مغامرات حياة طالب جامعي
صحفي/محمد عبد الملك الشرعبي
صحفي/محمد عبد الملك الشرعبي
كل مرة أنوي التوقف عن كتابة الحزن والأشياء الباعثة للإحباط إلى بقية الناس، أعلم وأدرك بأن الآخرين ليسوا معنيين بكل الاكتراثات التي تراودني عن نفسها صباح مساء، كما ليس من حقي ان أتسبب في تعكير صفو حياتهم ومزاجهم.
لكن ما جدواي هنا وأنا أسمع وأرى وأعيش كل ما هو باعث لكل مسببات هذا الركام من حولي، فقط أحاول أن أكون هنا مجرد شاباً يمنياً باختصار، لست من عيال بابا ولا من عيال ماما ــ دول الخليج ــ الذين يركبون السيارات الفارهة ولديهم أرقام حساباتهم البنكية ويقضون كل أوقاتهم في متابعة الرياضة والتفحيط في الشوارع المفتوحة وأكل الكبسة وشرب الببسي وملحقاتهما، ولا أريد أن أصبح كذلك.
حسناً أكون هنا مجرد واحداً من بين مئات الآلاف من شباب اليمن الذين يكرهون خوض سباق رمال صحراء الربع الخالي بحثاً عن الاغتراب فور إنهاء مرحلتهم الثانوية، أفتخر بنشيدي الوطني وأعتز بتراب بلدي وتاريخه وسمائه، كما أُقدس عقل إنسانه الكريم والطيب والعريق.
أعرف صديقاً تبع رغبته في مواصلة تعليمه الجامعي بنفس جامعة صنعاء التي يبحث طلابها عن رئيساً لها منذ أكثر من عامين، وتتصارع فيها الديكة بعينها والتي تحاول الخلط بين أمور السياسة والايدلوجيا والمماحكة والانتقام والعمل بالنكاية ورد الفعل، وبين مصلحة ومستقبل هذا الطالب المسكين الذي ابتاعت له والدته المسكينة الأسبوع الأول آخر ما تبقى لها من خواتم ذهبها لكي يتمكن من مواصلة الدراسة.
كل مرة يتم تعليق الدراسة ويتصاعد التصعيد حتى وصل حال جامعة صنعاء اخيراً الى موائد الساسة - أمناء الاحزاب - كل واحداً منهم بيده سكيناً لايهمهم جميعهم وضعية أكثر من 50 ألف طالب مثلاً عند الذبح، بدى هذا جلياً خلال حديث الناطق الرسمي لأحد الأحزاب العريقة عندماً أعلن بان اللقاء المشترك أكبر من جامعة صنعاء رداً منه على تلويح الأمين العام لحزب آخر بفك علاقتهم باللقاء المشترك إذا استمرت الاحتجاجات المطالبة بتغيير رئيس الجامعة الذي ينتمي لهم.
المسألة هنا أضحت كمن يريد استخدام الطلاب المغلوبين على أمرهم كقطع شطرنج على موائد سفراء السياسة ويسعى لإقحامهم بالمشاركة في صناعة التخلف وسياسة التجهيل وإرباك العملية التعليمية والجناية على أنفسهم بأنفسهم من حيث لا يعلمون، لتكون المحصلة النهائية مزيداً من التقسيم والتشرذم والشتات.
الحزب الفلاني يصدر بياناً باسم القطاع الطلابي لديه والحزب الآخر يرد عليه باسم قطاعه وهكذا، في الوقت الذي نعول فيه على الجامعات لإخراج جيل يقدر على بناء وإعمار البلد، يسعى الجميع إلى تثبيط هذا الجيل وتخديره وربما منحه أقراص منع الفهم والتفكير.
أعرف صديقاً آخر درست معه مرحلة الثانوية وسافر بعدها قاطعاً صحراء الربع الخالي للإغتراب في السعودية وتم ترحيله قبل أيام وعندما التقيته أخبرني أنه حاول الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة ولم يسالفه الحظ، أخبرني أيضاً أنه لم يكن ليسافر لولا ظروف أسرته المادية التي لن تستطيع مساعدته على مواصلة دراسته الجامعية.
ماذا عساي أن أقول هنا عن هكذا حالات شبابية في مقتبل العمر مفعمة بالأمل والرغبة في النحت على الصخر بحثاً عن مستقبل أقل معاناة ونكد وقسوة وهي الفئة التي رمت وراء ظهرها كل طقوس المراهقة والجنون وراحت تفكر في المستقبل البعيد البعيد مجسدة أرقى صور الكفاح والمثابرة.
أعرف وأعرف الكثير من الشباب اليمني والأصدقاء في الغربة، وفي حرج العمال، والجامعات، والمعسكرات، وفي المقاهي، وعلى متن الدراجات النارية، وفي قائمة العصابات والشللية، وفي سوق البطالة الوطني والرسمي الكبير الكبير، في كل زاوية منه، وفي كل شارع وفي كل اتجاه.
لكنني بالمقابل لم أعد أعرف نفسي أنا الآخر خصوصاً عندما تحلق على الواجهة الأمامية من دماغي حزمة من الخطط الخمسية التي أريد انجازها جميعها في آن واحد، وأدرك بأنه لم يعد هنالك وقتاً إضافياً للانتظار فيما بعد فترة الجامعة واقتحام الوسط الصحفي الأكثر معاناة والمليء بالغصص والجراحات والكوابيس من أي قسم أو تخصص مهني في البلد.
في الجمعة 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2013 02:27:23 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=748&lng=arabic