التطرف لغة مشتركة بين التقليدي والمثقف
دكتور/عادل الشجاع
دكتور/عادل الشجاع
بالأمس كنت أتلقى التهديد والوعيد من قبل المتطرفين الأصوليين, واليوم أتلقى نفس الخطاب من قبل من يحسبون على الحداثيين.
يقال: إن الكاتب الحقيقي يحاول دوماً أن يكتب ما لا يكتب، محاولاً ابتكار أدوات جديدة للتعبير وارتياد آفاق جديدة للمعنى، والدخول إلى تلك المناطق المعتمة من الحياة والوجود.
إن قراءاتي للأحداث تحملني على القول: إن توهم بعض المثقفين والكتّاب أن الربيع العربي سيكون ربيع التحرر والتقدم إنما هو أضغاث أحلام.
وعلى هذا الأساس فأنا لا أقدم نفسي ككاتب يمارس الوصاية على التفكير والحريات. ما أكتبه أعتبره إمكانية للتفكير أو حتى للتعبير, أو لإنتاج معرفة جديدة.
ولست بحاجة للقول: إن أولئك الذين دافعوا بالأمس عن أشخاص ثم ارتدوا يشتمونهم بأقذع العبارات محتاجون إلى استعادة مصداقيتهم, فالحبر الذي كتبوا به لم يجف بعد.. إنهم محتاجون للتخلي عن عاداتهم الذهنية وتقاليدهم الفكرية، ألم يكن هؤلاء يقدمون أنفسهم حراساً للحقيقة ومدافعين عن فكرة الرسمية؟!
اسألوا ذلك الثوري في صحيفة (الثورة) كم حجب من مقالاتي ومنعها من النشر حينما كانت هذه المقالات تتناول الفساد؟.. واسألوا الأصدقاء في صحيفة (الجمهورية) كم حذفوا من العبارات وغيّروا من العناوين ومنعوا من المقالات؟.
إننا أمام مثقف لاهوتي متطرف مثله مثل اللاهوتيين الدينيين.. هل يستطيع المثقف أن يصنع صورته الجديدة، وأن يستعيد مصداقيته المفقودة؟ هذا لن يتم بنفي الحقائق وإنما بطرح أسئلة الحقيقة, أي بالنقد وإعادة التفكير في النظر إلى الأشياء.
عندما كتبت في الأسبوع الماضي عن الإعلام المحترم إنما أردت أن يفهم هذا الإعلام ما كان يعجز عن فهمه. وعندما انتقدت هذا الإعلام كنت أبحث عن أجوبة ناجحة ومعالجات مبتكرة لما يواجهنا به الواقع من تحديات. أردت من هذا الإعلام أن يهبط من عليائه إلى أرض الواقع؛ لكي يحسن التعاطي مع الوقائع, لا لكي يصادق عليها.
أقول: إن من حق الأفراد والجماعات أن تحلم بمجتمع الحرية والمساواة والعدالة.. ولكن ليس من حق هؤلاء أن يحولوا حياة الشعب إلى مختبر لمشاريعهم المستحيلة وأحلامهم المدمرة.
نحن أمام خطاب تنويري لا يحسن سوى تدمير أصحابه وتدمير المجتمع. وما يقوم به الإعلام هذه الأيام بعد كل هذه الكوارث والانهيارات, إلا نوع من الأفيون الجديد؛ يخدر عقول أولئك الذين يتهربون من النقد ويقفزون فوق الوقائع.
كنت أتمنى من الإعلام الذي ينطلق من أخلاقيات المهنة أن يمارس النقد - في الوقت الراهن - كفاعلية أخلاقية ترمي إلى الكشف والتعرية أو الفضح, كشف آليات السيطرة وعلاقات القوة، وكذلك تعرية وجوه التقديس والتنزيه للأفعال البشرية والدنيوية, وكذلك فضح الألاعيب والاستراتيجيات التي يتخفى وراءها اللاعبون على هذا المسرح, أقصد مسرح الحياة والمجتمع.
أقول لأولئك الذين ينتقدون السلطة: نحتاج أيضاً إلى نقد أنظمة المعرفة وآليات الفكر وأبنية الثقافة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع الإعلام أن يركز على الأسئلة المقموعة والأجوبة المرجأة؟ هل يجرؤ على القول: إن دعاة الحرية في الشوارع هم الأكثر استبداداً؟ وإن دعاة الوحدة هم دعاة الانفصال, وإن كل هؤلاء قد أقاموا مع مقولاتهم ومفاهيمهم علاقات ذات محتوى إرهابي, من يناقشهم يقتلونه.
أنا لا أبسط الأمور، ولا أنطلق من رؤية أحادية، ولا أنخرط في موقف أعمى مع هذا الطرف أو ذاك. فأنا لا أقدس أشخاصاً، كما أنني لا أقدس أيديولوجيات.. بمعنى أصح لا أجعل من الأشخاص أصناماً ولا من الأيديولوجيات لاهوتاً، فأنا لست مع تقديس الأشخاص أياً كانوا.. وأنا دوماً أحاول قراءة الممارسات وأتعامل معها تعاملاً دنيوياً, ذلك أن الذين يقدسون الأشياء هم دائماً أول الضحايا, سواء كان هذا الشيء الدين أو الوطن أو الحرية أو الثورة.
من جهة أخرى لم يعد يقنعني حديث أولئك الذين يتحدثون عن الحرية والمدنية. لقد فقد مثل هذا الحديث جاذبيته بل ومشروعيته بعد كل ما جرى من قمع واستبداد وفساد ومصادرة للحريات وانتهاك للمدنية وتدمير للبنية التحتية من قبل الشباب والأحزاب السياسية والقوى القبلية والدينية.. وفي رأيي.. إن الذين سقطوا كانوا ضحية أفكارهم أكثر مما كانوا ضحية دفاعهم عن الديمقراطية والدولة المدنية.
أقول ذلك لأن الذين ماتوا قام نضالهم على الدفاع عن أشخاص وأحزاب كان هاجس هؤلاء الأشخاص والأحزاب نفي أو تصفية أمثالهم أو أقرانهم.
ولا أجانب الصواب إذا قلت: إن المثقف في اليمن مازال أعمى؛ لأنه انخرط في مشاريع التغيير والتحرير, وطالب بالحرية حيث ينعم بها ومجدها حيث تنعدم.
إن تحديد المسؤوليات هو أساس كل مبادرة جديدة، ولابد أن يكون إصلاحاً للتجربة الماضية ودفعاً لها, هكذا يتقدم المجتمع ويتقدم الفكر وتتقدم السياسة وينمو الاقتصاد.
في السبت 18 فبراير-شباط 2012 11:58:32 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=6&lng=arabic