الخدمة الإجتماعية في اليمن وخطوات نحو المأمول..
كاتب/جلال الدوسري
كاتب/جلال الدوسري
تعتبر الخدمة الإجتماعية كمهنة إنسانية متخصصة حديثة النشأة نسبياً , وإن كانت قد عرفت بالممارسة منذ القدم وعبر العصور بأشكال أخرى مختلفة لم تكن كما هي عليه اليوم من التخصصية والمهنية والتنظيم والرقي.. وهي في نشأتها الحديثة التي تعود إلى العام 1917م في الدول الغربية قد ظهرت نتيجة الحاجة الماسة إليها بسبب عدد من العوامل التي ساعدت على ذلك منها : الثورة الصناعية , والحروب المتتالية , وفشل التشريعات السابقة في مواجهة الفقر , وظهور الأفكار الإشتراكية , وإنتهاء عهود الإقطاع في أوربا , والإكتشافات العلمية الحديثة , والأبحاث الإجتماعية , وغيرها.. لتكون كمهنة متخصصة تقوم بمهمة تقديم وتنفيذ برامج الرعاية الإجتماعية المتعددة بواسطة أخصائيين إجتماعيين عبر مؤسساتها المختلفة.. وقد بدأ ويتواصل عهدها بالإستفادة من نظريات ومعارف العلوم الإجتماعية والإنسانية الأخرى ؛ كعلم الإجتماع , وعلم النفس , وعلم الإقتصاد, وعلم الأنثربولوجيا وغيرها من العلوم... حتى وصلت إلى مرحلة أن تكون مهنة مستقلة بذاتها , لها نظرياتها العلمية المستقلة , ولها قواعدها وأسسها وقيمها الخاصة بها في التعليم والتعلم والممارسة في مجالات وطرق متعددة , كطريقة خدمة الفرد وطريقة خدمة الجماعة وطريقة خدمة المجتمع وفي مجال التخطيط الإجتماعي وغيرها.. وتمارس نشاطها في مختلف الميادين الإجتماعية الإنسانية , كما في رعاية الأسرة والطفل , ورعاية الأيتام , والمكفوفين , والمعاقين ,والمسنين , والأحداث...
وفي بلادنا الجمهورية اليمنية؛ ولدت مهنة الخدمة الإجتماعية حديثاً.. وهي ما زالت تسير في لحظات الولادة الأولى بخطىً متزنة نحو النشوء والتقدم إلى الأمام.. حيث لم يمضي عليها سوى سنوات معدودة من حينما تكرمت منظمة اليونيسيف مشكورة بالتكفل ودعم إنشاء قسم الخدمة الإجتماعية في جامعة عدن عام 2001/2002م , ثم شعبة الخدمة الإجتماعية في إطار قسم علم الإجتماع بكلية الآداب - جامعة صنعاء - عام 2003/2004م حتى تم الإنتقال بها إلى قسم مستقل في إطار كلية الآداب والعلوم الإنسانية عام 2007/2008م , ليكون الصرح التعليمي الذي يناط به إعداد وتأهيل وتقديم الكوادر المتخصصة في العمل الإجتماعي كأخصائيين إجتماعيين , الذين يكون الإعتماد عليهم في حمل الرسالة النبيلة السامية لمهنة الخدمة الإجتماعية بطرقها المتعددة وفي مجالاتها المختلفة. وذلك لصالح إفادة المجتمع بكافة شرائحه وجميع مستوياته , من خلال مؤسسات الرعاية الإجتماعية وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة.... فكان وما زال لقسم الخدمة الإجتماعية بكلية الآداب في - جامعة صنعاء - بإدارته والأساتذة والمعيدين الأفاضل فيه ؛ جهود جبارة وعظيمة تبذل بكل تفان وإخلاص في هذا المضمار.. فحتى نهاية العام الجامعي الماضي 2012/ 2013م ؛ تكون قد تخرجت منه أربع دفع من الأخصائيين الإجتماعيين وهم على مستوى عالٍ من التميز في التأهيل العلمي النظري والتطبيقي... وقد صار العديد منهم يقومون بواجباتهم في أكثر من مكان تمكنوا من الوصول إليه , والحصول على فرص وظيفية فيه, سواء كانت تحمل نفس التوصيف الوظيفي الخاص بهم كأخصائيين إجتماعيين أم لا.. ومع كل ذلك ؛ ما زالت الخدمة الإجتماعية كمهنة رهينة عدم الإعتراف المجتمعي بها من مستوى القمة القيادية إلى مستوى القاعدة الشعبية , نظراً لقلة أو لإنعدام الوعي والمعرفة عنها أو بأهميتها في ما يمكن أن تقوم به من أدوار عظيمة كثيرة ومتعددة , لصالح المجتمع بشكل عام , في عمليات البناء والإصلاح والتطوير..... على إعتبار أنها كمهنة متخصصة معروف أن لها ثلاث وظائف رئيسية تتمثل في التوعية والوقاية والعلاج... وهي التي تتفوق وتتميز عن الكثير من المهن الأخرى من حيث تعاملها مع الإنسان في جميع حالاته , والتي يكون الحاجة إليها في كافة المواقف الإشكالية... وهي المهنة التي تصنفها منظمة الأمم المتحدة ضمن أهم أربع مهن إنسانية متخصصة وهي ( المحاماة والطب والتربية والخدمة الإجتماعية )..
ويبقى الأمل معقود بأن يدرك ويعي المجتمع ذلك ويصل إلى الإقرار بأهمية مهنة الخدمة الإجتماعية والإعتراف بها , ولتواصل سيرها في التطور والإنتشار.. ومن ما لا بد منه أن يبدأ هذا من حيث لا بد أن يبدأ؛ وذلك من قبل
الجهات الرسمية المختصة أولاً, كوزارة الشئون الإجتماعية والعمل , ووزارة الخدمة المدنية , ووزارة التربية , ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات والهيئات... وأول ما لا بد أن يتم القيام به هو إعداد وإقرار التوصيف الوظيفي الخاص بالأخصائي الإجتماعي , وتقديم الدرجات الوظيفية تحت هذا التوصيف في كافة القطاعات ذات الحاجة, وكل القطاعات بلا ريب أنها محتاجة.. وكذلك إقرار الميثاق الأخلاقي للأخصائي الإجتماعي وإعتماد العمل به كدستور منهجي ومرجعي يسير عليه الجميع. ثم لا بد من أن يتم التعجيل والتسهيل في عملية التأهيل والتطوير للخريجين من قسم الخدمة الإجتماعية من خلال فتح باب الإبتعاث إلى الجامعات المتخصصة في الخارج ومنحهم الحق - الخاص والعام - في مواصلة مسيرتهم العلمية بالدراسات العليا , وكذلك فتح باب الدراسات العليا في الداخل. وكل ذلك من أجل رفد الوطن بكوادر متخصصة في المهنة ليواصلوا مسيرة العطاء في إنشاء أجيال أخرى من الأخصائيين الإجتماعيين , وحيث أن الواقع بشكل عام وما يعانيه من مشكلات إجتماعية كثيرة وكبيرة ناتجة عن الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية يعتبر في أمس الحاجة إلى الإستعانة ، بل إلى الإعتماد على الخدمة الإجتماعية بشكل كلي صحيح , وهي المتخصصة للقيام بعملية المساعدة على تلبية رغبات أفراد المجتمع وإشباع الإحتياجات اللازمة , بما يجعل منهم أفراداً صالحين مصلحين , لا يكون فيهم إلا الخير لأنفسهم وللوطن والمجتمع بشكل عام..
ومن الخطوات البارزة على طريق ما هو مأمول في تقدم ورقي مهنة الخدمة الإجتماعية ؛ نشير هنا إلى المبادرات الحميدة المحمودة والهامة , والتي ظهرت خلال العامين الماضيين بجهود ذاتية لعدد من المتخصصين والمهتمين بالعمل الإجتماعي وبمهنة الخدمة الإجتماعية , من الأساتذة والأخصائيين الإجتماعيين الخريجين والطلاب , والتي تمثلت بإنشاء النقابة العامة للأخصائيين الإجتماعيين والنفسيين اليمنيين كمظلة تحتضن بشرف المنتسبين للمهنة وتعمل على رعايتهم وتمثيلهم في المطالبة بحقوقهم , والعمل على صقل معارفهم وتطوير قدراتهم وإمكاناتهم , وكذلك التعريف بالمهنة على كافة المستويات وبمختلف الوسائل.. ومنذ النشأة وهناك جهود جبارة تبذل وأعمال عملاقة تنجز , بالتعاون مع قسم الخدمة الإجتماعية , ومع العديد من المنظمات الرعائية في الداخل والخارج.. فمن إقامة الدورات التدريبية إلى ورش العمل إلى عقد الندوات والمؤتمرات , إلى الحملات التوعوية التعريفية , إلى المشاركة والمساهمة في العديد من الأنشطة الإجتماعية سواء العامة والخاصة , إلى التشبيك والتواصل وفتح مجالات التعاون مع عدد من النقابات والجمعيات المماثلة عربياً ودولياً , إلى الإنضمام لعضوية الإتحاد الدولي للأخصائيين الإجتماعيين والإتحاد الآسيوي.......
وفي نفس الإطار تم إنشاء الجمعية العلمية اليمنية للخدمة الإجتماعية للعمل على مثل ذلك والزيادة في الإهتمام بتطوير وتوسيع الدائرة العلمية التعليمية والمعرفية للخدمة الإجتماعية.. وبالتعاون بين الجميع هناك العديد من المبادرات المتخصصة التي قامت لتعمل في الكثير من المجالات في ظل مهنة الخدمة الإجتماعية وتحت رايتها ..
كما لا يفوتنا الإشارة والإشادة ببعض الخطوات التي تمت من قبل عدد من المؤسسات الرسمية والأهلية والمتمثلة تضمين هياكلها التنظيمية بإدارات أو وحدات خاصة تحت مسمى الخدمة الإجتماعية , وإن كان هناك شيء من الإشكال يتمثل في أن بعض المتوظفين فيها ليسوا من المتخصصين في مهنة الخدمة الإجتماعية كأخصائيين إجتماعيين , بل أحياناً قد يكونوا من ذوي التخصص المسمى في العرف ( محسوبية ).. والأمل يبقى , ما دام هناك العمل متواصل على تنقية ذلك وإصلاح الخلل..
ومن الخطوات البارزة كذلك ؛ هو ما تم هذا العام من إفتتاح أقسام جديدة للخدمة الإجتماعية في جامعات كل من تعز وحضرموت وفي جامعة المستقبل الأهلية.. وهو ما يقدم مؤشر على توسع دائرة الإهتمام بالمهنة وعلى أنها تسير في الطريق نحو الإنتشار والإزدهار..
وكل هذا الحديث يأتي في ظل أننا نعيش شهر مارس هذا وهو شهر الخدمة الإجتماعية - بحسب الأمم المتحدة - وفيه يحل علينا يوم الثامن عشر منه , وهو اليوم العالمي للخدمة الإجتماعية , كيوم عيدوي يتم الإحتفال فيه في جميع دول العالم بأهمية العمل الإجتماعي تقديراً وتكريماً للقائمين عليه , وتأكيداً على دور الأخصائيين والعاملين الإجتماعيين في تنمية وتطوير مجتمعاتهم.... ومن ضمنها بلادنا اليمن والذي قد تم إعداد العدة له بقدر المستطاع وبحسب الإمكانيات , من قبل النقابة العامة للأخصائيين الإجتماعيين والنفسيين اليمنيين , بالتعاون مع الجمعية العلمية اليمنية للخدمة الإجتماعية وقسم الخدمة الإجتماعية , ليكون الإحتفال يوم الثلاثاء 18 مارس على قاعة المركز الثقافي بصنعاء , وبحضور رسمي وشعبي وأكاديمي محلي ودولي يتوقع أن يكون كبيرا.. وحيث تم إعداد برنامج الإحتفال ليكون مبهراً , وفي نفس الوقت معبراً عن الرسالة الجليلة والعظيمة لمهنة الخدمة الإجتماعية , وخلال الحفل سوف يتم الإعلان عن الثلاثة الفائزين ( أفضل شخصية إجتماعية - أفضل منظمة إجتماعية - أبرز مؤسسة تجارية داعمة للعمل الإجتماعي ) بجوائز النقابة والإتحاد الدولي للأخصائيين الإجتماعيين للعام 2013م. ويأتي إقامة الإحتفال هذا العام تحت شعار ( أزمة إجتماعية وإقتصادية... حلول الخدمة الإجتماعية ).... وبه يكون التدشين للحملة التعريفية بمهنة الخدمة الإجتماعية ومجالاتها.... وحيث سيرافق الحفل - وخلال ثلاثة أيام - إقامة ورشتي عمل علمية , برعاية كل من وزارة الشئون الإجتماعية والعمل ,ومنظمة اليونيسيف , تناقش الأولى إعداد وإقرار الميثاق الأخلاقي للمهنة , والثانية تناقش إعتماد التوصيف الوظيفي للأخصائي الإجتماعي... على أمل أن يتم الوصول إلى الخروج بنتائج مثمرة نضرة تسر الجميع , وتدفعهم إلى مواصلة بذل الجهود لما فيه كل التقدم والتطور والرقي...
وفي الختام ؛ فإن الدعوة موجهة على وجه الخصوص إلى وسائل الإعلام المختلفة لتقوم بالدور المأمول منها , في جانب المساهمة والمساعدة على التعريف والتوعية بمهنة الخدمة الإجتماعية بإعتبارها الأداة العصرية لخدمة الإنسانية جمعاء.. وهي دعوة من النقابة العامة للأخصائيين الإجتماعيين والنفسيين اليمنيين لبناء علاقات تعاون لخدمة المجتمع من خلال التنسيق المشترك والمساهمة بتوعية المجتمع ومناقشة القضايا الإجتماعية , وتناول المشكلات والأسباب وتقديم الحلول بمنهجيات وأساليب علمية ومهنية حضارية متقدمة..
والله نسأل أن يوفق الجميع إلى ما فيه كل خير...

jalal@yemenpolling.org

* مدير تحرير مجلة العمل الإجتماعي

  
في السبت 22 مارس - آذار 2014 04:32:45 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=950&lng=arabic