استقالة الجنرال رشيد عمار خطوة أولى نحو الكرسي الرئاسي في تونس

الخميس 27 يونيو-حزيران 2013 الساعة 08 صباحاً / وفاق برس: متابعات:
عدد القراءات 1341
شكّل إعلان رئيس أركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمّار عن تنحيه مساء أمس الأول مفاجأة كبرى لمعظم متابعي الشأن التونسي. وقد تعدّدت التأويلات بين أنصاره الذين أصيبوا بخيبة أمل ممّا اعتبر تنصّلا للرجل القوي من المسؤولية في ظرف دقيق، وبين من يرون في ذلك خطوة أولى نحو كرسي قصر قرطاج الرئاسي.

ودون مقدّمات تُذكر، أعلن رئيس أركان الجيوش الثلاثة التونسي الفريق أول رشيد عمّار أمس الأول -عبر قناة «التونسية» الفضائية- عن تقديمه لرئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي طلب إعفائه من منصبه وأنّه قبِل استقالته.

لم يكن يخطر على بال التونسيين أنّ الجنرال، الذي يصفونه بحامي الثورة، قد ينسحب من المشهد بمثل هذه البساطة وفي هذا الظرف الانتقالي الدقيق الذي تعيشه تونس. فقد سبق للجنرال عمّار أن أعلن منذ أقلّ من أسبوعين عن اعتزامه مخاطبة التونسيين للردّ على حملة سياسيّة استهدفته شخصيّا وشكّكت في قدرته على استمرار قيادة المؤسّسة العسكرية، وخاصة في ظلّ عدم إنهاء ملف مجموعة صغرى من الإرهابيين ما انفكّت تروّع عناصر الجيش والحرس من خلال ما تزرعه من ألغام فتّاكة بجبل الشعانبي غرب وسط البلاد.

الجنرال المستقيل (65 عاما) اكتفى بتبرير تقديم استقالته بأنه قرّر ترك الخدمة لأنّه كبر «أكثر من اللزوم» وقد حان الوقت ليُحال إلى التقاعد. هذا الكلام لم يقنع طبعا الأغلبيّة، غير أنّه طرح نقاط استفهام عديدة، يصعُب أن تجد لها أجوبة مُقنعة. فتجديد رشيد عمّار تأكيده بوجود مخاطر كبرى تهدّد تونس يُفترض أن يلزمه بتحمّل مسؤوليته القياديّة إلى حين زوال المخاطر. فقد قال حرفيّا أنّ هناك «عناصر جهادية تكفيرية تعمل على زرع مناطق للتدريب والاستقطاب، تمهيدا للتمرّد وهدم الدولة وإرساء نظام آخر». كما كشف على غرار رئيس الحكومة تورّط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في ما يُحاك ضدّ أمن البلاد واستقرارها.

ومن ثمّة تتزايد موجة التساؤلات، إن كانت استقالة الجنرال عمار تُشكّل اعترافا بفشل الجيش في إتمام المهام الملقاة على عاتقه، وفي مقدّمتها طبعا إيقاف أقلّ من أربعين مقاتلا من السلفيّين المقترنين بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي والمتحصّنين بمنطقة محدودة من الجبال التي نجحت في بثّ الرعب والقلق في أنفس التونسيين، وتسبّبت أيضا في ترهيب السياح والمستثمرين. كما قد تعكس هذه الفرضيّة خشية المؤسسة العسكرية من احتمال أن تحصد سلسلة جديدة من الخيبات الجديدة في معالجة الملف الحدودي وتزايد تهريب الأسلحة ومرور المقاتلين المتشدّدين.

ولا ننسى أن رشيد عمّار من مصلحته الحفاظ على الصورة الناصعة التي اكتسبها بُعيد الثورة، فقد تحوّل آنذاك إلى شبه بطل وطني، لاسيما بفضل انتشار فكرة أنّه امتنع شخصيّا عن تنفيذ تعليمات صارمة وجّهها إليه الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بإعطاء الأمر للقوات العسكرية بإطلاق النار على المتظاهرين أيّام الثورة. ووفق هذا الطرح، فإنّ ما يعتبره البعض تنصّلا لرشيد عمار من تحمّل مسؤوليّته الجسيمة في مواصلة قيادة الجيش، إنّما يهدف إلى تجنّب تزايد الدعوات إلى إعفائه من مهامه.

والجدير بالذكر أنّ التجاسر على انتقاد المؤسّسة العسكريّة لم يكن بالأمر المعتاد في الساحة التونسية، بالنظر إلى أدائها الذي حظي بإشادة معظم التونسيين إبّان الثورة في يناير 2011. هذا الأمر بدأ يشهد تغيّرا خلال الفترة الأخيرة، ففي مناسبة أولى، انطلقت أشدّ الانتقادات من لسان المستشار السابق لرئيس الجمهورية أيوب المسعودي الذي لم يتردّد في اتّهام الجنرال عمّار بـ«خيانة الدولة» بسبب إخفائه قرار تسليم رئيس الوزراء الليبي الأسبق البغدادي المحمودي إلى ليبيا دون علم الرئيس. وقد حوكم المستشار الرئاسي السابق، وفي نهاية المطاف بُرّئ عمليّا من تهمة المسّ بهيبة المؤسسة العسكرية أمام ضغط الرأي العام.

وفي مناسبة ثانية جدّت منذ أسابيع معدودة، حين طالب أمين عام حزب «التيار الديمقراطي» محمد عبو، المنشق عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك في الحكم، بإقالة الجنرال رشيد عمار بسبب حالة الارتباك في الأداء العسكري حيال العناصر الإرهابية بجبل الشعانبي.

والواضح أنّ ابتعاد رشيد عمار عن المشهد السياسي التونسي حاليّا، وإن كان يُلقي بظلاله على الأزمة الخانقة التي يشهدها مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، فإنّه قد يُتيح للجنرال المستقيل أن يُحافظ على سجلّ نظيف يمكن تسويقه، في حال استوت السبل لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسيّة المقبلة.

ومع ذلك فإنّ تفسير تنحّي عمار عن منصبه تمهيدا لترشّحه للانتخابات الرئاسيّة ليس بالأمر المؤكّد. وقد قال هو نفسه في لقاء أمس الأوّل: «أنا يوم انتزع بدلتي العسكريّة سأعود إلى بيتي، لا أحتاج لمنصب سفير أو وزير»، لاسيما أنّه خلال الليلة الفاصلة بين 14 و15 يناير 2011 عُرض عليه أن يعتلي كرسي رئاسة الجمهوريّة، بل وقال إنّ ذلك تمّ «بكلّ إلحاح وإلى حدّ الإحراج» لكنّه رفض لأنّ الدستور يقتضي غير ذلك، قائلا: «هذه هي عقيدتي العسكريّة... (أنا ضدّ منطق» الانقلابات وافتكاك العسكر للسلطة، فهذه البدلة ليست للعمل السياسي» وإنّما لحماية البلاد.

ومع ذلك، فإنّه من الصعوبة بمكان أن يكون الجنرال عمار قد قرّر تنحيه عن قيادة الجيش دون سابق ترتيب أو «تفاوض» مع بقيّة القوى النافذة في السلطة وخصوصا حزب «حركة النهضة» الحاكم. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ القيادي في «حركة النهضة» وليد البناني كان قد صرّح بالأمس أنّ «من حقّ رشيد عمار بعد أن يغادر المُؤسسة العسكرية، وأن يلعب أيّ دور سياسيّ أو مدني، حسب إرادته، خاصّة وأنّه رجل يتمتّع بالكفاءة وله القدرة على تقديم الإضافة للوطن من أي موقع قيادي يختاره، ونحن بحاجة لذلك». وإن كان هذا التصريح لا يعني آليّا أن هناك تنسيقا جمعه بحركة «النهضة»، فقد يحتمل أيضا وجود ترتيبات ما في هذا الاتجاه، لاسيما في ظلّ إمكانية استفادة الحزب الحاكم من شعبية رئيس أركان الجيش في الاستحقاق الانتخابي.

وتزداد قوّة هذا الاحتمال بالنظر إلى التصدّع الذي جدّ داخل الحزب إزاء أمينه العام ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي الذي لا يحظى بإجماع قيادات الحزب حول ترشيحه للمعترك الرئاسي.

 

العرب اون لاين

مواضيع مرتبطة
الحرية والعدالة تتهم "الفلول"برصد 5 مليارات لإسقاط مرسي والمعارضة تنشر وثيقة ما بعد الرحيل
الشرطة المصرية تتمرد على مرسي وترفض حماية الإخوان وتهدد بقتل المخالفين
اشتباكات بين الإخوان ومعارضين وكروت حمراء وأحذية ردا على خطاب مرسي
تعين جبران باشا .. رسالة الى كل ابناء الباشوات
1.5 مليون عامل صححوا أوضاعهم : هل تمدّد السعودية مهلة تصحيح أوضاع العمال؟
شكل حكومة جيدة : أمير قطر الجديد يقول انه لا ينتظر توجيها في السياسة الخارجية و إيران تحثه على مراجعة السياسات تجاه سوريا .. (من هو عبدالله بن ناصر رئيس الوزراء القطري الجديد? )
دولة الأمن القومي تتعرى بفضيحة قرصنة... برنامج تجسس يحرج أوباما وينبئ بنهاية غير سعيدة لولايته
ماذا وراء تصاعد معركة المؤتمر والاشتراكي ؟!
إثيوبيا تبني نهضتها بفضل الإخوان..ومرسي يواجه أخطر أيامه.. وموقف الجيش الأكثر أهمية
خطاب لأمير قطر الجديد مساء اليوم : إقصاء حمد بن جاسم من منصبيه في الحكومة والخارجية ( تحديات كبيرة تواجه الشيخ تميم )
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية