متاهةُ ( الإخوان ) بين ( صالح وفيلتمان )
كاتب/امين الوائلي
كاتب/امين الوائلي
(1)
لدى الأمريكي (الخطير) جيفري فيلتمان ما هو أبلغ للإفهام والإقناع, ما ليس لدى جميع أنواع وفئات الشرَّاح والمفسرين للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. وهكذا -أو لهذا- اقتنع (بقايا اللقاء المشترك) -الحاكم- بعد لقاء قصير جمعهم بالخواجة الخطير فيلتمان بوجهة نظره وفهمه (الحكيم) وتفسيره (الصحيح) للاتفاق السياسي والمبادرة والآلية المزمنة. ليهتدوا في آخر اللقاء إلى أنه ليس من واجب الرئيس علي عبدالله صالح الاستقالة من رئاسة المؤتمر الشعبي العام, ولا اعتزال السياسة, ولا مغادرة اليمن, ولو شاء فيلتمان لقالوا أيضا: ولا عدم الترشح للرئاسة عام 2014م!
(2)
ما الذي يملكه هؤلاء الأجانب ولا يملكه غيرهم حتى يفهم منهم السياسيون اليمنيون ولا يفهمون من الشرَّاح المحليين ومن المفسرين البلدي؟!
رجال بني الأصفر أوقعُ في نفوس بني (عبد الأشهل) من أبناء عمومتهم ومن إخوانهم في الطين والدين والنشيد الوطني (..)

(3)
لعل مساعد الوزيرة هيلاري كلينتون لم يقل لمضيفيه الحكوميين من رجال المشترك شيئا كثيرا, أكثر مما قاله للإعلاميين ورجال الصحافة: "نحث جميع الأطراف في اليمن على "التقيد المطلق" باتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة", ليخرج من فوره وساعته محمد قحطان وينسف قائمة الشروط الـ12 المقدمة للرئيس هادي, بل ويسفه رأي القائلين بضرورة تنحي صالح عن رئاسة المؤتمر- كان قحطان كبيرهم الذي ..- وزاد إن من حق صالح أن يكون رئيسا للمؤتمر كما من حق المؤتمر أن يكون رئيسه صالح. ولولا الوقار والامتلاء منعاه.. لقال "من واجب صالح والمؤتمر" وليس فقط من حقهما(..)

(4)
لم يكن هذا هو قحطان الذي خرج ثلاث مرات في ثلاثة أسابيع بثلاثة تصريحات تحمل اللاءات الثلاث: ( لا حوار قبل استقالة صالح من المؤتمر, لا حوار قبل اعتزال صالح العمل السياسي, لا حوار قبل مغادرة صالح لليمن أو تسليم نفسه لأقرب فرع من فروع التجمع اليمني للإصلاح لمحاكمته).
آلاف المرات كان هناك آلاف الأشخاص والشراح يذكّرون بنص وبنود المبادرة وجدول الآلية المزمنة.. خطوة خطوة, أو كما قال صالح في اجتماع حزبي بعد التوقيع على المبادرة: الثلاثة تجيء قبل الأربعة وليس بعدها, وبعد الاثنين وليس قبلها..!

(5)
ولكن لأن صالح هو الذي قال, عارضوه وخالفوه وقالوا: (خطأ), ثم قالوا له استقل واعتزل وغادر, وقالوا الهيكلة قبل الحوار الوطني وليس بعده, والهيكلة قبل إنهاء الانشقاق, بل قالوا إنه ليس هناك انشقاق من أصله!
كل هذا تغير بمجرد نظرة -من دون حتى جبر خاطر- من مبعوث واشنطن ورسول رب البيت الأبيض الرجل الخطير جيفري فيلتمان.
صار من ينظّر ويدافع عن تراتبية الخطوات وتزمين البنود بحسب الآلية التنفيذية هو محمد قحطان ذاته صاحب اللاءات الثلاث!

(6)
فيلتمان هذا -بالمناسبة- يكرهه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله, كما لم يكره علجاً رومياً في حياته. ومن تابع مسيرة وخطابات نصر الله خلال السنوات الخمس الماضية يعرف أن فيلتمان حافظ على نفس المستوى من الحضور في سائر الخطابات والأحاديث العامة التي أدلى بها أمين عام حزب الله ورجل المقاومة الإسلامية في لبنان. هذا يعني بحسابات السياسة والتقييم الشخصي الكثير والكثير.
كان فيلتمان موكلا بالملف اللبناني ومهندس السياسة الأمريكية في بيروت وتعداها إلى "قارة" الشرق الأوسط الجديد, ورجل بدهاء وبذكاء نصر الله يستحيل أن تخطئ فراسته واحدا مثل جيفري فيلتمان.

(7)
ليست مفارقة أن يكره نصر الله فيلتمان فيما يحبه إخوان صنعاء وبير العزب وسواد حنش!
والأمر بالتأكيد يتعدى كراهية الإصلاح للحوثي تبعاً لمحبة الحوثي لنصر الله أو نصر الله للحوثي وكراهيتهما معا للأمريكي الخطير فيلتمان.

(8)
الإخوان لا يحبون ولا يكرهون لأجل هذا فقط. وعندما قرر الإصلاحيون وحلفهم التخلص من الرئيس علي عبدالله صالح, قرروا بأن يدخلوا قلب أمريكا من أي باب وعبر أي منفذ وبأية وسيلة, لاعتقادهم بأن الداهية صالح يستمد قوته من هنا.. وقال قائلهم: لن تقصوه من رئاسة اليمن قبل أن تنجحوا في إقصائه من قلوب الأمريكان وتحلوا محله. وهكذا كان. ولكن ما آسف وأزعج الإخوان هو اكتشافهم فيما بعد بأن الرئيس الداهية لا يزال قويا برغم كل شيء, وبأنهم ليسوا أقوياء بما يكفي للتخلص منه بتلك السهولة التي راودتهم إذ اقبلوا على بعضهم عِشاءً يتقاسمون "ليصرمُنَّها مصبحين".
من أين, إذاً, كان يستمد صالح قوته؟ إذا لم يكن من الأمريكيين!!
هذا سؤال (بدعة) برأي الإصلاحيين ولن ينجحوا أبداً في طرحه على أنفسهم فظلاً عن أن ينجحوا لاحقاً في الإجابة عنه.

(9)
بالتداعي.. نتذكر وثائق ويكليكس المسرَّبة عن السفارة الأمريكية بصنعاء ومضامين اللقاءات (التمهيدية) الساخنة المؤهلة لنهائيات الربيع العربي والتي دارت بين قيادات ورموز الإصلاح والمال الإخواني والقبلي ومسؤولين أمريكيين.
في تلك اللقاءات المبكرة (2009م) قدم حميد الأحمر عروضاً سخية للأمريكيين فاقت توقعاتهم وما يؤملونه على أبعد تقدير: لن نكون متشددين, لن نفرض الحجاب بالقوة, لن نمنع بيع المشروبات الروحية, لن نلاحق رجلا وامرأة اختليا وراء جدار.. لن ولن ولن؛ والمعنى المفيد هو: لن تجدوا أفضل منا بديلا لكي تأتمنوه على ولاية اليمن الاتحادية(!)
فعل الإخوان كل شيء على سبيل استفتاح مغالق الطرق والأبواب والمنافذ المؤدية إلى البطين الأيمن والأذين الأيسر في قلب أمريكا.. قلب العالم.

(10)
لا تحتاج واشنطن اليوم كثير عناء لإقناع أو إفهام الحلفاء الإخوان, أو الإخوان الحلفاء في أية قضية ولأي شيء كان؛ فقط ترسل الرجل الخطير ذا الوجه المفلطح والعينين الذئبيتين (جيفري فيلتمان) إلى صنعاء.. يلتقي الإخوان الحلفاء- ودعونا للضرورة غير الشعرية نستخدم "إخوان أمريكا"- في اجتماع مغلق, ويخرج بعده الإخوان وقد اقتنعوا تماما وفهموا جدا جدا.. ويطلع محمد قحطان يسمِّع الدرس فيقول صوابا: (يحق لصالح ويحق للمؤتمر, ويحق للمؤتمريين, , وليس هناك 12 شرطا قدمت للرئيس عبدربه منصور وإنما هي فقط مجرد "أفكار" عادية للاستئناس لا غير. وكما تعلمون جميعا فإن الاستئناس مش حرام وأرحم الراحمين أدرى بعباده وبما ينفعهم)!

(11)
المفارقة التي تفكد قلوب الإخوان (إخوان أمريكا) في هذه اللحظات تكمن في المعادلة التالية: نجح الإخوان في اقتحام قلوب الأمريكان ولم يعودوا, بنظرهم, متطرفين وإرهابيين وقاعدة, حتى إن السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين قال مؤخرا لـ"الحياة" اللندنية كلاما طيبا وشاعريا بحق حزب الإصلاح قبل أن يختم القافية بقفلة مستثنيا "الزنداني وأتباعه ومن معه" فقط, (ليت شعري ما الذي تبقى من حزب الإصلاح خارجا عن هذا الحصر؟)! وعلى كل حال سياسة العصا والجزرة أو الجزرة والعصا ماركة أمريكية مسجلة, وسترون من هذا كثيراً.. فاشتحطوا يرحمكم الله.

نستكمل معادلة المفارقة التي تفكد قلوب الإخوان في الأثناء: نجح الإخوان في الحصول على إذن للتجول في قلب أمريكا وعندما فعلوا لم يصادفوا الرئيس صالح هناك فلم يجدوا مشقة لإقصائه خارج قلب أمريكا ورب البيت الأبيض.. "هذا جيد" قال أحدهم تند عنه تنهيدة رضا وامتنان وقال أخ له: "هذا من فضل ربي" ولم ينتبهوا الى أن القلب الأمريكي (مطاط) يسع الجنَّة والناس معاً!

(12)
فيما بعد يكتشف الإخوان الجزء الآخر -والمزعج- من المعادلة: أن أمريكا تبذل وسعها في مرضاة علي عبدالله صالح حتى وهو الرئيس السابق ورئيس المؤتمر لا غير! وبقية هذا الجزء أن أمريكا لا تفتأ تستفتح الطريق إلى قلب صالح- الرئيس السابق, الذي يقال في إحدى الأساطير: إن الله عز وجل خلقه ليفعل أشياء كثيرة ومهمة وقيمة.. من ضمنها إغاضة الإصلاحيين وإفقادهم متعة الظفر ولذة الشعور بالأفضلية.

شكراً لأنكم تبتسمون


في الأحد 08 إبريل-نيسان 2012 06:54:22 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=71&lng=arabic