حرب القيم الثقافية تشتعل بين أميركا وأوروبا

الثلاثاء 11 يونيو-حزيران 2013 الساعة 08 مساءً / وفاق برس:متابعات:
عدد القراءات 1162
استيقظ «الضمير الثقافي» في أوروبا بمجرد أن وافق البرلمان الأوروبي على تأييد المفاوضات حول اتفاق «شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي» بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتعد أوروبا الثقافة بوصفها نتاجا لأفكار تتجاوز القيم التجارية الصارمة، بينما الثقافة وفق المفهوم الشائع لدى الولايات المتحدة هي سلعة كـ»العلكة» تباع كي تمضغ وترمى.

هذا ما دفع المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي كاريل دي جوشت إلى القول إن أوروبا تريد استبعاد صناعات السينما والتليفزيون والموسيقى من اتفاقية مقترحة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة.

وقال جوشت «إنه ينبغي السماح للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بأن تواصل حماية هذه الصناعات رغم إنه مستعد لمناقشة استثناءات في حالات توزيع المنتجات الثقافية من خلال الإنترنت».

لماذا تفهم فرنسا مثلا الثقافة بغير الفهم المطلق السراح للثقافة في أميركا كسلعة وظيفتها جمع الأموال؟ لأن الولايات المتحدة تعتبر السينما والفنون والصناعات الترفيهية وسيلة لجمع الأرباح، بينما تنظر أوروبا للثقافة بوصفها نتاجا لأفكار تتجاوز الهيمنة التجارية. وتبنى 16 وزير ثقافة أوروبي الموقف الفرنسي باستبعاد السينما والتلفزيون والموسيقى من المحادثات مع الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يكفي لتقوية الموقف الأوروبي.

تذكّر أنياس بوارييه في تعليق لها بصحيفة «الغارديان» البريطانية بدور فرنسا في صياغة مفهوم «الاستثناء الثقافي» منذ عام 1980 حيال التغطرس الأميركي، وكيف ساهمت في اعتماد «التنوع الثقافي» في اتفاقية ملزمة من قبل اليونسكو عام 2005 أقرت من قبل 185 دولة فيما رفضتها الولايات المتحدة وإسرائيل.

كذلك يستعيد المعلقون أجواء مفاوضات التجارة العالمية، التي وقعت بين أعوام 1986 و1994، وكيف يمكن أن يعاد المشهد خلال الأيام المقبلة. من أجل أن تحافظ أوروبا على مفهوم ترى أنه ثقافي لا تجاري.

كان آنذاك جاك فالنتي رئيس جمعية السينما في هوليوود يحرض على مفهومه الذي يعتبر الثقافة مثل أي منتج آخر كالعلكة التي تمضغ، وهو الذي ينظر بعين واطئة إلى مخرجي الأفلام الأوروبيين، بينما كان هولاء «يتوسلون» حكومات بلادهم لاستبعاد السينما من الاتفاقية مع أميركا.

 في ذلك الوقت، قاد الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران التمرد بصلابة وكان يرد على استكبار رئيس جمعية السينما في هوليوود بالقول «إن إبداعات العقل ليست مجرد سلع، ولا يمكن أن تعامل على هذا النحو».

بعد عشرين عاما تدخل أوروبا المحادثات الجديدة مع الولايات المتحدة، لكنها في موقف مصاب بالوهن -كما يرى بعض المعلقين- مع تبني 16 وزير ثقافة لمبدأ استبعاد السينما والتلفزيون والموسيقى من المحادثات.

 ومما يجعل الوضع أصعب بالنسبة للاتحاد الأوروبي مما كانت عليه في محادثات عام 1993، الموقف المزدوج لرئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، الحريص على كسب ود واشنطن، ربما ليحل محل بان كي مون في مقر الأمم المتحدة، إنه بتعبير بعض المعلقين يضع «الماء في النبيذ» وفق المثل الفرنسي من أجل تهدئة خواطر الأميركيين.

ففي الوقت الذي طالب فيه عدم استبعاد القطاع السمعي والبصري في المفاوضات مع الولايات المتحدة، تدارك ذلك بقوله: «يجب علينا أن نوضح أن الاستثناء الثقافي غير قابل للتفاوض».

الإدارة الأميركية تستعرض عضلاتها المالية في التفاوض عبر تصريح الرئيس باراك أوباما بقوله «لإنجاز اتفاق طموح وشامل، ينبغي ألا يتم اقتطاع بعض القضايا قبل التفاوض» في إشارة إلى السينما والموسيقى والتلفزيون.

ووفق كل الأحوال فأن مفهوم التنوع الثقافي لأوروبا مسألة حاسمة، بل هو كفاح من أجل النقاش الفكري والفني الغني الذي لا يهدف إلى صناعة الربح كاعتبار وحيد.

مثلا يسمح النظام الثقافي الفرنسي بتقديم الإعانات للفنون وإنتاج الأفلام الأوروبية منذ عقود لمساعدة جمهور واسع لاكتشاف واحتضان وجهات نظر مختلفة. بينما الأفلام الأميركية لديها حصة تسويقية تتراوح بين 50-60 بالمئة، مقارنة مع 90 بالمئة في المملكة المتحدة.

لماذا تريد بريطانيا مشاهدة المزيد من الأفلام الأميركية؟ تتساءل أنياس بوارييه في تعليقها بصحيفة «الغارديان» لتجيب «ذلك ببساطة لأن لديهم القدرة المالية لفرض نتاجاتهم السينمائية علينا». ليست السينما «شوكة» الممانعة الوحيدة في التفاوض الأوروبي الأميركي، فموقع أمازون لتوزيع الكتب على الإنترنت، يكاد يعطي قبلة الموت إلى المكتبات المستقلة في أوروبا عبر إغراق السوق بالكتب «في حين يمتنع عن دفع الضرائب»، الأمر الذي دفع الحكومة الفرنسية إلى التعهد بدعم صناعة الكتاب بمبلغ 18 مليون يورو وهي حصة لا تحمي الكتاب الفرنسي.

التهديد الفرنسي باستثناء ما هو ثقافي ليس رد فعل على موافقة البرلمان الأوروبي على تأييد المفاوضات حول اتفاق «شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي» بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. بل هو موقف عميق في الدفاع عن الخصوصية الثقافية، طالما هددت بتعطيل المحادثات لحماية الفنون الأوروبية من قوى السوق التي تحركها هوليوود.

ومن أجل ذلك أعطى المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي كاريل دو جوشت، ضمانات بأنه سيتم احترام الاستثناء الثقافي في المحادثات المقبلة.

ويمثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معا نصف الناتج الاقتصادي في العالم وثلث التجارة العالمية.

والدفاع عن التنوع الثقافي الأوروبي في مفاوضات اتفاق «شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي» ليس موضع اتفاق لدى كل المعلقين، فهارولد مايرسون يرى أن الإدارة الأميركية لا تقدم مصالح العمال في هذه الاتفاقيات، عندما تمرر مثل هذه الاتفاقيات بموجب ما يعرف بقواعد «المسار السريع»، عندما لا يضطلع الكونغرس بدوره كاملا عندما كان يتم تسليم تلك الصفقات لمشرعي القوانين.

ويرى في تعليق له نقلته «واشنطن بوست» في خدمتها الإخبارية أنه لم يكن مطلوباً لتمرير تلك الاتفاقيات سوى الحصول على أغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ الذي كان ملتزماً بالتصويت عليها خلال أسابيع من تمريرها في مجلس النواب.

 أما بيتر أسبن فيرى أن أوروبا تتحرك خائفة لأن العالم الجديد للثقافة المعولمة، أصبح سريع الحركة. ويقول في تعليق بصحيفة «فايننشال تايمز» «قارة بأكملها ترتجف من إمكانية أن تصبح في المستقبل لا محل لها من الإعراب».

ويشير إلى تعهد مجلس الإدارة في أكاديمية الأفلام الأوروبية بمساندة «الثقافة الاستثنائية»، أي المبدأ الذي يحول دون مناقشة الثقافة في المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويسخر أسبن من جملة فيم فِندرز رئيس الأكاديمية الذي أخرج في عام 1984 فيلم «باريس تكساس» «الاستثناء الثقافي ليس قابلاً للتفاوض».

ويصف بالسخف والنفاق الحديث عن حماية الثقافة الأصيلة في أوروبا، في وقت كان يستطيع فيه المخرجون الأوروبيون السفر غرباً وإطلاق ملاحظات وجودية عميقة حول «الأميركيين الحمقى» دون أي شعور بالذنب.

بينما الموقف الداعي لاستثناء الثقافة من المفاوضات يرى «تحرير قطاع الوسائل السمعية البصرية والأفلام من شأنه أن يؤدي إلى إتلاف كل ما كان حتى الآن، يحمي ويروج للثقافات الأوروبية ويساعد في تطويرها.

هذه السياسة، إلى جانب منح ميزات مالية مفرطة لكبريات الشركات الرقمية الأميركية تبدو بصورة كبيرة وكأنها رغبة واعية تهدف إلى تركيع الثقافة الأوروبية».

ويتساءل أسبن «أليس من الأفضل توجيه هذا الاحتجاج نحو المشهد المتغير للوسائط الإعلامية بصورة عامة، بدلاً من التركيز على الهيمنة الرمزية لفيلم هوليوود الذي يحطم شباك التذاكر؟». ويصل بقوله: «الثقافة الأوروبية أبعد ما تكون عن الركوع.

 ربما أصبحت أقل تميزاً، لكن السبب في ذلك هو أن التجارة الحرة للأفكار وازدهار المراكز الثقافية الجديدة جعلها تتكيف مع عالم متعدد وجديد. إن ما ينبغي لأوروبا أن تحمي نفسها منه أكثر من أي وقت مضى هو الحنين إلى الماضي. ليست هناك ثقافة في التاريخ حققت لنفسها مستقبلاً أفضل من خلال الحنين إلى الماضي».

العرب اون لاين

مواضيع مرتبطة
أمير قطر على بعد خطوات من التنحي
خامنئي يبحث عن رئيس لإيران رهن إشارته وتركيز السلطة في مكتبه
تخوفات كبرى في مصر من مظاهرات 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان
منظمات يمنية تناشد الرئيس الروسي تبني قرارا بإنشاء لجنة تحقيقات دولية في جرائم وانتهاكات حقوق الانسان التي شهدتها اليمن عام 2011م
نداء إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب .. السلطات اليمنية ماضية نحو ابينة حضرموت
رئيس وزراء قطر سيتنحي لتسليم المنصب لولي العهد
الصحافة الأوروبية تلعق على الاحتجاجات في تركيا بعد تحذير أردوغان من نفاذ صبره
استراتيجية اسقاط سوريا
سجن كويتية 11 سنة بسبب "تويتر"
الظواهري يتدخل لحل خلافات بين جناحي القاعدة في سوريا والعراق
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية