|
بعد كل هذه الأريحية التي حازتها إسرائيل سواء من الجانب الفلسطيني - الأردني، أو من الجانب الأممي، فاجأت إسرائيل البعثة والعالم بأسره، بإلغاء الزيارة، وبالتالي نسف برنامج عمل البعثة من الأصل. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل شرعت سلطاتها في ذات اليوم، بتنفيذ أعمال حفر في أجزاء مختلفة ومنها ساحة البراق، ومنطقة القصور الأموية جنوب المسجد الأقصى. الأمر الذي جعل اليونسكو والمنظمة الأم في حيصٍ وبيص، حيث لم تهتدٍ بعد إلى ما يمكنها إظهاره من إجراءات عملية - جريئة أو جبانة- مقابل المفاجأة - الإهانة - الإسرائيلية للمجتمع الدولي بما فيها السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية.
لم يكن بأي حال لجوء إسرائيل لإلغاء الزيارة جزافاً، بل كان عملاً مدروساً ومخططاً له بدقة، سيما وأن تفاهمات أخرى في هذا الشأن، هي بالتأكيد لدى الجانب الإسرائيلي تحتاج إلى وقت كافٍ واشتراطات إضافية، بحيث تكون كفيلة بإذابة البعثة مع الوقت أو استبدالها بأخرى، بتفاهمات واشتراطات أخرى أيضاً، بحيث تنتقل الخشية إلى الطرف الفلسطيني، نتيجة الألاعيب الإسرائيلية ضد السلطة لصالحها. بفعل سعيها لقلب الحقائق ولخلق نوعٍ من التوازن فيما ستسفر عنه تقارير بعثات مستقبلية لاحقة، في حال كُتب لها النجاح بالوصول إلى المدينة المقدسة سالمةً. ولا شك لديها الوسائل والإمكانات لفعل ذلك.
وقع الصدمة لدي السلطة الفلسطينية كان أكبر، بحكم أنها صاحبة الشأن، توضح ذلك عندما استهجنت إقدام الإسرائيليين على فعل ذلك الأمر، ودون التنسيق معها أو استشارة الأطراف الأخرى المشاركة. حيث ذكرت الخارجية الفلسطينية، إنها لم تتسلم من إسرائيل أو من اليونسكو ما يفيد بتأجيلها أو إلغاءها.
كانت المبررات الإسرائيلية حاضرة ومتسلسلة واحدة تلو أخرى، فأول ما قالت على لسان خارجيتها، إن الزيارة قد أرجئت وحسب. ودون أعطاء موعد آخر لتنفيذها. ثم بدأت تتدحرج موجات متتالية من الحجج والمبررات أمام المهتمين لدي المجتمع الدولي، حيث أعلنت إسرائيل عن حدوث تجاوزات من قِيل البعثة، حتى من قبل وصولها، بأن في نيّتها اقحام نفسها في الجوانب السياسية، بعيداً عن الجوانب المهنية التي تم الاتفاق عليها. وأن أعضاءها خططوا للاجتماع بشخصيات سياسية من السلطة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل خرقاً آخر للاتفاق. ثم قامت باتهام الجانب الفلسطيني بأنه سعى إلى التنصل من جملة التفاهمات الحاصلة، وانتهاز الفرصة لتسييس الزيارة ضد إسرائيل، وصورتها على أنها لجنة تحقيق دولية، وزعمت بسعيها كذلك، إلى ملائمة ظروف اللجنة مع ادعاءات وهميّة، بغية تسجيل النقاط على حساب إسرائيل.
إلى الآن وبالرغم من قراءتنا للتاريخ الحافل التي تزخر به الدولة الإسرائيلية من المماطلات والتراجعات والتسويفات المبنية على الصلف والصدود والغطرسة، لم توصلنا إلى حقيقة مفادها أن كل خطوة يمكن التقدم بها، تراها إسرائيل دافعاً مناسباً للتأخّر خطوتين إلى الوراء، وإذا كنّا لم ندرك بعد النوايا الإسرائيلية الحقيقية ضد الفلسطينيين والعرب عموماً، باعتبار أن الغدر والخيانة سمة المؤسسة الإسرائيلية، فإنه آن الأوان لاستدراك المواقف واستخلاص العبر وعدم الذهاب بعيداً بالتعويل على جملة الاتفاقيات والمواثيق السابقة مع الدولة الإسرائيلية، كما لا يمكن النظر بجدية مبالغٌ فيها باتجاه اليونسكو، بسبب عدم استطاعتها فعل أي شيء أمام هذا المشهد، سيما وأنها أثبتت وفي كل مرة، أنها كالطبل، الذي يُحدث صوتاً عالياً، لكنه يفتقر إلى الجوهر وفي داخله لا شيء.
خانيونس/فلسطين
24/5/2013
في السبت 25 مايو 2013 09:29:15 م