هل بوسع الجماعات المسلحة الصمود أمام التكتيك الجديد للجيش في سوريا

الثلاثاء 28 مايو 2013 الساعة 07 صباحاً / وفاق برس:متابعات
عدد القراءات 1586
واجهت السلطات المختصة منذ بداية الأزمة السورية، مجموعات مسلحة، تملك مهاراتٍ فردية في استخدام السلاح، لكنها لا تجيد إلا القليل من مهارات الميدان. وكان المخططون لهذه المجموعات أشخاصاً موجودين خارج القطر، ويمارسون قيادتها وفق أسوأ أشكال القيادة، التي يطلق عليه - استخفافاً به - مصطلح «القيادة بالمنظار». كان هذا الأداء العسكري المتواضع من حيث التخطيط والتنفيذ، يقابل بعناصر غير مسلحة من قوى الأمن الداخلي. ولم يتدخل الجيش في ذلك الوقت بإمكاناته المادية الضخمة، والمعنوية العالية، وخبراته الميدانية المتقدمة، ورؤاه الإستراتيجية الشاملة، لأن حجم التهديد الذي تشكله تلك الجماعات، لا يستدعي تدخلاً عسكرياً على هذا المستوى. وعندما أسفرت دول الجوار عن عدائها لسورية، وكشفت تورطها في الأزمة، بدأت بتدريب المسلحين على أرضها، وأخذت تمدهم بالسلاح المتطور والعتاد والأموال، وفتحت غرف العمليات المتقدمة لقيادة الأعمال المسلحة، واستقدمت العناصر الإرهابية من شتى بلدان العالم، وسهلت عبورهم للداخل السوري، في موقف عدائي سافر، استهدف العدوان على الدولة السورية وسيادتها الوطنية. إزاء هذا التطور النوعي للنشاط المسلح،

في الحقيقة كانت الأعمال الدفاعية التي قام بها الجيش في ذلك الحين - رغم فعاليتها - غير كافية لوقف الهجمات الإرهابية المدعومة رجعياً وغربياً، الآخذة في التطور والاتساع، لتستهدف منشآت اقتصادية ودينية وأثرية وعلمية وزراعية وصناعية وثقافية وبنى تحتية وخدمية، هذا فضلاً عن ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وقصف المنشآت الحيوية بقذائف الهاون، وزرع العبوات الناسفة على الطرقات، وقطع الطرق ونسف خطوط السكة الحديدية، وإشعال النيران في أنابيب نقل النفط والغاز، وسرقة بعض المحاصيل الزراعية الإستراتيجية، وتفكيك المعامل ونقلها لتركيا، والشروع بتنفيذ الأعمال الانتحارية بسيارات مفخخة عمياء، تقتل المدنيين الأبرياء داخل المدن السورية.

على إثر ذلك، وبعد أن وصل التهديد إلى الخطوط الحمراء، قررت القيادة السياسية إعادة انتشار العديد من التشكيلات العسكرية، وزج بعضها، لوضع حدٍ لإرهاب وتخريب الجماعات المسلحة. واختارت هذه التشكيلات تكتيكاً يلائم المواقف الميدانية المتشكلة. وكان من عبقرية التطبيق ميدانياً، عدم تبني تكتيك واحد لتطبيقه على المواقف كافة، بل كان لكل موقف ما يناسبه. وقد أجملنا - على نحو مختصر - الأساليب التي اتبعتها وحدات وقطعات وتشكيلات الجيش العربي السوري في تعاملها الميداني مع المسلحين، مع الإشارة إلى أن الحديث عن التكتيك بعد استخدامه وتطبيقه على الأرض، لا يعود من الأسرار الواجب التكتم عليها، لأن تلك الأساليب أصبحت مكشوفة للمسلحين، وصاروا يعرفونها أكثر من غيرهم. وقد تجسدت الخطوات التكتيكية المتخذة ميدانياً، فيما يلي من بنود:

■ المبادأة وانتزاع المبادرة من المسلحين: لقد كان لهذه الخطوة التي تعني التخلي عن السياسة الدفاعية، واللجوء لأعمال هجومية نشطة وفعالة، أن حرمت المسلحين من حرية اختيار الزمان والمكان لشن هجماتهم، وانتقال هذه الحرية لوحدات الجيش السوري.

■ حصار المجموعات المسلحة، وقطع الإمداد عنها: وهذا أحد أهم المبادئ القتالية، التي يسعى كل طرف لتطبيقه ميدانياً على الطرف الآخر. وقد نجحت وحدات الجيش العربي السوري بتطبيقه في أماكن متعددة من أراضي القطر، وبشكل خاص في حلب والقصير من ريف حمص وغوطة دمشق.

■ مناوشات منهجية لاستنزاف مخزون الذخائر: تحت وطأة الحصار الصارم المنفذ على جماعات المسلحين، وقطع طرق إمدادهم، فإنه من الطبيعي أن يُقدم الطرف المحاصِر (بكسر الصاد) على دفع تلك الجماعات، لاستهلاك احتياطها من الذخائر، عبر مناوشات واشتباكات متفرقة تفضي لهذه الغاية.

■ زج وحدات نوعية دربت خصيصاً على حرب المدن وقتال الشوارع: يُعتبر القتال في المدن من أعقد أشكال القتال. ففيها يتحمل الطرف المهاجم- حسب إحصائيات الحرب العالمية الثانية- خسائر تفوق كثيراً خسائر الطرف المدافع، لكن تشكيل وحدات من النخبة، تقوم بتنفيذ هذا الشكل من القتال بطرق احترافية، يقلص إلى حد كبير من الخسائر، ويعطي قوة مضافة للنشاط القتالي لأولئك الجنود المهاجمين المهرة.

■ الاعتماد على معلومات استخباراتية مضمونة: أن من يقاتل دون استطلاع ميداني نشط، يرفد الوحدات المقاتلة بالمعلومات الأمنية والعسكرية الطازجة، كمن يقاتل وهو مغمض العينين، وقد عزز الجيش السوري هذه النقطة، باعتماده على كم هائل من المدنيين، الذين يدلون بمعلومات مهمة ومؤكدة عن المسلحين ونشاطهم وأماكن وجودهم، وتتبنى الجهات المختصة ما يتقاطع من المعلومات، وتتخذ القرارات المناسبة في ضوء ذلك.

■ تنفيذ الكمائن والإغارات: وهذا من أول أبجديات العمل العسكري، وخاصة مع توافر معلومات مؤكدة، بسبب أعمال الرصد والاستطلاع، وتقارير الأمن والاستخبارات العسكرية.

■ المناورة القريبة والبعيدة: لقد طبقت تشكيلات الجيش العربي السوري المبدأ العسكري الذي يقول: «الطريق المستقيم في الميدان ليس أقصر الطرق». لأن التقدم باتجاه المنشآت الدفاعية بخط مستقيم، هو تقدمٌ في الاتجاه الأكثر قوة في دفاع العدو. لذا ينصح بالمناورة القريبة أو البعيدة على الأجناب أو المؤخرة، كما حصل في المناورة الشهيرة التي قامت بها بعض تشكيلات الجيش العربي السوري، من ريف حماة إلى ريف حلب، عبر طريق صحراوي غير متوقع، لفك الحصار عن معامل الدفاع ومركز البحوث، وتأمين مطار حلب الدولي.

■ المفاجأة في الزمان والمكان: يقول الفقهاء العسكريون: «المفاجأة نصف النصر». وقد أحاطت وحدات الجيش السوري نواياها الهجومية المستقبلية بالسرية المطبقة تنفيذاً لهذا المبدأ، حتى غدا تحديد المكان المحتمل للعمل الميداني، وزمان تنفيذه، عصياً على المسلحين، وكان هذا أحد أسباب التفوق.

■ استخدام الصبائب النارية الدقيقة: لا يقصد بهذا أن لدى الجيش السوري صبائب نارية دقيقة وأخرى غير دقيقة، إنما المقصود هو استخدام الرشقات النارية لوحدات المدفعية، بعد تحديد أوكار المسلحين بدقة عالية، وتدميرها من الرشقة الأولى. فالتعامل بالنيران الدقيقة أصلاً، مع الأهداف المحددة بدقة، هو شكلٌ دقيق من صبائب المدفعية.

■ توجيه ضربات نوعية تستهدف قيادات المسلحين: بسبب توفر المعلومات الاستخباراتية اللحظية والدقيقة، التي تتابع جماعات المسلحين، وتكشف أماكن تواجدهم، وترصد تحركات ونشاطات قياداتهم، ومع توفر القدرة على إنتاج الصبائب النارية الدقيقة، أصبح بمقدور وحدات الجيش توجيه ضربات قاصمة، لقيادات هؤلاء المسلحين، ولاسيما أثناء اجتماعاتهم في مقرات، يظنون أنها سرية وحصينة وآمنة.

■ استخدام قناصة مهرة لمقاومة القناصين: زَرَعَ المسلحون أعداداً من القناصين على أسطح المنازل أو الأدوار العليا من المباني الحاكمة. وقد قام هؤلاء بتوجيه نيران قناصاتهم على كل من يقع في مرمى نيرانهم، سواء كان مدنياً أم عسكرياً. وكان الرد على هذه التهديدات باستخدام قناصين على مستوى عالٍ جداً من الكفاءة، مسلحين بقناصات على درجة عالية من التطور، لإنتاج نيران تتصف بالتأثير والدقة والمدى. وقد أبلى هؤلاء بقناصة المسلحين بلاءً حسناً.

■ كنس المجموعات المسلحة من المناطق الآهلة إلى مناطق القتل: لعل هذه الخبرة هي برسم الجيش العربي السوري حصراً، لأن المذاهب العسكرية على اختلافها، لم تتطرق لهذا الشكل من القتال التكتيكي، الذي فرضته طبيعة القتال مع المجموعات المسلحة، التي تتخذ من السكان المدنيين دروعاً بشرية. لذا كان التعامل مع مواقف كهذه، يتطلب كفاءات قيادية غير عادية، وخبرات ميدانية عالية جداً، للتأثير على المجموعات المسلحة دون المساس بالمدنيين وممتلكاتهم، فلجأت وحدات الجيش العربي السوري لطرق مبتكرة لهذه الغاية، تدفع بالمسلحين للابتعاد عن المناطق الآهلة، وإجبارهم على اللجوء قسراً إلى مناطق القتل المعدة مسبقاً، ليتم في هذه المناطق القضاء على فلولهم. «مناطق القتل هي أقسومات من الأرض مكشوفة لا ساتر فيها، مضروبة جيداً بنيران القوات الصديقة».

■ استدراج المسلحين إلى الجيوب النارية: من الناحية العسكرية، يعتبر استدراج العدو إلى جيوب نارية معدة مسبقاً، أحد فنون القتال «الجيب الناري أقسومة من الأرض مضروبة بالنيران من ثلاث جهات، يستدرج العدو لدخولها، وعند ذلك يتم القضاء عليه بالنيران الغزيرة والمؤثرة ». وقد استخدم هذا الأسلوب في أماكن كثيرة، أهمها الاستدراج الشهير إلى مطار تفتناز، الذي خسر فيه المسلحون مئات القتلى، إن لم يكن الآلاف منهم.

■ التحرك على عدة محاور لتشتيت الدفاع: في الحقيقة مهما بلغت كفاءة المسلحين ميدانياً، فإنها لا تقارن مع خبرة جيشٍ وطني، خاض العديد من الحروب والمعارك، واكتسب الكثير من الدروس والمهارات. لذا فإن إخفاء الاتجاه الحقيقي للهجوم هو من أبسط التدابير المطلوبة ميدانياً، لتشتيت المدافعين، وإجبارهم على توزيع قدراتهم الدفاعية على عدة محاور، وهذا ما يضعف الدفاع في مواجهة الاتجاه الرئيسي للهجوم.

■ شق المحاور الطولية والعرضية للأرض التي ينشط فيها المسلحون: رغم أن المسلحين لم يسيطروا على مساحات واسعة من الأرض، ومع ذلك فقد انتهجت الوحدات العسكرية أسلوب تقسيم المناطق التي ينشط فيها المسلحون إلى مربعات محدودة المساحة، لعزل كل جزء عن الآخر، ما يسهل عملية تطهير كل جزء على حده، وسحق الجماعات المسلحة تباعاً.

■ تنفيذ المعركة الشاملة: ومن أجل حرمان المسلحين من إمكانية المناورة بالقوات، فإن المعركة الشاملة هي الحل، حيث يتم الاشتباك مع الجماعات المسلحة في كافة محافظات القطر في آن واحد، ما يحول دون نقل بعض الجماعات من منطقة لأخرى، لتقديم المؤازرة لمجموعات تتعرض لهجمات مؤثرة. أو تكبدت الكثير من الخسائر. أما اختيار وجهة الضربة الرئيسية لتشكيلات الجيش، فيبقى من اختصاص القيادة، يُنفذ حسب أولويات خاصة، تمليها المواقف الميدانية المتشكلة.

■ تنفيذ المعركة المستمرة: حتى إلى ما قبل بضعة عقود، كانت الأعمال القتالية تتوقف عند حلول الظلام، لعدة أسباب أهمها: نقصان فعالية الأسلحة بسبب انعدام الرؤية، وبسبب حاجة الطرفين للهدوء النسبي من أجل تنفيذ أعمال الإمداد والإخلاء، وصيانة الأسلحة، وتحسين شروط القتال، والتحضير للأعمال القتالية المرتقبة، التي تبدأ مع أول ضوء. وفي الظروف الحالية توافرت أجهزة الرؤية الليلية، وتحسن أداء الأسلحة ليلاً، وأصبح استمرار القتال في الليل كما هو في النهار أمراً متاحاً، وعلى نحو جيد. والخاسر في المعركة المستمرة، هو الطرف الذي لا يجيدها أو الذي لا طاقة له على تحملها. وفي الحالة السورية، فإن الطرف العاجز عن خوض المعركة المستمرة، هم الجماعات المسلحة.

تلك هي الخيارات التكتيكية التي طبقتها وحدات الجيش العربي السوري ضد الإرهابيين المسلحين حتى الآن، هذا عدا خيارات أخرى لم يكشف النقاب عنها. فهل بقي بعد ذلك ذرةٌ من شك في قدرة الجيش العربي السوري، على حسم القتال لمصلحته؟، وكسب الحرب على مجمل الساحة السورية؟، وهل ثمة شك في أن إعلان النصر النهائي على المؤامرة العالمية، بات مسألة وقت لا أكثر؟. وأن الخيارات العسكرية التي تبناها المسلحون وأسيادهم، قد بلغت سن اليأس، وأضحت عقيمة، لا تفضي إلى النصر المأمول، ولا تجلب النجاح المرتجى، ولاسيما أن الحرب العالمية على سورية، بدأ أوارها يخبو سياسياً وعسكرياً، في دلالة واضحة إلى أن ما سمي «الربيع العربي» قد انتهى في سورية، وأصبح خريفاً ذابلاً أصفر، لأن دورة الحياة مستمرةٌ، ولا يمكن لأحد أن يوقفها.

 
  • سكاي نيوز
~
مواضيع مرتبطة
روسيا تنتقد قرار رفع حظر تصدير السلاح للمعارضة وتصر على تزويد سوريا بصواريخ متطورة وعلى مشاركة إيران في مؤتمر جنيف والمعارضة لم تحسم موقفها وإسرائيل تحذر
تحليل : فرنسا وبريطانيا تقامران في سوريا
ليبيا: من دكتاتورية القذافي إلى ديمقراطية الميليشيات
تقرير:حزب الله... مفردة إسلاموية بجرعة طائفية
آخر التطورات في سوريا .. تعزيزات عسكرية للنظام والمعارضة إلى القصير ومقاتلون لبنانيون سنة وشيعة يتدفقون عبر الحدود ولواء التوحيد يهدد بنقل المعركة إلى لبنان
تقرير:احتدام القتال في سوريا وأنباء عن هجمات جديدة بأسلحة كيماوية
خطط الحرب الغربية في سوريا فشلت: صاروخ ياخونت يصيب دبلوماسية الاساطيل في مقتل
علماء يقولون إن الظواهري يقلد القرامطة والإخوان يتهمون حزب الله بالطائفية والبحرين تربطه بالإرهاب والمعارضة السورية تفشل في الإتفاق على موقف من ( جنيف-2 )
30 قتيلا في بلدة القصير وتقدم للقوات النظامية في حلب وهجوم يستهدف منطقة يسيطر عليها حزب الله بجنوب بيروت بعد خطاب نصر الله ( تقرير موسع )
بلد غارق في الظلام.. بالأدلة القاطعة أزمة الكهرباء مفتعلة في اليمن
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية