|
أصبح العيد مجرد ابتسامة خجولة وعابرة تخفي وراءها الكثير من المتاعب والحسرات, كما أصبح غاية ما يحلم به أولياء أمور العائلات اليمنية، هو أن ينجح كل رب أسرة في اختصار العيد بالأطفال وإرضاء رغباتهم في إطار الإمكانات المتاحة، سواء في جانب شراء الملابس وكسوة العيد أو توفير ثمن الذهاب إلى الملاهي والحدائق والمتنزهات العامة .
وإجمالاً.. فإن عيد الأضحى المبارك يأتي هذا العام محملاً أكثر من غيره من الأعوام السابقة بالهموم والمسؤوليات الجسام على غالبية اليمنيين الذين ضاقوا ذرعاً من الأوضاع الاقتصادية السيئة والأزمات المتراكمة التي تثقل كاهلهم من كهرباء ومياه وتراجع القدرة الشرائية، فبات المواطنون في حيرة من أمرهم في تسيير حياتهم وتلبية حاجياتهم اليومية وما يترافق معها من مناسبات، آملين دوماً أن تحمل معها الخير والبركة .
واللافت أن المواطن المغلوب على أمره والمكلوم بظروفه الصعبة لم يعد يواجه فقط سخط المؤجر والتاجر وسائق التاكسي وبائع الملابس وغيرهم, وإنما أصبح يلاقي استياء من شريحة «المتسولين» الذين باتوا يملكون الجرأة على توبيخ من يتصدق بمبلغ شحيح .
صادفت مؤخراً متسولين يقومون عقب الصلوات في المساجد وخصوصاً بعد صلاة الجمعة وهم بهيئة وهندام تقليدي محترم يشعرك أن من يخاطبك شيخ وليس شحاتاً, والأدهى من ذلك أن من هؤلاء من بات يستخدم أساليب مختلفة أحدهم قال: «أنا وقفت بينكم لظروف قدرها عليّ الله، وما جئت أشحت منكم حتى يخرج واحد أفلاس, اللي يشتي يتصدق سوا وإلا ما بش داعي يحرج نفسه بحاجة لا تحل مشكلة ».
وبالعودة إلى صلب الموضوع أجدني أحمّل السياسيين والمسؤولين مسؤولية ما وصل إليه حال البلد من تدهور يقذف كل عام بعدد أكبر من الناس إلى رصيف الفقر والفاقة والبطالة, في وقت يحتار الناس في تحديد المسؤول عن كل ما يحصل لهم من معاناة .
لا تجد مسؤولاً إلا ويحدثك عن المعاناة ويتهم الفساد والفاسدين، ويشكي ويبكي أكثر من المواطن العادي, حتى الرئيس السابق يذهب في تصريحاته ومقالاته إلى أن حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها محمد سالم باسندوة هي سبب كل بلاء، ولولاها لكانت اليمن اليوم أفضل من تركيا أو ماليزيا .
ومن هذه النقطة نستطيع أن نضع الإصبع على الجرح، ونقول : إن الكل يتحمل مسؤوليته، ولا يمكنه التنصل منها مهما حاول أن يسوق من مغالطات وحجج, فالرئيس السابق الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود تراجع معها الريال من 3 ريالات للدولار الأمريكي إلى 215 ريالاً مقابل الدولار، من المعيب أن يتحدث عن حكومة باسندوة وكأنها لم ترث كل تراكمات وفساد وكوارث حكوماته المتعاقبة .
وأيضاً فإن هذه الحكومة التوافقية التي شارفت على إكمال عام على تشكيلها لا يمكنها التوقف عند نقطة الحديث عن جرائم وفساد النظام السابق والحكومات السابقة وعن العراقيل التي يضعها بقايا النظام دون أن يكون لها بصمات وخطوات جريئة؛ إما نحو إيجاد معالجات لأزمات الوطن ومعاناة المواطن أو موقف شجاع بإعلان فشلها وسرد مبررات هذا الفشل وإقناع الشعب ورعاة المبادرة الخليجية بأنها لا يمكن أن تكون كبش فداء لأخطاء النظام السابق وخطاياه اللاحقة .
لا يجوز أن تكتفي هذه الحكومة بمجرد تذكير الناس بمظالم السابق, وهي لا تفعل شيئاً سوى ترتيب أوضاع أناس ليس من شفيع لهم سوى أنهم خدموا حزبياً بامتياز، وليذهب الآخرون إلى الجحيم؛ إذ إن من عانوا واشتكوا وارتفع أنينهم مما يصفونه بسياسة الإقصاء التي مارسها النظام السابق لا يجوز لهم أن ينعموا بالسلطة على حساب تضحيات ودماء الأبرياء الذين قدموا أرواحهم قرباناً للتغيير نحو الأفضل, وأكثر من ذلك لا يجوز لهم ممارسة الإقصاء والتهميش والتمييز .
هؤلاء ناشدوا طويلاً شرفاء النظام السابق والحزب الحاكم السابق بالانضمام بركوب سفينة التغيير، حتى إذا ما حصل التغيير تحوّل شرفاء النظام السابق ممن ضحى كثير منهم بمصالحه من أجل موقف تاريخي وضمير وطني, أصبح هذا الطابور الشريف مجرد كمالة عدد، وعبّارة مر من خلالها أولئك المتشدقون بالتغيير وصولاً لتحقيق مآربهم وإحلال كوادرهم محل البقية أياً كانت كفاءة ونزاهة هذه البقية.. وليس هذا هجوماً كاسحاً أو ثورة مضادة كما يحلو للبعض وصف كل نقد، ولكنها كلمة حق وتذكير بوعود لا يجب أن تتبخر, وتحذير من مصير أشبه بمصير النظام السابق إذا استمر هذا الحال الأعوج .
في الجمعة 26 أكتوبر-تشرين الأول 2012 07:31:53 م