|
تناقلت وسائل الإعلام الرسمية أمس خبراً مفاده أن اللجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني أدرجت موضوع زواج الصغيرات على جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني، المقرر انعقاده منتصف نوفمبر المقبل، إذا لم تطلب اللجنة الفنية تمديد أعمالها، نظراً للإشكاليات التي اعترضتها وعدم استكمال وتصحيح تركيبتها حتى اللحظة.
وبمناسبة إدراج بند زواج الصغيرات على أجندة الحوار، والتي لا أفهم شخصياً كيف لها أن تتم على طاولة الحوار، وهي ظاهرة أمكن للقضاء أن يفصل فيها، وهذا ما حدث في في قضية الطفلة المشهورة نجود وأخواتها الأخريات شريكات الظاهرة.
وكيف سيكون الحوار فيما يتعلق بموضوع يتجاذبه طرفان، طرف ينظر إليه نظرة دينية أو تقليدية بحتة، وكأنه أصل من أصول الدين، وآخر حقوقي لا يقبل المساومة حول تحديد سن الزواج.
الأمر لا يقبل الجدال والنقاش بالنسبة للطرفين.. ولا مجال لحل وسط مرضٍ لهما.. كما أعتقد.
هل سيقتنع الشيخ عارف الصبري أو الشيخ محمد الحزمي أو الشيخة أسماء الزنداني أو والدها أو أخوها مثلاً بتحديد سن الزواج دون الثامنة عشرة، حتى إن أقر بإجماع المؤتمرين؟!
تلك الشخصيات هي التي تجاهر برفض القانون، وتصور على أنها تمثل حزب الإصلاح، فيما هناك قوى تقليدية ودينية أخرى بأيديولوجيات دينية مختلفة تتفق في رفض تحديد سن الزواج وسيكون لها جولة في حلبة الصراع حول سن الزواج، حتى وإن ادعى بعضها مجاملة الحداثة والحقوق لاعتبار بسيط هو أن طرفاً تصدى علانية للمهمة.
عندها لن يقدر حجة اليمنيين ومنقذهم جمال بن عمر على إقناعهم بذلك، ولا أود مصارحته بما سينبز به من ألقاب وأوصاف إن فعل، أو إن أقرت نتيجة كتلك في مؤتمر الحوار.
في الجانب الآخر هل ستقتنع أمل الباشا أو توكل كرمان، أو بلقيس اللهبي أو سامية الأغبري، بتزويج قاصرات السن دون الخامسة عشرة؟!
أتذكر أن من بين من تبنوا قانون تحديد سن الزواج نواباً عن حزب الإصلاح بينهم الدكتور نجيب سعيد غانم، وشوقي القاضي، وللأول نظرته المهنية المتعلقة بالأضرار الطبية لزواج الصغيرات، والتي تصل حد الموت، وللآخر نظرته الحقوقية كما الناشطات السابقات وغيرهن كثير.
قطعاً لن يقبل أي من الفريقين بنتيجة الحوار حول هذه القضية إذ لم تتضمن خلاصة موقفه، ولن يكون ملزماً بتنفيذها أو عدم معارضتها مستقبلاً، خصوصاً أننا نعيش بيئة اجتماعية تقليدية للغاية، وهذا الأمر محل لا مبالاة الغالبية ممن لا يكترثون لعمر الفتاة أساساً، وربما يتفننون في البحث عن الأقل سناً دون أدنى اعتبار للتبعات الصحية.
المسألة صحية وإنسانية بحتة وبحاجة إلى تشريع قطعي، وليس إلى تفاوض وأخذ ورد.
زواج الصغيرات ظاهرة بحاجة إلى دراسة من كافة جوانبها، صحياً واجتماعياً وإنسانياً ودينياً، وقانونياً، ودراسة تجارب الدول الأخرى ومقارنتها وربطها بالمتغيرات في أرقام الوفيات لدى الأمهات والأطفال، والمتغيرات في مؤشرات الصحة العامة التي لا أفهمها أنا، كما معظم علماء الدين والحقوقيين.
وبناء على الدراسة ستكون الحاجة إلى تشريع قانوني واضح، لا يخضع حياة الناس، أو حرياتهم للمزاج.
لكن التشريع القانوني بحاجة إلى دولة، إذ لدينا عشرات القوانين المتميزة، لكنها حقيقة ليست أكثر من شعارات دعائية لا تتجاوز أغلفتها، فيما الواقع هو قانون المزاج ذاته.
والدولة هي الأخرى بحاجة إلى ترشيد وبسط نفوذ على كل عقال الحارات والأمناء الشرعيين، والفقهاء، والسادة، وشيوخ الضمان، وأمناء السر، الذين يتولون مهمةالعقد.
من هؤلاء من لا يدركون شيئاً عن مقتضيات الزواج سوى قراءة بضع آيات قرآنية لحظة قيامه بتغطية أيادي العريس وولي أمر العروسة أو من ينوبهما، بـ”الغترة”، ووضع يده فوقها، وتلقين ألفاظ الايجاب والقبول، والاختتام بالدعوة للمعاشرة بالمعروف أو تسريح بإحسان، ثم يطلب منهم “نفش الجعالة” على الحضور لكي “يطرح ربي البركة”، دون أن يتحقق بشيء حول هوية العروس وأحيانا العريس، ناهيك عن سنهما وأهليتهما للزواج.
والدولة بحاجة إلى مواطن واع بحقوقه والتزاماته، وما ينفعه او يضره، ومسؤولياته تجاه نفسه ومن يعول.. وتلك مسؤولية الدولة كما هي التزام انساني منوط بجماعات تتولى التوعية بحقوق الانسان بما فيها حقوق الاطفال والمهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة.
والمواطن، في هذا الشأن، بحاجة إلى سجل مدني محترم ونزيه ودقيق، يرصد حياته من صرخة الولادة، إلى شهقة الموت، وتبنى عليه العديد من الحقوق والالتزامات المبنية على السن، ابتداء بإلزامية التعليم ومجانيته، والضمان الصحي، إذ يستطيع أي شخص فينا أن يستخرج لولده -ذكراً أو أنثى- ذي الـ 12 ربيعا بطاقة شخصية بل وجواز سفر بعمر مضاعف، على ان متولي عقد القران حالياً لا يشترط وثائق رسمية للزواج خصوصاً في الأرياف.
حقوق الصغيرات والصغار والكبار بحاجة إلى دولة رشيدة ومنظومة قانونية متكاملة ونافذة وليست شكلية، وأكثر إلى تنمية الثقافة الاجتماعية بحقوق الاطفال وخطورة زواج الصغيرات والصغار.
يستند البعض في ادراج موضوع زواج الصغيرات ضمن اجندة الحوار إلى فقرة في القرار الجمهوري الخاص بتشكيل اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار، أشارت إلى حقوق الطفل، فكان أن ادرجت ظاهرة زواج الصغيرات فقط، فيما تبقى حقوق اخرى مهدرة لا تقل اهمية عنها كتجنيد الأطفال، وعمالتهم، وتهريبهم، والعنف ضدهم.. فيما تبقى القائمة متسعة حول ظواهر ومعضلات اجتماعية ، بل وانتهاكات أخرى فظيعة، كقضية المهمشين مثلاً والذين هم أولى بالحضور من كثير من القضايا الأخرى، خصوصاً أن الامر متعلق بعنصرية اجتماعية لازالت تمارس ضدهم على مختلف المستويات، وهم ذاتهم للاسف طرف في تأكيدها.
قطعاً لن يكون الحوار حلاً لكل مشاكلنا، والمجال متاح لمعالجة كثير من الاشكاليات في مشروع الدستور الجديد الذي يفترض ان يؤكد على حفظ واحترام حقوق الانسان بشكل عام.
هناك شيء آخر اسمه دولة ونظام وقانون ينبغي أن تفرض نفسها في كثير من القضايا، وتضع حداً لكثير من السلبيات.
في الثلاثاء 11 سبتمبر-أيلول 2012 06:53:55 م