|
هذا الصباح عشت لحظات إيمانية مع علامات آخر الزمان وقيام الساعة.
ثم استمعت لفيلم وثائقي عظيم حول الموضوع نفسه.
ولا زلت أجهش بالبكاء، والرجل يروي والصورة تتحدث حتى قلتُ: ليته سكت.
كانت الخلاصة على الشاشة:
.. ولا بد أن تؤخذ هذه العلامات مأخذ الجد، وينظر إليها نظر المستبصر.
قبل 13 عاماً عندما تخرجت من الثانوية العامة حصلت على منحة دراسية إلى كندا ضمن منح كنديان أوكسي، أصبحت فيما بعد إلى نيكسن. كان اسمي في رأس القائمة، وكنت فخوراً بما صنعته.
في واحد من أيام ذلك العام كنت أتجول في شارع جمال، تعز، وكنت على وشك الانتهاء من كتاب «العلوم الذرية في التراث الإنساني». أمام جامع العيسائي قرأت لوحة إعلان: يحاضر الشيخ قاسم أحمد عقلان حول «حصار العراق من علامات قيام الساعة ومقدمة لتدمير إسرائيل». تحدث الرجل عن قيام الساعة الوشيك. عن العلامات النهائية. خرجت من المسجد مكتئباً على نحو لا يصدق. سينهار سقف العالم، فلا داعي للسفر إلى كندا.
حتى الآن لم تدمر إسرائيل، ولم تقم الساعة، ولم أسافر إلى كندا.
أما هذا الصباح فقد قال لي الفيلم الوثائق أموراً خارقة. اعتمد في الأساس على كتابات هارون يحي. وهارون يحيى رجل مسلم ينتج كتاباً كل 72 ساعة. ليس أسرع من الكوكاكولا، لكنه يشبهها من جهة أنه يصعب عليك التأكد مما إذا كانت الكوكا كولا مفيدة أم لا.
قال الفيلم الوثائقي العظيم إن علامات الساعة قد ظهرت كلها، عن بكرة أبيها. أو: على بكرة أبيها، أو مع بكرة أبيها.
فقد انشق القمر، كما في سورة القمر. قال الرجل المؤمن الذي تحدث عن قيام الساعة:
كلمة شق في اللغة العربية تعني حفر، وانشق القمر أي انحفر. وقد حفره الأميركان سنة 1969م عندما بدأوا إجراءات البحث العلمي، هكذا يقول الفيلم الوثائقي العظيم المخصص في الأساس للمؤمنين، على شاكلة أولئك القادرين على أن يشربوا جرعة من بول الإبل للعلاج من الإشريكيا كولاي.
استند إلى ترسانة مخيفة من الأحاديث: مسلم، البخاري، الطبراني، الحاكم. وكتاب عجيب اسمه «البرهان في علامات آخر الزمان»..
لا تقوم الساعة حتى يكفر بالله جهراً،
لا تقوم الساعة حتى يتفشى شرب الخمر
لا تقوم الساعة حتى ينتشر الجهل والهرج، اي القتل.
ثم اجتهد الفيلم لكي يصف عصر ما بعد الدي إن إيه، والهوغز، والكوارك، عصر التصوير بكاميرا الفيمتو بأنه «زمن الجهل السابق لقيام الساعة»..
ثم فجأة اقتحم الصمت بعلامة جديدة عن آخر الزمان وقيام الساعة:
يؤتمن فيها الخائن.
لا أدري كيف سيشرح هذه الفكرة العبقرية للناس في اليابان وألمانيا، حيث لا سيادة سوى للقوانين والنظم، ولا معنى لأي قيمة سوى ما توافق مع الضوابط المنظوماتية بصرف النظر عن مضمونها الأخلاقي. فالأخلاق هي ما تعترف به القوانين المحلية وتجيزه، أما الفساد فكل ما لا يتفق مع القوانين، بصرف النظر عن مرجعيته.
استعرض صورة ضخمة لنيويورك.
لم ير منها «علماء قيام الساعة» أي معنى، لم تثر فيهم أي دهشة، وبلا استجابات منطقية تعاملوا معها. إنها فقط: علامة صغرى من علامات قيام الساعة.هذه العلمانية المفرطة، العلمانية الشاملة التي يمارسها مشائخ الزمن الراهن خطرة على نمو المجتمعات. إنهم يعملوا بقسوة ووحشية ومثابرة منقطعة النظير لأجل خلق نموذج المسلم الأحادي، المنفصل عن العالم، وليس فقط عن السياسة. يتحسس التكنولوجيا والتقانة باعتبارها «بروكسي» يطل على الآخرة. قوطي، متشح بالقينيات النهائية، مستسلم لغيب غير محدد المعالم.
يعتدون على نحو بشع على مشاعر المستمعين، يبتزونهم درامياً وعاطفياً حتى ينفجروا بكاء ونحيباً. ليكتشفوا مع مرور الزمن أن ذلك القدر الضخم من النحيب والبكاء كان مجرد رياح تائهة لم تؤد إلى شيء، وأنهم انفعلوا كثيراً خارج الزمان، خارج المنافسة الحضارية، وأن بكاءهم كان علمانياً محضاً: فهو منفصل عن كل قيمة عملية ومعرفية.
قال علماء زمن قيام الساعة إن الساعة على وشك أن تنفجر، وأن علامتها الأكيدة ذيوع الجهل.
هنا فقط كدتُ أن أصدقهم.
thoyazan@yahoo.com
في الإثنين 08 أكتوبر-تشرين الأول 2012 06:36:45 م