دولة الأمن القومي تتعرى بفضيحة قرصنة... برنامج تجسس يحرج أوباما وينبئ بنهاية غير سعيدة لولايته

الأربعاء 26 يونيو-حزيران 2013 الساعة 08 مساءً / وفاق برس:متابعات
عدد القراءات 1335
لم تشهد الولايات المتحدة جدلا واسعا واصطفافات حادة بين مواطنيها، كما هو الوضع الراهن، منذ الحرب الفيتنامية على خلفية استمرار الأجهزة الأمنية بالتنصت ومراقبة وتسجيل كل ما يتعلق بوسائل الاتصالات الحديثة والكشف عن "أوراق البنتاغون" السرية الخاصة بتضليل الحكومة حول الحرب الدائرة في فيتنام.

منذ ذلك الحين، والأجهزة الأمنية الأميركية تحظى بعناية استثنائية على حساب الأولويات الاجتماعية والتربوية والتنموية الأخرى، وانخرطت بدورها في سباق تحكمت فيه بكل ما طرأ من تطور علمي وتقني لتعزيز أدواتها في رصد ومتابعة ومراقبة النشاطات اليومية لأفراد ومجموعات بعينها، والتي اتضح مؤخرا أن تلك الجهود كانت أبلغ شمولية تتم خلف ستار كثيف من السرية، بل طالت كل فرد من أفراد المجتمع، دون استثناء.

منذ العدوان واحتلال العراق، بشكل خاص، برزت ردود فعل شعبية معارضة ليس فقط لشن الحروب واستعداء الشعوب وتقييد الحريات فحسب، بل لكشف المستور عن تراكم القوانين المقيدة للحريات التي دشنها الرئيس السابق جورج بوش الابن، المعروفة تضليلا بـ "القانون الوطني" الذي يمنح الأجهزة الحكومية والأمنية المختلفة سلطات واسعة غير مقيدة للانقضاض على هامش الحريات المدنية.

في هذا السياق برزت أهمية وثائق ويكيليكس، التي أتت على خلفية صحوة ضمير أحد المجندين الأميركيين في العراق، برادلي مانينغ، واكتشافه بالوثائق حقائق استهداف المدنيين العراقيين العزل من قبل الجيش الأميركي وتواطؤ أجهزة الاعلام قاطبة لترويج الروايات الرسمية التي تمجد "اخلاقيات" الجيش والمسؤولين على حد السواء؛ تلتها صحوة ضمير لمواطن عادي لديه خبرات تقنية مميزة استطاع فتح الباب واسعا للتدليل على عمق جهود التجسس الجارية على المواطنين الأميركيين وتفنيد روايات وزعم كافة المسؤولين، في السلطات التنفيذية والتشريعية بعكس ذلك.

الحالة الأخيرة للموظف ادوارد سنودن شكلت هزة عنيفة داخل المؤسسة الحاكمة لما لها من تداعيات على الحريات المدنية المقدسة لدى العموم، ولا تزال تفاعلاتها قائمة تتجاذبها اتهامات رسمية لسنودن بالخيانة العظمى، يقابلها وجهة نظر معارضة لم تتبلور بشكل فاعل للحظة تقدم عونا ودعما لما قام به من باب أولويات الولاء للدستور.

ادوارد سنودن

سنودن لم يلتحق بوكالة الأمن القومي رسميا، بل وظّف مهاراته التقنية في خدمة الوكالة عبر برامج تخصيص المهام الحكومية للقطاع الخاص؛ الأمر الذي أتاح له الاطلاع والتحكم، لو أراد، بكم هائل من المعلومات الخاصة جدا بكل المواطنين الأميركيين وآخرين عبر العالم. من الجائز أيضا أن أحدا ما من المسؤولين الكبار في الوكالة قدم أو وفر لسنودن المعلومات بينما يقوم الأخير بتمثيل الوجه الإعلامي البارز. ويلفت المطلعون النظر إلى أن القرار القضائي لشركة "فرايزون" للهاتف، مثلا، لتسليم بياناتها للسلطات لا تسمح إلا لنحو 40 فردا بالاطلاع على محتويات السجلات الهاتفية؛ والأهم أن سنودن ليس من بينهم.

استنادا إلى هذا الفهم، من الجائز أن سنودن يحتفظ ببضعة آلاف من بيانات السجلات بحوزته، التي يعتقد أنه احتفظ بها على قرص تخزين متحرك، وسيستمر في الكشف عنها تباعا. ما يعزز هذه الفرضية المقابلة الصحفية التي اجراها في منفاه الاختياري، هونغ كونغ، اذ أشار إلى عزمه البقاء في دائرة الاهتمام العام والتصدي للاتهامات الموجهة.

وصرح لصحيفة (ساوث تشاينا مورننغ بوست) "أولئك من يظنون أنني ارتكبت خطأً باختياري هونغ كونغ كمحطة انطلاق يسيئون إدراك نواياي.. لست هنا لأجل التواري عن الأنظار هروبا من العدالة؛ وجودي هنا لأجل الكشف عن المسلك الجنائي".

وفي تطور لافت، أعلن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، روبرت ميوللر عن عزم الجهاز مقاضاة سنودن جنائيا حفاظا على هيبة الدولة، بينما يمعن جهازه في تشويه صورة سنودن إعلاميا بأنه يسعى وراء الشهرة.

في توقيت مواز، أشادت الصحيفة الصينية الناطقة باللغة الإنكليزية، "ذي غلوبال تايمز″، بالمعلومات الأولية التي كشفها سنودن حول القرصنة الالكترونية الأميركية ضد الصين، حاثة السلطات الصينية على الاستفادة القصوى مما لديه من معلومات وعدم الاستجابة لطلبات تسليمه إلى السلطات الأميركية، سيما وأن هونغ كونغ تخضع لسيادة الصين الشعبية.

التداعيات الداخلية

توقيت فضيحة التجسس جاء ليفاقم الأزمات التي تعصف بإدارة الرئيس أوباما، ابتداء بمخالفات هيئة الضرائب والفضائح التي تلاحق وزارة الخارجية، إلى التحكم ببيانات الصحافيين؛ مما أدى بها إلى دور الدفاع عن نفسها بدلا من ممارسة مهامها التنفيذية. وقد أوضحت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا بانخفاض مضطرد لثقة الناخبين لأداء الإدارة الأميركية.

سيقدم الكونغرس على عقد جلسات علنية للبحث في المدى الذي وصلت إليه جهود التجسس، والتي قد ينتج عنها افشاء مزيد من التفاصيل المتعلقة بما في جعبة سنودن أو ما يتوفر منها لدى صحافيين آخرين. وما قد يفاقم الازمة والاحراج لدى الإدارة الأميركية الكشف عن استهداف مناوئيها السياسيين بشكل خاص في حملة التجسس الداخلية.

واستبق البعض توفر الأدلة وشرع التحقيق في إمكانية استغلال الإدارة الأميركية إلى تلك المعلومات لتحديد ماهية العناصر المناوئة لها والمنتمية للجمعية الوطنية لحمل السلاح، الأمر الذي تنفيه الإدارة بشدة.

 

ثمة عوامل تتحكم بما قد يرشح من معلومات تتعلق بطبيعة وموقع الشخصيات المدعوة للإدلاء بشهاداتها، سيما وأن مدير وكالة الأمن القومي أثبت أنه قدم معلومات تضليلية في السابق مما يضعه تحت طائلة المقاضاة القانونية. حينئذ، قد يلجأ كلابر وآخرين متورطين للتعاون مع طلب أعضاء الكونغرس كجزء من صفقة لنيل الحصانة والاعفاء من الملاحقة القانونية، وما سيترتب على ذلك من تضييق دائرة المتورطين إلى بضعة اشخاص في هرم الإدارة عينها، وهو أمر شبيه بما جرى ابان فضيحة ووترغيت الممتدة لعامي 1972-1974. وتنامي حالة الإحباط الشعبية قد تسهم في تعزيز مواقع الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة للكونغرس، 2014.

الانعكاسات الدولية

سياسات الرئيس أوباما أضحت تواجه متاعب عديدة على المستوى الدولي، ليس بفضل المعلومات التي كشفها سنودن فحسب، بل لما سبقها من تسريبات وثائق رسمية من قبل ويكيليكس. "الحرب على الإرهاب" التي دشنت فيها أميركا سيطرة القطب الواحد على مقدرات العالم، سرعان ما ارتدت تفاعلاتها سلبا وانكشاف أهدافها الحقيقية. وذيلية بريطانيا للسياسات الأميركية بدأت تثير تذمر بعض المؤسسات البريطانية النافذة.

ما كشف عنه سنودن من تفاصيل برنامج "بريزم" تجاوز إجراءات التنصت والتجسس والمراقبة متضمنا خططا أميركية بالغة السرية لشن هجمات قرصنة الكترونية وقائية ضد الدول الأخرى. ألمانيا حليفة الولايات المتحدة الأوثق أصابها الذهول بعد الكشف عن استهدافها لجهود تجسسية هي الأشمل في أوروبا على أيدي وكالة الأمن القومي.

ووصفت وزيرة العدل الألمانية، سابين لوثوسر - شارينبيرغر، امتعاض الحكومة الألمانية من برنامج بريزم الذي "يثير قلقا بالغا... وخطيرا،" كما فندت مزاعم الرئيس أوباما الأخيرة لصعوبة تحقيق "الأمن والحفاظ على الحريات بنسبة 100 بالمئة في الوقت عينه". وقالت بوضوح على صفحة "دير شبيغل" الالكترونية "لا أشاطر (الرئيس) ذلك الرأي. تعرض المواطنين لإجراءات الرقابة ينافي مبادئ الحرية... تحقيق الأمن في النظام الديموقراطي لا يشكل هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لصون الحرية".

وتواطؤ شركات القطاع الخاص لتوفير بيانات المعلومات للأجهزة الأميركية، غوغل ومايكروسفت وآخرين، سيتطلب منها مشاركة الإدارة الأميركية في تحمل تبعات سياساتها وتعاونها في عمليات التجسس.

بقاء ادوارد سنودن خارج الأراضي الأميركية يعزز شكوك وخشية الأجهزة الأمنية بما قد يفصح به من معلومات بالغة الحساسية لا تدرك كنهها، وتسبب لها مزيدا من الاحراج ومفاقمة تراكم الازمات. فيما تستعد طواقم من الصحفيين إلى استغلال سيل الفضائح المتلاحقة التي تطوّق البيت الأبيض للضغط على مصادرهم الإخبارية من مسؤولين للإدلاء بمعلومات ذات أهمية إعلامية قبل انهيار المعبد، سيما أن تضمنت استغلال السلطة التنفيذية للمعلومات المتوفرة عبر

*مركز الدراسات الأميركية والعربية

بعد ويكيليكس: «بريزم» مأزق جديد لأوباما

في عام 2009 كشف موقع "ويكيليكس″ بأنه تمكن من الحصول على مئات الآلاف من الوثائق العسكرية السرية التي تحتوي على تقارير حول الخطط الاستراتيجية الأميركية في العراق وأفغانستان، إلى جانب نحو 250 ألف برقية دبلوماسية سرية أخـــرى تشتمــل على فضائح سياسية ومالية لكثير من مشاهير ورؤساء العالم والتعاون الوثيق للاستخبارات الأميركية مع أنظمتهم حول العالم.

وفي 2013 فصحية تجسس جديدة تهز البيت الأبيض على يد ادوارد سنودن. هذه الفضيحة تتعلق برنامج "بريزم"،»PRISM» وهو برنامج استعملته «وكالة الأمن القومي الأميركية لفرض رقابة إلكترونية واسعة على الشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية. ويتيح البرنامج السري، الدخول إلى البيانات والمعلومات الرقمية الخاصة لأسماء محددة، إضافة إلى كل النشاطات التي تقوم بها هذه الاسماء.

مواضيع مرتبطة
شكل حكومة جيدة : أمير قطر الجديد يقول انه لا ينتظر توجيها في السياسة الخارجية و إيران تحثه على مراجعة السياسات تجاه سوريا .. (من هو عبدالله بن ناصر رئيس الوزراء القطري الجديد? )
استقالة الجنرال رشيد عمار خطوة أولى نحو الكرسي الرئاسي في تونس
الحرية والعدالة تتهم "الفلول"برصد 5 مليارات لإسقاط مرسي والمعارضة تنشر وثيقة ما بعد الرحيل
الشرطة المصرية تتمرد على مرسي وترفض حماية الإخوان وتهدد بقتل المخالفين
اشتباكات بين الإخوان ومعارضين وكروت حمراء وأحذية ردا على خطاب مرسي
ماذا وراء تصاعد معركة المؤتمر والاشتراكي ؟!
إثيوبيا تبني نهضتها بفضل الإخوان..ومرسي يواجه أخطر أيامه.. وموقف الجيش الأكثر أهمية
خطاب لأمير قطر الجديد مساء اليوم : إقصاء حمد بن جاسم من منصبيه في الحكومة والخارجية ( تحديات كبيرة تواجه الشيخ تميم )
حسن روحاني : نصف متشدد مع الغرب ونصف اصلاحي مع العرب
تقرير خاص- كيف يحكم الاسلاميون في سوريا بالدهاء والبندقية؟
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية