محاضرة القاها هيكل في الدوحة: الزمن القادم آسيوي .. ( نص المحاضرة )

السبت 11 مايو 2013 الساعة 08 صباحاً / وفاق برس:
عدد القراءات 1670
النص الكامل للمحاضرة التي ألقاها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، في جامعة جورج تاون الأمريكية بالدوحة، تحت عنوان 'الخليج.. اليوم بعد غد'. وجاء النص كاملا كالتالي:
'إنني أشكركم سيادة العميد علي دعوتي متحدثا في هذا المعهد العلمي الموصول بواحدة من أهم الجامعات الأمريكية، والذي تستضيفه هذه العاصمة التي تضج بالحيوية، وسط هذا الشاطئ الخليجي الممتد بمواقع الطاقة والنور، يرسم علي حافة الصحراء خطا اعتباريا وسط قارات وبحار وثقافات وحضارات. وقد استعملت وصف الخط الاعتباري قاصدا، لأن الخط الاعتباري ليس فاصلا ولا عازلا، وإنما هو علامة علي الخرائط، مثله مثل خطوط الطول والعرض، ترسم ولا تعزل، ومنطقته أقرب إلي أن تكون شرفة عريضة في امتدادها، ضيقة في فسحتها، مطلة علي الشاطئ الخليجي: وراءها العمق العربي، وأمامها الشاطئ الإيراني، والفضاء الآسيوي بعده. ولعلي اقتربت من قضايا الخليج عندما فرضت المتغيرات خلال الستينيات من القرن الماضي علي الحكومة البريطانية - بعد استقلال الهند، وبعد زيادة تكاليف سباق الحرب الباردة، وبعد هزيمة السويس سنة 1956 - أن تعتمد سياسة 'الانسحاب شرق السويس'، ثم قضت الظروف أن أكون واحدا من المفاوضين المصريين مع المقيم العام البريطاني للمنطقة أيامها، السير 'ويليام لوس' ثم مع غيره آخرين. وكان مستقبل الخليج مطروحا للبحث تلك الأيام، ضمن الصراع بين الحركة القومية العربية المتقدمة، والإمبراطورية البريطانية المتراجعة، وكانت تلك فترة حافلة بالآمال والطموحات، وعلي أي حال فإنه خلال تلك الفترة ظهر الدور المحتمل الكبير لهذا الخط علي الخليج، كما انبثقت الحيوية الهائلة الكامنة في أهله، وفي دوله التي قامت وشيدت بالعمران ما يتجاوز الخيال في بعض المواقع. والشاهد أنه كان عمرانا طموحا، حاول أن يلاحق التقدم بما أتيح له من وسائل، رغم ما حوله من مخاطر، وذلك طبيعي لأن هذا الخط - بموارده وثرواته - واقع بين شاطئين، وراءهما مسافات برية شاسعة، وكتلا إنسانية قلقة، وصراعات دولية قديمة وجديدة - وكذلك فهو في حد ذاته خط يصعب أن يكون سهلا أو ساكنا. سيادة العميد.. إنني بعد الشكر أواجه سؤالين لابد من وقفة أمامهما: أولهما، الاعتذار لأني أعرف أن الجامعات بصفة عامة تؤثر حديث العلم علي حديث السياسة، لكن شفاعتي أن حديث السياسة درجات، فهناك حديث السياسة بمعني صراعات السلطة، وهناك حديث السياسة باعتبارها طروحات للمستقبل، وذلك ما أحاوله قدر ما أستطيع، عارفا أن هناك سوابق نذكرها، وقد نحاول أن نتخذ منها نماذج نحتذيها، وعلامات نسترشد بها رغم اختلاف الأحداث والأقدار، ولعلكم تذكرون محاضرة 'ونستون تشرشل' الشهيرة في جامعة 'فولتون' فولتون 'ميسوري' سنة عام 1946، والتي لفت فيها الأنظار إلي أن ستارا حديديا ينزل علي أوروبا الشرقية. ودون مقارنة بهذا النموذج الشهير، فإنني - متبعا ومسترشدا - حاولت في مناسبات عديدة أن تكون الجامعة منبري لحديث السياسة، عند نقط تحول تصورتها مهمة في سياسات العرب الراهنة. فعلت ذلك في شأن اتفاقية 'أوسلو' بين إسرائيل والفلسطينيين، وكان حديثي بشأنها محاضرة في أكتوبر عام 1993، بعنوان 'أوسلو وأريحا' أولا وأخيرا، وفيها حاولت تحذير الفلسطينيين من أن ما يعتبرونه شبه بداية لحل سلمي، هو - واقعيا - شبه نهاية لقضيتهم! ثم كررت التجربة بعد ذلك في أكتوبر عام 2002، في مسألة توريث السلطة في مصر من أب إلي ابن، وكان قصدي أن ألفت النظر إلي بوادر وإشارات توحي بأن الرئيس المصري السابق يريد تقليد نموذج شاع في النظم الجمهورية العربية، يتصورها وراثية. وفي المرة الأولي بشأن اتفاقية 'أوسلو' فإن تحذيري المبكر لم يجد نفعا، لكنه في المرة الثانية وبخصوص توريث السلطة في مصر، فظني أن التحذير المبكر نبه إلي المحظور، واللافت أن حديثي في ​​المرتين كان في الجامعة الأمريكية في 'القاهرة'، ثم يجيء حديثي هذه المرة الثالثة في جامعة 'چورچ تاون' الأمريكية في 'الدوحة'! يجيء الدور علي السؤال الثاني، ذلك أنني وقد اخترت موضوعا سياسيا فقد كان المنتظر أن أتحدث عن قضايا المشرق العربي، خصوصا وأنني قادم إلي الخليج من موقع غاطس بالكامل في المشاكل والعقد؟!لكن خروجي عن المنتظر يعود - بالدرجة الأولي - إلي أن شئون المشرق العربي معروفة لكم ومكشوفة أمامكم، ومحصلتها أننا هناك في ذلك المشرق نعيش حالة ولادة متعثرة بين بقايا ماضي لم يقتنع بعد أن ينسحب، ومستقبل لم يعرف بعد كيف يتقدم، وعليه فإن ما يجري عندنا هو شبه عملية انسلاخ مؤلمة من زمان إلي زمان، وتلك تجربة عانتها من قبلنا أمم وشعوب، لكن صعوبة الأمر بالنسبة لنا، وخلافا مع تجارب غيرنا، أن هذه العملية بالولادة أو الانسلاخ تقع علي ساحة فيها من يعرف كيف يتوضأ بالدم، لكنه ليس فيها من يعرف كيف يصلي صلاة الجماعة علي حد تصوير لشاعر فارسي قديم. ويضاعف من المأزق أن الساحة مستباحة، وأن العالم كله يتدخل، ومن لا يتدخل يتفرج، مستغربا ما يري، دون أن يمد بصره إلي ما وراء الصور، ليعرف أنه صراع علي المستقبل لأمة فاض بها الكيل، وقررت أن تتخلي عن الصمت والسلبية، وأن تهزم اليأس وتنتصر عليه، ومع أن بعض الصور الظاهرة علي مواقع الأحداث تدعو إلي التخوف والتوجس، إلا أن الحقائق وراء الصور تؤكد أن الحركة إلي الأمام غالبة باستمرار، وأنه إذا كان الماضي أحجارا ثقيلة تعوق، فإن المستقبل أجنحة أقوي تحلق! حضرات السيدات والسادة.. أنتقل إلي موضوعي الليلة، وإذا سمحتم لي - دون أن أتجاوز علي خصوصية لقاء - فإنني أتذكر أن صاحب السمو أمير هذه البلاد وصديقنا الكبير الشيخ 'حمد بن خليفة آل ثان' - أثار معي مرة ومطولا موضوع مستقبل الخليج العربي وأمنه، وكان ذلك قبل سنوات طويلة، ومن المصادفات أننا كنا يومها في مدينة الغردقة المصرية، المطلة علي شاطئ البحر الأحمر، بينما الشاطئ الآخر لشبه الجزيرة العربية باد أمامنا من بعيد كأنه غيم سحاب، يذكرنا بأن المسافات ليست نائية كما نتصور أحيانا، وأن القضايا ليست منعزلة كما يظن بعض الناس! وكان رأيي وقد عرضته: 1 - أن الخليج مطمح قوي دولية وإقليمية، وهذه حقيقة أشياء. 2 - أن بجواره ثلاث دول كبيرة تطل عليه من كل جانب، وهي السعودية - والعراق - وإيران، لكن هذه الدول في اللحظة الراهنة مشغولة عنه. 3 - أن هناك نوعا من التوازن بين احتمال ضغط تمارسه أيا من هذه الدول القريبة، وبين مواقف دول غيرها في العمق العربي، وبخاصة 'مصر'، وشمال أفريقيا العربي، ثم 'سوريا'، وجوار الشام الواسع. 4 - وأن الاهتمام الخاص الأوروبي والأمريكي بالمنطقة قائم وفاعل ودواعيه متعددة: الموقع وإمكانياته، والطاقة وفوائضها، وذلك ضمان حاضر وإن ماثلا عند حافة الأفق. 5 - وأخيرا فإن الثروة المستحقة والمتدفقة علي بلدان الخليج الجديدة تمكنها من توسيع دائرة الحريصين عليها ولو بتأثير ما يصل إليهم من فوائضها، وذلك استثمار نافع له مردود قريب وبعيد! ومؤدي ذلك أن المخاطر موجودة، لكنها محدودة، وتقديري وقتها أنه في تلك اللحظة ليس أمام الأطراف غير أن يتابعوا بعناية وأن يراقبوا بحرص! ومنذ ذلك الحديث قبل سنوات في 'الغردقة'، امتلأت أشرعة السفن في الخليج برياح قوية، وصلت في بعض الأوقات إلي درجة العاصفة، وطرأت أحوال، وتغيرت معادلات وتوازنات. سيادة العميد.. حضرات السيدات والسادة.. أستطيع أن أعدد أمامكم مجموعة طارئة وخطرة من المتغيرات وقعت وأثرت علي المعادلات والتوازنات في الخليج. أولها: أن فضاء منطقة شمال ووسط الشام وحتي تخوم شبه الجزيرة العربية شهدت وتشهد دمارا واسعا إنسانيا وعمرانيا وثقافيا، وإذا لم يكن علينا الآن أن نتحدث في أسباب هذا الدمار، فإننا مطالبون علي الأقل بتدبر نتائجه، وأخطرها أن هناك فراغ قوة خطير، وفراغ سلطة مخيف نشأ حول الخليج، وذلك - بدوره - سوف يستدعي أشكالا وألوانا من الاضطراب والفوضي غير محكومة وغير منضبطة.ثانيها: أن ما وقع في 'إيران' حتي من قبل الثورة الإسلامية - ثم ما وقع بين 'إيران' و 'العراق' عقب تلك الثورة الإسلامية - ثم ما استحكم بعد ذلك من فتن مذهبية بين 'سنة' و 'شيعة' - وجدت من يشعل النار فيها بشحنات من التوتر - تلاقت جميعها مع نوازل الفوضي علي الجوار الغربي، ثم زاد أن وقوعها جاء قريبا من ساحة براكين نشطة مرئية من الخليج، وعلي مسمع منه في 'باكستان' و 'أفغانستان'. ثالثا: لقد كان شائعا لعقود طويلة أن العمق العربي داخل، وربما متداخل في الشأن الخليجي وهذا طبيعي، ثم وقع خلال السنوات الأخيرة أن الخليج أصبح داخلا ومتداخلا في العمق العربي، وهذا بدوره طبيعي، علي أن للطبيعة مواسمها، فلقد حدث تدخل وتداخل الخليج متوافقا مع وقوع زلازل اجتماعية وسياسية وفكرية عنيفة، والزلازل لها توابع، والتأهب للزلازل صعب، والاستعداد للتوابع كذلك، وفي الحالتين فإنه يصعب التكهن بدرجات الارتجاع والتساقط، وهذه في الطبيعة ظاهرة فيها من المجهول أكثر من المعلوم، وهي كذلك في السياسة! رابعها: أن الكثافة الإنسانية في قلب شبه الجزيرة العربية تزداد بمعدلات لفتت نظر دارسين وخبراء، بينهم من رأي أنه في ظرف ما بين خمسة عشر إلي عشرين سنة - فإن تعداد 'السعودية' سوف يصبح خمسين مليونا من البشر - و 'اليمن' نفس القياس، أي أن كتلة سكانية من مائة مليون إنسان سوف تملأ سعة الجزيرة العربية وتفيض، وهذا الامتلاء مطلوب، لكنه شأن أي امتلاء له فعل إزاحة، ثم إن مطالب المستقبل لهذه الكتل الإنسانية المتضخمة في 'السعودية' و 'اليمن' قد تزيد كثيرا عن الموارد المتاحة - بصرف النظر عن حجم الفقر أو الغني - كما أن رياح التغيير، وضمنها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة سوف تطرح مطالبات ملحة ومتصاعدة متشوقة إلي الحق والحرية! خامسها: أن النفط العربي علي وشك أن يتنازل عن سطوته، ولا أقول أهميته، فهناك اكتشافات تبدو غزيرة في أفريقيا وآسيا وفي أعماق البحر والمحيط، كما أن هناك جهودا مكثفة يبذلها العلم والتكنولوچيا، ويعززها عالم صناعي لا يريد زيادة اعتماده علي مصدر رئيسي للطاقة، وقد رأينا هذا العام بالتحديد أن الولايات المتحدة الأمريكية خفضت وارداتها من نفط الشرق الأوسط بنسبة 40%، اعتمادا علي تكنولوچيا استخراج النفط من 'الطفل'. ومن المفيد تذكرة أنفسنا أحيانا بأن النفط سلعة إستراتيچية لا تختلف كثيرا عن سلع أخري سبقتها عبر القرون، حتي وإن بدا لنا أن النفط مجال صراعات خفية تضفي عليه غموضا من نوع ما! وصحيح أن القرن العشرين يمكن اعتباره قرن النفط، إلا أن هناك قرونا سبقته أخذت توصيفها من سلع أخري غيره! فالقرن الخامس عشر مثلا كان قرن التجارة بين الغرب والشرق، وكانت سلع الشرق وأهمها التوابل حافز الكشوفات الجغرافية الكبري وقتها، وقد فتحت هذه الكشوف طريق 'رأس الرجاء الصالح' إلي الهند حول أفريقيا، والأهم أنها وضعت أمريكا - شمالها وجنوبها - علي خريطة المعمورة، وهذا أهم حدث في العالم ربما منذ بداية التاريخ! وكان القرن السادس عشر قرن الذهب والفضة من العالم الجديد، حتي لقد سمي ذلك الزمن بأسره - بالذات في أسبانيا والبرتغال - بالقرن الذهبي. وكان القرن السابع عشر هو قرن السكر والعبودية، فقد كان العبيد أهم لوازم قرن السكر وطاقته وعضلاته، وفي ذلك القرن فإن جزر 'الكاريبي' كانت مركز الصراع العالمي الأكثر سخونة، ومصدر أكبر الثروات، والمدهش وحتي هذه اللحظة أن أفخم القصور في الريف الإنجليزي تظل حتي الآن شاهدا علي أساطير الثروة من قرن السكر والعبودية! وتتنوع السلع و 'توابعها' تعطي أوصافا للقرون من القطن 'ومعه الغزل والنسيج' - إلي الحديد والفحم 'ومعه السكك الحديدية' - إلي البترول 'ومعه السيارة والطائرة والقمر الصناعي'، حتي جاء القرن الحادي والعشرين، ومن الواضح أمامنا أنه سيكون زمنا يتخطي بمنجزاته قرن النفط الذي سبقه، ومن ثم يضع الذهب الأسود في موقعه الطبيعي، صناعة ضمن الصناعات وسلعة ضمن السلع - مطلوبة بإلحاح وضرورية، لكن طلبها ليس مسألة حرب أو سلام! سادسها: أن أمامنا حركة ملحوظة علي مسار الصراع الإمبراطوري العالمي، وبمقتضاها فإن بؤرة هذا الصراع تتجه بسرعة نحو أقصي الشرق الآسيوي. وإذا قلنا - والقول صحيح - أن الإمبراطورية هي وطن واسع بالموارد، وقاعدة إنسانية متماسكة، وطاقة اقتصادية متفوقة، وإمكانية عسكرية متحققة، وخروج إلي الساحة العالمية حتمي - إذن فإن هناك بروزا إمبراطوريا لقوي عظمي جديدة، ومع ظهورها فإن بؤرة السباق الإمبراطوري تمشي حاليا في اتجاه المحيط الهادي. وفي التاريخ القريب فقد كان الأطلنطي - ومنذ اكتشاف 'أمريكا' - هو بؤرة الصراعات الإمبراطورية.ثم أصبحت 'أوروبا' بؤرة للصراعات الإمبراطورية، من 'نابليون' إلي 'هتلر'! ثم ازدحم البحر الأبيض بالأساطيل تحوله إلي بؤرة للصراعات الإمبراطورية بعد ظهور الاتحاد السوڤيتي، وحتي انتهاء الحرب الباردة. ولفترة من الفترات بعد الثورة الإسلامية في 'إيران'، وحتي ما سمي ب 'الربيع العربي'، فقد تنقلت بؤرة الصراع الإمبراطوري في المنطقة ما بين البحر الأحمر ومنافذه، إلي الخليج العربي ومضايقه. ثم يتبدي أمامنا أخيرا أن بؤرة الصراع الإمبراطوري تنتقل إلي الشرق البعيد حيث بدأ الظهور الضخم ل 'الصين'، إلي جانب العودة المتجددة ل 'اليابان'، بينما 'الهند' تحاول اجتياز الامتحان. ويلوح وكأن الزمن القادم سوف يكون علي الأرجح آسيويا، بمقدار ما كان سابقه أمريكيا، والأسبق منه أوروبيا. مع ملاحظة جديرة بالاهتمام هنا، مؤداها أن القوة الإمبراطورية لم تعد إرثا حصريا ينتقل بمواجهات السلاح الكبري، وإنما هي الآن أقرب إلي سباق مفتوح بالتتابع، حتي وإن بدا السباق في بعض اللحظات تدافعا واحتكاكا - وربما أخطر! حضرات السيدات والسادة.. ليس هناك عقل رشيد يتصور الآن إمكانية حروب عالمية، ومع ذلك فإن التحسب لازم لأن هناك علي الشرق من الخليج هذه اللحظة خمسة قوي نووية: فهناك الولايات المتحدة بحاملاتها وقواعدها، وهناك الصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، وجميعها قوي نووية معلنة، ثم إن بعضها لديه خلافات كامنة كما هو الحال بين 'باكستان' و 'الهند' - و 'الهند' و 'الصين' - و 'الصين' و 'اليابان'، ثم إنه من ضمن هذه القوي طرف في 'كوريا الشمالية' قد يدفعه تشديد الحصار حوله - إلي مجازفة غير محسوبة لكسره! يضاف إلي ذلك أن هناك إمكانية نووية علمية - وإن تكن غير جاهزة عمليا علي الفور لدي 'اليابان' - مهما قيل لنا عن نفور الشعب الياباني من الأسلحة النووية، كما أن هناك احتمالات نووية كامنة في 'كوريا الجنوبية'، وفي 'أستراليا'! أي أن هناك زحاما نوويا كثيفا علي الشرق من الخليج. فإذا تذكرنا أن غرب الخليج عليه مواقع نووية أخري: في 'إسرائيل'، وإلي حد ما في 'إيران' - إذن فإن 'تركيا' أغلب الظن لن تقبل لنفسها عريا نوويا. ومع علمنا جميعا أن الغطاء النووي لأي قوة ليس قابلا للاستعمال بسهولة، فعلينا الاعتراف بأن القدرة عليه أفضل ضمان للوقاية ضده نفسيا وعمليا - بصرف النظر عن أخلاقيا! وخشيتي أن الزمن القادم - وعلي الرغم من كل القيود والمحاذير - سوف يشهد انتشارا نوويا، حتي وإن لم يكن هدفه عسكريا، وقد نتذكر أن البلد الذي جئت إليكم منه 'وهو مصر' كان يملك في أوائل الستينيات من القرن الماضي مشروعا للأبحاث النووية، ومشروعا لصناعة الصواريخ، وكان الهدف تحصيل علوم الذرة والفضاء، وليس السلاح ومدي وصوله - مع إدراك بأن العلوم مفاتيح يملك أصحابها أن يفتحوا بها الأبواب إلي حيث طلبهم وقدرتهم علي ما يطلبون! حضرات السيدات والسادة.. إن ذلك يقودنا بالتداعي إلي أزمة عاجلة تحوم حول الخليج، وعواصفها الآن تتجمع وإن كان موعد هبوبها ينتظر، وأعني بذلك احتمال ما يمكن أن تصل إليه أزمة المشروع الإيراني النووي. فهذا المشروع وفي ظرف مدة قد لا تتجاوز آخر هذا العام، واصل إلي نقطته الحرجة علي جسر أزمة. وهناك احتمالان لا ثالث لهما: - إما أن يتمكن المشروع الإيراني من تحقيق وعده ويصل. - وإما أن تستطيع إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفذ وعيدها وتضرب. وفي الحالتين: نجاح الوعد أو تنفيذ الوعيد، فإن كل حالة منهما لها آثار ولها نتائج سياسية وإستراتيچية. ويلفت النظر أن بعض القوي السياسية في الخليج تبدو مطمئنة إلي أن ضربة الوعيد الإسرائيلي الأمريكي ضد 'إيران' سوف تكون جراحة نظيفة تنزع شوكة قد تكون مسمومة! وتلك مبالغة في التفاؤل جامحة، ذلك أن عواقب الضربة - حتي وإن جرت جراحة بالمنظار - سوف تنشأ عنها مضاعفات لا تكفيها مضادات حيوية نعرفها أو نبحث عنها! ويستحق الاهتمام هنا أن إلحاح الولايات المتحدة علي حصار وتغيير النظام في 'إيران'، له علاقة وثيقة بصراع القرن الآسيوي، ذلك أن الهضبة الإيرانية هي المرتكز الإستراتيچي البري لأي تحرك نحو الشرق، فهذه الهضبة هي القاعدة الخلفية للسباق الإمبراطوري الجديد في الشرق الأقصي، وعقدة المواصلات إلي القوقاز والبلقان وروسيا حتي سهول أوكرانيا، وقلب أوروبا حتي سفوح جبال الألب، وكذلك إلي قلب الشرق الأوسط، وأيضا إلي الخليج بشواطئه وبحاره ومضايقه! سيادة العميد.. من الواضح أمامنا أن أوضاع الخط الافتراضي لشطآن الخليج تغيرت شرقا وغربا، كما اختلت توازناته، وعليه فهذا الخط الافتراضي - معرض لأن يتحول إلي خط احتكاك أمني وسياسي وإمبراطوري، وهنا يبرز سؤال المستقبل بالنسبة للخليج وأمنه! ونحفظ جميعا تعبيرا مأثورا منطوقه أن أهل مكة أدري بشعابها، وهذا صحيح بشكل عام - ثم هو أكثر ملاءمة للأحوال الراهنة مع زيادة درجة الحساسية التي طالت العلاقات العربية - العربية، وكذلك الخليجية - الخليجية وحيث نحن الآن. ففي مراحل سابقة كان أي عربي يملك فرصة الفتوي في أي شأن عربي بمقتضي قاموس فقه سياسي تجمع وتراكم عبر تجربة قومية حافلة، ومع أن مداخل ذلك القاموس وتعريفاته كانت في حاجة إلي مراجعات بالفرز والتدقيق، إلا أن التعرض لذلك القاموس العربي جاء بتمزيق صفحاته وبعثرتها، وكذلك لم تعد هناك مراجع معتمدة - فضلا عن مرجعيات لأي فتوي أو اجتهاد! ولسوء الحظ فإن المشروع السياسي العربي يبدو في هذه اللحظة أطلالا تلوح من بعيد 'كباقي الوشم في ظاهر اليد'، علي حد تعبير الشاعر الجاهلي القديم. وكذلك فإن أهل الخليج، وهم الأدري بشعاب 'مكة' عليهم أن يسبقوا إلي الفحص والدرس والجواب علي سؤال المستقبل، فإذا شاءوا أن يفتحوا باب الاجتهاد لغيرهم، فسوف يجدون معهم كثيرين، وفي كل الأحوال فإن توصيف عناصر أي مشكلة تظل خطوة مهمة في البحث عن حلها. وفي النهاية فإن كفاءة وجسارة الفكر الإستراتيچي لأهل الخليج أمامها تحد كبير، وإذا كان هناك ما يقوله لهم أي صديق فهو التذكير بأن أي تفكير في المستقبل - أي مستقبل - لا يمكن أن يجيء من خارج المكان والزمان، أي من خارج الجغرافيا والتاريخ! والمكان الذي أعنيه هو هذا الخط المتوهج بالأضواء علي الشاطئ العربي للخليج وموقعه، وتركيبته الإنسانية والثقافية، ورؤاه لمستقبله! والزمان الذي أتحدث عنه ليس هو 'الآن'، ولا الغد، وإنما ما بعد الغد وحقائقه وضروراته الحاكمة فوق الجميع! شكرا لكم كريم صبركم! '. الأخبار المتعلقة: هيكل في محاضرة بالدوحة: الخليج مطمع قوي دولية وإقليمية.. والاستثمارات خير ضامن لأمنه هيكل في محاضر بالدوحة: هناك زحام نووي حول الخليج العربي.. والمشروع الإيراني له نهايتان لا ثالث لهما هيكل في محاضرة بالدوحة: الزمن القادم آسيوي.. وبؤرة الصراع الإمبراطوري انتقلت إلي شرق البحر الأحمر هيكل في محاضرة بالدوحة: البترول الخليجي يفقد صفاته.. وشبه الجزيرة تنتظر 100 مليون نسمة خلال 10 أعوام هيكل في محاضرة بالدوحة: الخليج مطمع قوي دولية وإقليمية.. والاستثمارات خير ضامن لأمن
- بوابة الأسبوع الإلكترونية:
مواضيع مرتبطة
عضو مؤتمر الحوار الشيخ القردعي : هناك قرارات تأتي من خارج قاعة الحوار الوطني ذات طابع دولي او اممي
السيارات المخففة تضرب تركيا وارودغان يحذر من اختبار قدرات بلاده
خبراء: 40% من العمالة الوافدة في السعودية ( مخالفة )
حصنها رُشح لجائزة دولية : ( ثلا ) مدينة مليئة بالمعالم السياحية وغنية بتراثها الفني والمعماري الممتد لأربعة آلاف سنة ( معلومات وصور )
تصاعد وتيرة حرب التجسس بين أميركا والصين
ما هي صواريخ S-300 ولماذا تخشاها إسرائيل؟
الحرب القادمة واستعدادات الجيش السوري: 600 صاروخ يومي ضد أهداف محددة داخل إسرائيل
روسيا وبريطانيا تؤكدان حرصهما على وقف العنف : الجيش السوري يحذر سكان مدينة القصير من هجوم وشيك
تقرير:أسرار السخاء القطري لدول الربيع العربي
قفزة هائلة للدفاع الجوي السوري : صواريخ اس 300 الروسية المتطورة اصبحت في خدمة دمشق!
جميع الحقوق محفوظة © 2012-2024 وفاق برس
برنامج أدرلي الإصدار 7.2، أحد برمجيات منظومة رواسي لتقنية المعلومات والإعلام - خبراء البرمجيات الذكية