحر‮ ‬والمباشر‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬الشعب‮.‬
وها هو اليوم يقود مسيرة البناء والتنمية الشاملة بزخم الشعب ودولة الوحدة، ماضياً بعزيمة تذلل الصعاب في تنفيذ الخطة الخمسية الثانية للجمهورية اليمنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات »2000-2005« في إطار رؤية شاملة، واستراتيجية طويل المدى.
وإذاً فإن تجديد الشعب ثقته بقائده عبر المسيرة المباركة، جاءت مبنية على اقتناع تام لا يدانيه شك بنضالاته الوطنية التاريخية، وتمكنه من تحرير القرار اليمني، واستقلاليته النابعة من المصلحة الوطنية العليا، وبعثه للقيم الحضارية، ونجاحاته المتميزة في بناء الدولة الحديثة التي استحق بها عن جدارة واقتدار الزعامة الوطنية، والشرعية الدستورية.. وقد كان لذلك صداه الكبير في المحيطين العربي والدولي احتلت فيهما اليمن مكانتها المرموقة، فقد استطاع الأخ الرئيس بمواقفه العروبية المبدئية أن يشق طرق المحبة والاحترام الى قلوب النخبة المثقفة في الوطن العربي،وأن يصبح أحد الزعامات التي تعلق عليها الجماهير العربية الآمال والطموحات القومية، إذ وجدت فيه النخب العربية، وجماهير الأمة سمات القيادة الشعبية المجسدة لهموم الجماهير والمعبرة عنها بصدق، وصراحة، ووضوح في الدفاع عن الحق العربي، وعدم‮ ‬الرضوخ‮ ‬للمغريات‮ ‬والضغوط‮ ‬التي‮ ‬تنال‮ ‬من‮ ‬السيادة‮ ‬والكرامة‮ ‬العربية‮.. ‬وزادهم‮ ‬إكباراً‮ ‬له‮ ‬إحياؤه‮ -‬بالوحدة‮ ‬اليمنية‮ ‬والحفاظ‮ ‬عليها‮- ‬موات‮ ‬القلوب‮ ‬إزاء‮ ‬المشروع‮ ‬الوحدوي‮ ‬العربي‮.‬
واستطاع الأخ الرئيس -بنهجه المعتدل، ونبل أخلاقه، وسمو تعامله مع أشقائه الملوك والرؤساء والأمراء العرب، وصلته الحميمة بهم وتواصله الدائم معهم للتشاور، وتبادل الرأي حول ما يخص القضايا، والعلاقات الثنائية أو ما يهم الأمة ويتعلق بقضاياها المصيرية، وما يستجد إزاءها من تطورات الأحداث- أن يشد الجميع إليه، وأن يكون من القلائل الذين يحظون باحترام وتقدير يجمع عليه الزعماء، والنخب المثقفة والجماهير العربية.. ولعل أحد عوامل احتلاله هذه المكانة الرفيعة استحضاره الدائم لهموم أمته وقضاياها في المحافل الدولية، ولدى لقاءاته بقادة الدول الكبرى، حيث لا يتخلى عن طرحها إن لم يعطها أولوية الطرح إن اقتضى الأمر ذلك، وقد استرعى هذا السلوك عبر القطري انتباه تلك الزعامات الدولية، وأكبرت فيه هذه الروح، بل صارحه البعض بأن الكثيرين لا يعنيهم عند لقائهم بهم سوى طرح القضايا التي تخصهم، ولا تتجاوز أقطارهم، ورجت لو أنها تستمع الى لغة مشتركة من الزعامات العربية شأن ما يقوم به الأخ الرئيس من طرح مشترك بين الخاص والعام والقطري وعبر القطري -وقد حدث شيء من هذا في الآونة الأخيرة من قبل البعض- إذاً لتغير مجرى الأحداث لصالح القضايا العربية.
ومما يشهد له قومياً سعيه على الدوام الى إنهاء حالة التناقض المصطنع بين الدول العربية وقياداتها وتياراتها الفكرية والسياسية، وحرصه الدؤوب على جمعها في كتلة تاريخية واحدة، تتحمل مجتمعة عبء النهوض بالمشروع العربي في عالم لا مكان فيه لغير الأقوياء، ولا قوة للدول العربية إلا بالاتحاد في أي صيغة يتفق عليها الجميع.. ولطالما دعا الى مواصلة العمل على إعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، وتنشيط دور الجامعة العربية، وإعادة صياغة العلاقات العربية-العربية على أسس تقوم على المصارحة والمكاشفة، وتصفية الأجواء وتنقيتها مما يعكرها من عوامل وأسباب التوتر والخلافات، والاتفاق على الكيفيات المناسبة لاحتواء الخلافات والصراعات التي قد تحدث، وحلها عربياً، وطرح الرؤى والأفكار الواقعية للتغلب على معوقات العمل العربي المشترك، والعمل على تطوير استراتيجيات وبرامج عمل عربية تحقق التكامل العربي، وتدعم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتعمق الأصالة الثقافية والحضارية، وتحقق التنمية الشاملة والمتكاملة والعدل الاجتماعي، وتتعامل مع مبتكرات العمل والتكنولوجيا الحديثة، وتؤهل للتعامل مع مختلف التغيرات الدولية بتكتلاتها الاقتصادية وقواها الصاعدة وحوار الثقافات‮ ‬والحضارات‮.‬
والأخ الرئيس في رؤيته العروبية هذه إنما يصدر عن قراءة عميقة للتاريخ ودراية دقيقة بروح العصر، متبعاً في منهجه واقعية الممكن التي تردف القول بالعمل، ولا تنسى الطموح.. مدللاً على هذا المنهج بخطوات عملية ملموسة، ومن ذلك أن إنجاز الوحدة اليمنية تم في ظرف يعاني فيه النظام العربي حالة من التفكك والضعف وسط متغيرات دولية تسودها العولمة، والكتل الكبرى،ليشكل هذا الانجاز التاريخي العظيم سنداً ودعماً لتعزيز الأمن القومي العربي وليسهم في استقرار المنطقة العربية، ومواجهة الاخطار التي تهددها.. وتأكد هذا المنحى على أرض والواقع في ما تشهده اليمن مع بقية دول شبه الجزيرة العربية من تطور متميز في العلاقات القائمة فيما بينها، والتي سادها تعاون اقتصادي وثيق، وحل لمشاكل الحدود بين اليمن وكل من عمان والمملكة العربية السعودية وأريتريا.
وشكلت القرارات المتخذة في القمة الخليجية الأخيرة في مسقط بشأن عضوية اليمن في مجلس التعاون الخليجي من خلال بعض موسساته، أولى الخطوات العملية لعضوية كاملة في فترة لاحقة، وهي انعكاس لعمق العلاقات الأخوية الحميمة التشاركية والمتميزة مع دول المجلس.
وفي سياق العمل القومي، أجمعت الدول العربية على الأخذ بمبادرة الأخ الرئيس الرامية الى تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، والنص على عقد الاجتماعات الدورية السنوية للقمة العربية، وانعقدت في ضوء ذلك قمة عمان في شهر مارس 2001م والتي أقر فيها عقد القمة الدورية التالية‮ ‬في‮ ‬بيروت‮.‬
وغني عن البيان ما يوليه الأخ الرئيس من اهتمام خاص بالقضية الفلسطينية وتأكيده الدائم على الدعم المستمر للشعب الفلسطيني، ودعم كافة خياراته، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف، وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة،‮ ‬ومساندة‮ ‬نضال‮ ‬الشعبين‮ ‬السوري‮ ‬واللبناني‮ ‬في‮ ‬تحرير‮ ‬أراضيهما‮ ‬المحتلة‮.‬
ويُعنى عناية خاصة بالقرن الأفريقي »قرن الفقراء« وتعزيز العلاقات بدوله، وبدول شرق افريقيا، ويسهم في إيجاد مبادرات عملية وواقعية من أجل تحقيق السلام والاستقرار لشعوب المنطقة، والحفاظ على أمن وسلامة واستقرار البحر الأحمر، وحماية بيئته وسواحله وثرواته الطبيعية‮.‬
وما من هم قومي أو خطر يتعرض قطراً عربياً إلا هبّ مشاركاً لدرئه عنه.. وكما أن اليمن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، فإنها ترتبط كذلك مع شعوب العالم الإسلامي بروابط العقيدة والتاريخ المشترك، وببقية شعوب العالم الثالث بالهموم الاقتصادية القاسم المشترك بين دول الجنوب، ويسعى الى تعزيز دور منظمة المؤتمر الإسلامي في تحقيق أهدافها، وتعزيز دور حركة عدم الانحياز، والعمل على الارتقاء بها لمواجهة التحديات الجديدة التي تواجه الدول النامية، بتوجهات جديدة لإقامة نظام دولي جديد يقوم على التعدد والتكافؤ واحترام الخصوصيات الثقافية‮ ‬والحضارية‮.‬
وقد أضفت شخصية الأخ الرئيس على السياسة الخارجية اليمنية في تعاملها مع هذه الدوائر ومع غيرها من الدوائر العالمية والدول الكبرى والمنظمات الدولية والإقليمية »الحكومية وغير الحكومية« -المعنية بحقوق الإنسان، وحماية الحريات العامة، وتحقيق العدل والمساواة بين الشعوب- سمات الاعتدال والتوازن، والرسوخ في علاقات الصداقة والتعاون، واتساع مجالاتها على أسس ثابتة من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتعامل بالمثل، وفي إطار المبادئ والمواثيق الدولية، والتأكيد المبدئي على موقف اليمن الرافض للعنف والإرهاب بجميع أشكاله وأنواعه‮ ‬ومصادره،‮ ‬والرافض‮ ‬كذلك‮ ‬لكل‮ ‬أنواع‮ ‬التمييز‮ ‬العنصري‮ ‬أو‮ ‬العرقي‮ ‬أو‮ ‬الديني،‮ ‬أو‮ ‬الاستقواء‮ ‬على‮ ‬الأقليات‮ ‬وحجب‮ ‬حقوقها‮ ‬الإنسانية‮ ‬المشروعة‮.‬
وبعد.. فلا يدَّعي كاتب هذه السطور أنه استوفى حديثه عن صاحب هذه السيرة والمسيرة، ويعترف بأن ما جاء على ذكره إنما هو قليل من كثير، وغيض خاطر من فيض حاضر هو بالخير العميم غامر.. وحسبه أن هذه التناولة السريعة قد وقفت بالقارئ على إشراقات من سيرة زعيم، ومسيرة قائد‮ ‬لشعب‮ ‬عظيم،‮ ‬تنبئ‮ ‬بالكثير‮ ‬الكثير‮ ‬عن‮ ‬مستقبل‮ ‬واعد‮ ‬برخاء‮ ‬وافر،‮ ‬متأسس‮ ‬على‮ ‬منهجية‮ ‬الحوار‮ ‬الرسالية‮.‬
مواضيع مرتبطة
الأرصاد يتوقع هطول أمطار غزيرة على معظم مناطق اليمن
الصحة اليمنية تطلق نداء استغاثة ( عاجلة)
مصرع ضابطين اماراتيين بتحطم طائرة بلاك هوك في شبوة
قوات ( هادي) تتكبد خسائر كبيرة في محافظتي تعز والجوف
الامارات تقر بمصرع 4 من ضباطها في اليمن
دعوات (حوثية - اخوانية )غير مسبوقة .. للمصالحة
فضحية مجلجلة ارتكبها وزير خارجية (هادي) وكشفها الاتحاد الأوروبي
مقتل وجرح عدد كبير من قوات (هادي) في تعز والجوف
الخارجية اليمنية توجه رسالة شديدة اللهجة للجامعة العربية
القربي: زيارة رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي كسرت الحصار الدبلوماسي على اليمن
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية