|
* هنا تنظيم "القاعدة" يتنفس بعمق، يتدرب مئات من رجاله حالقي الرؤوس، ومسدلي شعرهم، ومطلقي لحاهم، وحالقيها في معسكرات أسوارها جبال شاهقة، ومخانق وديان شديدة الانحدار، مواهب جهادية متعددة المراتب أقلها موهبة الاندفاع إلى جبهات قتال.. ليس مهماً كم تقتل من "أعداء الله" واحداً أو عشرات، المهم أن تقتل، وما دام هناك من يرفض الانصياع لرصاص المجاهدين فلا بد من قتله اليوم أو غداً.. حين يكون المقتول جندياً مسلماً يؤدي مناسك دينه فقتله جزاء التحاقه بسلك الجندية، وقتله في نقطة عسكرية، أو في مركز أمني، أو في معسكر للجيش اليمني في محافظة أبين، أو في محافظة أخرى إنما هي رسالة ترعب "الصليبيين" وأعداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها, وتنذرهم بما سيئول إليه مصيرهم في بعيد الأجل.. يا إلهي كم هي الرسالة "دموية" وكم هي مناهضة لدين الإسلام وكل أديان الكون.
*هنا اليمن.. تشير أصابع العالم إلى هذا البلد بعيون زائغة، وأصابع مرتجفة.. هنا يفعل "القاعدة" ما يحلو له أن يفعل في بلد يفقد القدرة على الدفاع عن أبنائه، والذود عن سيادته، بلد عربي مسلم يديره سفراء الدول الكبرى، ويعيث به بعض أبنائه فساداً، وينهكونه فوضى، ويخوضون فيه حروباً بالوكالة حيناً، وبالأصالة عن فحش صراع ونفوذ في كل حين.. بلد فقير يحيط به الأثرياء، بحره يخيف سفنه، وسماؤه مستباحة لطائرات تقصف متى تريد دون اعتبار لدم برئ، وتصول وتجول دون حاجة لإذن من سلطات الدولة، كل وسائل الرصد والتجسس التي تنتجها الدول الكبرى وتطورها تجوب أجواء اليمن، تراقب كل شاردة وواردة في هذا البلد.. نوم الناس وقيامهم، كل تفاصيل حياتهم مرصودة على مدار الساعة، حتى صرخات معاناتهم مرصودة وأنفاسهم محسوبة، وخواطرهم تحت خط الاشتباه.. اليمن ليس مؤهلاً للاحتفاظ بسيادته.. كل الموكل إليهم صون سيادته يتسابقون لإرضاء منتهكيها وإرشادهم إلى مواطن الخلل التي يصنعونها يوماً بيوم.
*في اليمن يجترح "القاعدة" لنفسه إمارات، وولايات على كيانه المنهك.. في اليمن تتسع "أخراق" المتصارعين، و"القاعدة" و"المنتهكين" لسيادته، كلها "أخراق" دامية واغرة في أعماقه المكلومة، تعجز الراقع وتفقد العاقل بعض صوابه.. من أي شيء خلقنا؟ يسأل اليمني نفسه.. ويجيب بسؤال مماثل: ألسنا من لحم ودم ومشاعر؟!.. يتوقف اليمني طويلاً قبل أن يدرك الإجابة بنعم.. قبل أن يستعيد اليمني أنفاسه يجول فكره في دوامة من الأسئلة كلها تزيد من حيرته، وإجاباتها تربك ثباته وتفصل بين شكه، ويقينه.. ثم يسأل، ويسأل من جديد: ما الذي يفعل بنا وطننا، ما الذي نفعله بوطننا، من أين جاء "القاعدة" ليخرق سكينتنا، ويحرض علينا أولي قوة وبأس لا طاقة لنا بهم، من أي منفذ دخلت حشود "المجاهدين" في سبيل الله الذي هو ربنا ورب كل الكائنات غيرنا.. ذائدين عن دين هو ديننا.. راياته حملها أجدادنا الأفذاذ إلى مشرق الشمس، وحيث يكون غروبها خلف بحارنا، وكانوا خير جند الأرض نصرة لدينهم، وخير من وهبوا أرواحهم لكي تبقى مشاعل العدل، والعلم، والحرية مضيئة في سموات الضلال والظلام.. وسقوها بأزكى دمائهم على أراض لم تكن يوماً أرضهم.. ألم نكن أهل حكمة وإيمان، ألم يصفنا خير الأنبياء ,آخر الرسل إلى البشرية بالأرق أفئدة، والألين قلوباً، يسأل اليمني نفسه لماذا نحن اليوم قساة على أنفسنا، وحراب نغمدها في صدر وطننا، ومصدر خوف لأقوام غيرنا، وخائفون من بعض أقوامنا ؟؟
*حين يصبح الوطن مخيفاً لأبنائه، يكون محكوماً بنوازع جوارح الغاب.. وحين يصبح الوطن مكسوراً بيد أبنائه، يستبيحه "القتلة" وينفث في كيانه الطامعون والأشرار سموم حرابهم، على مواضع كبريائه.. وحين يظمأ اليمني وهو قريب من بركة مائه، فثمة موت يقترب في غير حينه، ويتربص بآخر أنفاسه.. وحين يفقد اليمني ولاءه لتراب وطنه، وحين يفقد المقدرة على التعايش مع نفسه، يصبح على وطن مسروق منه، ومنتهك من سواه، كأنما حطه القدر على مقبرة كبيرة يئن أهلها كأنهم في لحظة احتضار تمتد دهراً.. أي وطن هذا.. أي يمن هذا، إما أن نستفيق ونستعيده، أو نموت كمداً ونُدفن في جروحه الغائرة بمخالبنا حين تصبح قبورنا مهرباً من مناقير الطيور الجارحة، وبراثن وحوش لا ترحم شعباً ضيّع وطنه، وجعل منه فريسة للضواري الجائعة، فبات هو الفريسة ووطنه مسروق.
- fmukaram@gmail.com
في الخميس 05 إبريل-نيسان 2012 08:50:48 م