ليبيا: من دكتاتورية القذافي إلى ديمقراطية الميليشيات

الأربعاء 29 مايو 2013 الساعة 08 مساءً / وفاق برس:أحمد أبودوح
عدد القراءات 1035
منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ازداد الوضع الداخلي في البلاد تعقيدا. و رغم وجود حكومة تتولى إدارة البلاد- الحكومة المؤقتة وتشكيل المؤتمر الوطني العام-، إلا أن السلطة الحقيقية لم تنتقل بعد إلى المكاتب الرسمية للدولة الليبية.

مع سقوط النظام الحاكم في ليبيا، وفي إطار حالة الفوضى التي عمّت البلاد تمكّن الثوّار المسلّحين من السيطرة على مفاصل الدولة الليبية واحكموا سيطرتهم على مؤسساتها الرئيسية ومطاراتها.

ومع انتخاب حكومة تدير المرحلة الانتقالية، في أول انتخابات شعبية تشهدها ليبيا، تم تسليم بعض هذه المؤسسات إلى الحكومة التي اضطرت إلى الاستعانة بالثوار لتأمين الحدود والمؤسسات الحيوية في البلاد.

لكن، وأثناء استغراق الدولة في إعادة هيكلة مؤسساتها، وبناء جهازي أمن وجيش قويين، تمكنت هذه المجموعات من التجمع في شكل ميليشيات مسلحة، أخذت في تنفيذ أجندتها الخاصة وسط تراخ من قبل أجهزة الدولة خشية استخدام القوة ضد هذه الميليشيات واندلاع حرب أهلية في البلاد على إثرها.

بداية سيطرة الميليشيات

تفاقم الوضع وخرجت الميليشيات عن نطاق سيطرة الحكومة في أواخر شهر أبريل الماضي، عندما أقدمت هذه الجماعات المسلّحة على حصار بعض الوزارات داخل العاصمة الليبية طرابلس، مطالبة بإقصاء جميع من عمل مع النظام السابق في عهد العقيد معمر القذافي.

ورغم إعلان الحكومة نيتها وضع حد لهذه الممارسات التي يبدو أنها بدأت تزعج قطاعات واسعة من المجتمع الليبي، إلا أنها مازالت تصر على تجنبها للعنف كخيار قد يساعدها على تقويض هذه الجماعات المسلحة. ففي يوم 11 سبتمبر-أيلول 2012 تم استهداف القنصلية الأميركية في بنغازي، وهو ما أدى إلى مقتل السفير الأميركي في ليبيا وثلاثة من الدبلوماسيين، ومنذ ذلك الوقت تتصاعد حالة انعدام الاستقرار في البلاد، وتتراخى معها قبضة الحكومة على مجريات الأمور.

أما ما ساعد على تفجير الوضع بشكل أكبر هو اقتراح قانون العزل السياسي لرموز نظام القذافي السابقين في المجلس التأسيسي (البرلمان). فقد دفعت الدعوة إلى تبني "قانون العزل السياسي" إلى تنظيم حصار مؤسسات الدولة الأخير.

بيد أن هذا من شأنه أن يفتح الباب أمام عدة اعتبارات أخرى تتعلق بدعم بعض السياسيين لهذه الميليشيات، وخاصة في ما يتعلق بمطالبها ذات الطابع السياسي. فقد اتجهت أصابع الاتهام في معظم الحالات التي تقدمت فيها هذه الميليشيات بمطالب سياسية إلى تيار الإسلام السياسي الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين الليبية، والتي تمكنت من حصد 10 في المئة فقط من المقاعد في الانتخابات العامة الأخيرة، وخاصة أن معظم هذه المطالب تتفق في جوهرها مع توجهات جماعات الإسلام السياسي الليبي بكافة تفريعاتها.

وبالفعل انعكست الخلافات بين القوى السياسية داخل البرلمان على الشارع، وعلى سلوك تلك الميليشيات بمجرد أن تصاعدت حدتها داخل أروقة البرلمان، والتي تمثلت نتائجها في حصار وزارتي العدل والخارجية الليبية.

 

الصراعات السياسية

تتمركز في العاصمة طرابلس شبكة معقدة من الجماعات المسلحة والميليشيات. وتضم هذه الميليشيات معارضين سابقين من مناطق مختلفة بالبلاد، وأفراد لجان أمن أهلية من العاطلين لم يسبق لهم القتال، وكذلك بعضا من لديهم سوابق في ارتكاب جرائم تم الإفراج عنهم خلال الحرب، فضلا عن قوة مؤقتة شكلتها وزارة الداخلية تعرف باسم "لجنة الأمن العليا".

في الوقت نفسه تمكنت الميليشيات الإسلامية السلفية المتشددة من تشكيل تحالفا فيما بينها، في حين لم تستطع الاندماج مع الميليشيات الأخرى نتيجة حرص تلك الميليشيات على تقديم نفسها على أنها لا تحمل أيديولوجيا معينة، ونتيجة الممارسات التي تقوم بها الميليشيات السلفية التي تنحصر في تدمير الأضرحة الصوفية، وإعلان أنها مسؤولة عن محاربة تجارة المخدرات والجريمة.

غير أن البعض يرى أن من ضمن من يحركون هذه الميليشيات هم بعض من أنصار النظام السابق، ومن لهم مصلحة في عودته مرة أخرى إلى الحكم، في الوقت الذي تدعي فيه جميع الفصائل المسلحة أنها من بين الثوار الذين قاتلوا ضد نظام معمر القذافي.

تتمحور الخطوة التالية لهذه الميليشيات والسياسيين الذين يدعمونها في تضمين الدستور الذي يعكف المجلس التأسيسي اليوم على كتابته، بعض البنود التي تحمل توجهاتهم الأيديولوجية، وهو ما ينظر إليه البعض على أنه انقلاب سياسي، يهدف بالدرجة الأولى إلى السيطرة على السلطة على مراحل متدرجة. ففي مصر، نجح الإسلاميون في الوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات التشريعية التي تمكنوا فيها من حصد الأغلبية داخل غرفتي البرلمان، لكن الوضع كان مختلفا في ليبيا، واستطاعت القوى المدنية والليبرالية حصد الأغلبية داخل المجلس التأسيسي. لذلك فإن من المنطقي اعتبار أن جماعات الإسلام السياسي في ليبيا قد قرروا اللجوء إلى ما يمكن تسميته "ديمقراطية الميليشيات"، هو البديل الذي ارتأت قوى الإسلام السياسي اللجوء إليه لفرض (ولو بالقوة) رؤيتها وتوجهاتها على الدستور الليبي الجديد.

الأخطر من ذلك، هو أن قطاعات واسعة من مؤيدي القوى المدنية قررت التدخل للمساهمة في وضع حد للصراع القائم الآن بين الدولة الرسمية والميليشيات المسلحة، عبر التظاهر الذي من الممكن أن يتطور إلى اشتباكات مسلحة بين الجانبين، تكون النواة الأولى للحرب الأهلية التي تطل برأسها على الساحة السياسية الليبية.

مع ضعف الحكومة (رغم فرض سيطرتها على بعض هذه الميليشيات) يبقى السيناريو اللبناني مطروحا بقوة في ليبيا، إذا ما قرر ممثلو القوى المدنية في المجلس التأسيسي دفع مؤيديهم إلى حمل السلاح للدفاع عن الشرعية التي اكتسبوها عبر انتخابات حرة نزيهة، وخاصة أن السلاح الليبي أصبح متوفرا داخل ليبيا وخراجها بكثافة كبيرة.

على الجانب الآخر لا يمكن تجاهل الدور الهام الذي تلعبه فكرة القبيلة داخل المجتمع الليبي. فعند تفاقم الأوضاع الميدانية، وانهيار الحكومة (التي بدأت الميليشيات مؤخرا في المطالبة بإقالتها) لن يجد زعماء القبائل بدا من التدخل للحفاظ على تماسك المجتمع القبلي الذي يقع تحت سيطرتهم، وبالتالي سوف يدخل المشهد إلى مرحلة أكثر تعقيدا. يتزامن كل هذا مع التراخي الذي تشهدها الحدود الليبية (وبصورة خاصة الحدود الجانبية) التي شهدت انتشار العناصر الجهادية، وتشكيلها ميليشيات خاصة بها تتولى حماية البؤر المسؤولة عن التعاون مع جهاديي تونس والجزائر، وتقديم الدعم إلى الجماعات المسلحة في منطقة جنوب الصحراء.

قد تدفع كل هذه المعطيات المواطنين الليبيين إلى جانب استمرار غياب حالة الاستقرار التي تتطلبها المرحلة الحالية بشكل ملح، إلى إعادة التفكير في الثورة من جديد.

 

العرب اون لاين

    
مواضيع مرتبطة
تقرير:حزب الله... مفردة إسلاموية بجرعة طائفية
آخر التطورات في سوريا .. تعزيزات عسكرية للنظام والمعارضة إلى القصير ومقاتلون لبنانيون سنة وشيعة يتدفقون عبر الحدود ولواء التوحيد يهدد بنقل المعركة إلى لبنان
العمالة المخالفة في السعودية بين مطرقة فترة السماح وسندان الطوابير الطويلة
7 ملايين متمرد في مصر ومرسي يشدد على أن لا عودة إلى الوراء ومخاوف من وقوف إسرائيلي وراء سد النهضة
تقرير يكشف عن أكبر شبكة لغسيل الأموال في العالم
تحليل : فرنسا وبريطانيا تقامران في سوريا
روسيا تنتقد قرار رفع حظر تصدير السلاح للمعارضة وتصر على تزويد سوريا بصواريخ متطورة وعلى مشاركة إيران في مؤتمر جنيف والمعارضة لم تحسم موقفها وإسرائيل تحذر
هل بوسع الجماعات المسلحة الصمود أمام التكتيك الجديد للجيش في سوريا
تقرير:احتدام القتال في سوريا وأنباء عن هجمات جديدة بأسلحة كيماوية
خطط الحرب الغربية في سوريا فشلت: صاروخ ياخونت يصيب دبلوماسية الاساطيل في مقتل
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية