أبرزت الاتهامات التي وجهها السفير الأميركي بصنعاء لإيران بالعمل على تقسيم اليمن تدرّج البلد نحو التحوّل إلى ساحة صراع مفتوحة قطباها الأساسيان إيران والولايات المتحدة بمساهمات إقليمية متفاوتة الحجم والأهمية، في وضع مشابه لما هو قائم في لبنان منذ عقود.
وتعليقا على هذا الوضع قال أحد المراقبين إن الاتهامات الأميريكية الإيرانية المتقاطعة بشأن اليمن لا تعني بالضرورة أن أحد الطرفين شيطان والآخر ملائكة بقدر ما يعني أن لكل منهما مآربه في البلد الذي وصل درجة من الضعف العام فقد معها جل مناعته ضد التدخل الأجنبي.
ويقول محللون إنه بقدر اهتمام إيران بتعميق عدم استقرار اليمن وتعميم الفوضى فيه عبر دعمها مجموعات موالية لها في شماله وجنوبه دفعا باتجاه تقسيمه، فإن الولايات المتحدة معنية باستغلال تلك الأوضاع لتحويل تدخلها العسكري الخاطف فيه إلى تمركز دائم في مواقع حصينة بدأت بالعمل على إنشائها، وستتيح لها مراقبة المنطقة عالية الأهمية الاستراتيجية بجوار مضيق باب المندب وغير بعيد عن السواحل الأفريقية.
ومن هذه المنطلقات يؤكد ملاحظون وجود التقاء مصالح غير متفق عليه بين الولايات المتحدة وإيران في اليمن.
وعلق أحد الإعلاميين اليمنيين على ذلك بأنه يبين خطورة خروج اليمن من الحاضنة العربية إلى النفوذ الإيراني الأميركي، ويؤكد الدور الكبير الذي يتعلق على دول الخليج المجاورة لعبه في اليمن على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، منعا لتحوله إلى بؤرة عدم استقرار ونفوذ أجنبي.
وراجت في الآونة الأخيرة أنباء عن اعتزام الولايات المتحدة الأميركية بناء أكثر من ألف وحدة سكنية تستوعب جنودها في ثلاثة قواعد عسكرية جنوب اليمن.
ورغم أن السلطات اليمنية نفت ذلك إلا أن ملاحظين قرأوا فيه توجها من قبل واشنطن نحو تكثيف حضورها العسكري في البلد وترسيمه تدرّجا نحو احتلال مقنّع لليمن.
واستند هؤلاء إلى تكثيف الولايات المتحدة من تحركها السياسي والدبلوماسي باتجاه اليمن، إضافة إلى كثافة نشاطها العسكري والاستخباراتي على أرضه وفي أجوائه.
وحسب هؤلاء فإن الظروف الجيوستراتيجية مواتية لحضور أميركي مباشر في اليمن، ومن ضمنها أن للولايات المتحدة سوابق في التدخل العسكري في البلدان الأخرى بذريعة محاربة الإرهاب. وقوة شوكة تنظيم القاعدة في اليمن تعطي الولايات المتحدة هذه الذريعة.
كما أن الولايات المتحدة تخففت من عبء احتلالها للعراق، وهي في الطريق إلى التخلص من عبء الحضور في أفغانستان، الأمر الذي يتيح لها التفرغ عسكريا وماليا للتواجد في اليمن، هذا الموقع الأهم استراتيجيا من العراق وأفغانستان لجمعه بين مجاورة منابع النفط في الخليج العربي، والإشراف على أهم طرق نقله عبر مضيق باب المندب فالبحر الأحمر، والقرب من سواحل القارة الأفريقية موضع سباق القوى العالمية.
أما من الجانب الإيراني فلطهران مآرب كبرى في اليمن، تعمل على تنفيذها عبر موالين لها هناك. وتقليديا يعتبر الشيعة الحوثيون ذراعها بشمال اليمن، ولكنها استطاعت أيضا أن تستميل عناصر انفصالية بجنوب البلاد.
واليمن الضعيف والمقسم في صميم اهتمام طهران بخلق بؤرة توتر على حدود المملكة العربية السعودية.
وكان السفير الأميركي في اليمن جيرالد فايرستاين اتهم إيران بالعمل على زعزعة الوضع في اليمن والمنطقة.
وقال فايرستاين، في مؤتمر صحفي عقده الأحد بصنعاء:" هناك براهين تثبت دعم الإيرانيين لبعض العناصر المتطرفة في الحراك الجنوبي"، الذي يتبنى الدعوات الانفصالية في جنوب اليمن.
وأضاف :"نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، يسكن في بيروت ويتسلم دعما ماليا من الحكومة الإيرانية، وليس لدينا شك في أنه مسؤول عن جهود لإفشال المبادرة الخليجية من خلال دعم الاحتجاجات الانفصالية".
وعبر السفير فايرستاين عن قلق بلاده إزاء تنفيذ الحوثيين السياسة الإيرانية وأن يكونوا وكلاء لإيران في اليمن. وقال :" إن الطريق الصحيح أمام الحوثيين يكمن في انخراطهم في الحوار الوطني الشامل".
وأكد الدبلوماسي الأميركي أن الولايات المتحدة تدعم اليمن في حربه ضد الإرهاب خصوصا في ظل استمرار تهديدات العناصر الإرهابية لليمن والمنطقة والعالم.
ويقول مراقبون إن تجارب كثيرة أثبتت أن الولايات المتحدة تتخذ من محاربة الإرهاب ذريعة للتدخل المباشر في الدول على غرار أفغانستان والصومال، وسعيها الدؤوب لتركيز قيادة عسكرية داخل القارة الأفريقية.
وقال فايرستاين :" نحن نعمل مع الحكومة اليمنية على تقديم الردود المناسبة، ونتخذ جميع الخطوات لضمان عدم سقوط أي مدنيين"، في إشارة إلى ضربات الطائرات الأميركية دون طيار في اليمن.
- العرب أون لاين:
