لا شرعية لرئيس
كاتب/عبدالوهاب الشرفي
كاتب/عبدالوهاب الشرفي
كثر الحديث عن رئيس شرعي أو غير شرعي مع أن " الشرعية " ليست صفة من صفات الوظيفة أو من صفات الشخصيّة , فلا وجود لموظف شرعي وموظف غير شرعي , وما يوجد هو إما موظف أو غير موظف , ولا وجود لشخص شرعي وشخص غير شرعي وما يوجد هو إما شخص أو ليس بشخص , والقول بغير ذلك يترتب عليه عبثيّة كل الشرائع والدساتير والقوانين والأنظمة ونحوه مما يحكم علاقات الشخصيات ببعضها في المجتمعات .
" الشرعية " صفة من صفات التصرفات التي تقوم بها الشخصيات بصفاتها المعنوية او الإعتبارية , فإما أن يكون تصرفها شرعي أو غير شرعي .
تحتاج أي شخصية معنوية أو اعتبارية في أي مجتمع الى " الشرعية " لكل تصرف تقوم به حتى يكون لها حق نفاذ تصرفها هذا على المتصرف فيه أو له أو عنه , و " الشرعية " هي صفة تتسم بها التصرفات إذا توفّر لها عاملين , الأول هو " السيادة " والثاني هو " التأهيل " .
" السيادة " : هي حق الشخصية في التصرف لتحقيق المصلحة التي تقع عليها مسئولية تحقيقها . و " التأهيل " : هو أن تحقق التصرفات التي تتم بموجب " السيادة " تلك المصلحة .
" السيادة " و " التأهيل " عاملان يجب أن يتوفرا معاً لأي تصرف حتى يكون تصرفا " شرعيا " ولا يمكن إبطاله , وهما عاملان متلازمان يفقد التصرف صفة " الشرعية " بفقد كليهما أو بفقد أحدهما ، فعندما يكون التصرف صادراً من غير من له حق القيام به ويكون تصرفاً خاطئاً فهو تصرف غير شرعي لفقده " السيادة " و " التأهيل " معاً , وعندما يكون التصرف صادراً من غير من له حق القيام به فهو تصرف غير شرعي حتى لو كان تصرفا صحيحاً لفقده " السيادة " , و كذلك عندما يكون التصرف خاطئاً فهو تصرف غير شرعي ولو كان صادراً من صاحب الحق في التصرف لفقده " التأهيل " .
الدولة هي شخصية إعتبارية من شخصيات المجتمع , وهي مفترضه " السيادة " , اي مفترضه الحق في التصرف بما يحقق المصلحة العامة للشخصيات المعنوية والإعتبارية التي تشكّل المجتمع باعتبار أن ذلك هو مسئوليتها .وتتافس غيرها من شخصيات المجتمع على أن تكون هي من يمارس حق التصرف باسم الدولة استناداً على " سيادتها " المفترضه تلك .
يتكون كيان الدولة من ثلاثة مكونات هي المكون الانساني وهو الذي يقوم بالتصرف , ومكوّن الوسائل وهو المتصرف فيه , والمكون الحاكم وهو المتصرف وفّقه . وعادة ما يكون التنافس بين شخصيات المجتمع للتواجد في المكون الإنساني للدولة ، ويكون التنافس اكثر حدة على المواقع العليا فيه .
وتلتزم العديد من الدول للحسم في هذا التنافس آلية " الديمقراطية " , وهي الآلية الممكنة لقياس أي شخصية من الشخصيات المتنافسة هي التي تحظى بالعدد الأعلى من رغبات الشخصيات في المجتمع ليتم" تمكينها " من الموقع المتنافس عليه و" تفويضها " بالتصرف باسم الدولة .
تعبّر الشخصيات في المجتمع الديمقراطي عن رغبتها عن طريق صوتها في صندوق الانتخاب ، وتكوينها لتلك الرغبات يكون بناء على توقّعها بأن الشخصية التي ستمنحها صوتها هي الشخصية الأكثر احتمالاً أن تجسد مسئولية الدولة في تحقيق الصالح العام , أي انها ستتصرف " التصرفات الشرعية " .
ما يقوم به الصندوق هو " إختيار " , وما يمنحه " الإختيار " هو " تفويض " بممارسة حق الدولة في التصرف(سيادتها ) , وهذا هو العامل الأول المطلوب " لشرعية " أي تصرف يقوم به " المفوّض " باسم الدولة . وتجسيد مسئولية الدولة بتصرّف " المفوّض " بما يحقق المصلحة العامة يجعل من تصرفه تصرف " مؤهل " , وهو العامل الثاني المطلوب " لشرعية " تصرّفات " المفوض " .
يقاس للعامل الأول " السيادة " عن طريق الصندوق , ويأتي " التفويض " بممارستها بالحصول على غالبية الرغبات " الأصوات " للشخصيات المختارة .والأخذ بالغالبية في " التفويض " يقوم على أن لحظة الإختيار " الإقتراع " هي لحظة توقّع بان من سيتم " إختياره " و " تفويضه " هو الأقدر على تجسيد مسئولية الدولة من خلال الالتزام " بتصرفات شرعية " . ويقاس العامل الثاني " التأهيل " بإنسجام التصرفات التي يقوم بها " المفوض " مع الدساتير و القوانيين والأنظمة ( المكون الثالث للدولة المتصرف وفقه ) .
لا يوجد شيء إسمه رئيس شرعي و رئيس غير شرعي , وإنما هناك رئيس منتخب او رئيس غير منتخب .والرئيس المنتخب لا يتصرف بشخصيته المعنوية وإنما بشخصيته الإعتبارية اي يتصرف باسم الدولة , والدولة ليست معنية ( مسئولة ) بتحقيق مصلحة رئيسها او بمصلحة شخصيات معنوية او إعتبارية محدده في مجتمعها , ولا حتى بمصلحة الغالبية التي تم " التفويض " بناء على رغباتها , وإنما هي معنية بتحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكامله .
" التفويض " الذي يحصل عليه رئيس الدولة بالتصرف هو بمثابة إلتزام منه بأن تأتي تصرفاته " شرعية " متوافقة مع التوقّع الذي بناء عليه تم " إختياره " ومن ثم " تفويضه " , ومالم تكن تصرفاته كذلك فإن رئيس الدولة يفقد ذلك " التفويض " , ويجوز إبطال تصرفاته بلجوء من تضرر منها إلى القضاء .
و قد يلحق تصرف رئيس الدولة الضرر بشريحة واسعة من المجتمع , وتقرّر أن تحتشد لإعلان تضررها ورغبتها في " إبطال " التصرف أو في " سحب " التفويض " تبعاً لطبيعة التصرف وحجم الضرر الذي الحقه بها , و المطالبة بذلك هو حق لها لا يوجد ما يمنع منه .وسواء كانت تلك الشريحة الواسعة هي ممن منحه التفويض أم لا , لكونه رئيساً للدولة ومعّني بتحقيق المصلحة العامة لا مصلحة من إختاروه وحسب , وسواء كانت هي الغالبة في المجتمع أم لا , فإختياره يتم بالغالبية لأنه قائم على توقّع بينما المطالبة بإبطال التصرف او بسحب " التفويض " يكون بناء على وقوّع ضرر , ويكفي فيه أن تحتشد للمطالبة بذلك شريحة واسعة من المجتمع ولو لم تكن هي الغالبية .

alsharafi.ca@gmail.com‏


في الجمعة 12 يوليو-تموز 2013 12:36:50 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=532&lng=arabic