|
هل من المنطقي أن ينطق لسان حال أغلب اليمنيين بتساؤل مفاده: مع بداية أيام شهر رمضان المبارك من أين سيأتي عشاؤنا؟ ومن هي الدولة الكريمة التي ستتبرع لنا بالإفطار؟ وهل يتسق كل هذا الفقر المدقع مع ما تتمتع به اليمن من ثروة بشرية ومعدنية وسياحية؟ وهل تستقيم تلك الأوضاع مع ذلك الحرص السياسي المتمثل في استعانة بعض القوى السياسية بدول إقليمية وأجنبية مقابل حصول تلك القوى على الأموال؟ هكذا انطلقت تلك الأسئلة كطلقات الرصاص مع أول يوم من رمضان باحثة عن استقرار سياسي واقتصادي باتا في حكم المستحيل، خاصة وأن ظاهرة قطع الطرقات طالت المدن الرئيسة كما أن ظاهرة حركات التمرد والانفصال تتسع يوماً فيوم.
ولست بحاجة للقول: إن حكومة الوفاق الوطني هي المسؤولة عن كل ما يجري فقد تحولت من حكومة وفاق إلى حكومة مأزق ظهر ذلك جلياً في القضية المثارة بين الشيخ الشايف عضو مجلس النواب ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، حيث نسيت الحكومة أن هناك ما هو أهم من التنابز بالألقاب قضية الكهرباء وأزمة المياه وارتفاع معيشة الناس وأسعار الديزل والاختلالات الأمنية، وتعطيل انتخابات مجلس الشفافية لمراقبة الصناعات الاستخراجية وتعثر تعيين سفراء في الخارج وملحقين ثقافيين وبقاء العاصمة مقسمة إلى ثلاثة أقسام وتخزين السلاح في مدينة عدن وبقاء المليشيات المسلحة تجوب شوارع المدن الرئيسة وخاصة تعز.. كل ذلك لم يكن من الأهمية كأهمية ما قاله الشايف ليعقد مجلس الوزراء جلسة طارئة.. إن من يمتلك اليوم السلاح والمال والعصبية القبلية والحلفاء هو الذي يكسب الحكم.
ولست أدري أين هم المثقفون والإعلاميون ومن صموا آذاننا بالدولة المدنية؟
لماذا لايرفعون أصواتهم ضد أولئك الذين يحملون السلاح ويسعون للاستيلاء على ما تبقى من السلطة.
لقد أسقطت فكرة الدولة، وأول ما اختفى منها النظام والقانون، وتأججت طموحات الانفصال! لقد أقلع المثقف عن دوره الثقافي مما أدى في مجتمع قبلي إلى انتهاك خطير للعقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع, وهو الذي أدى بدوره بقطاعات كبيرة من المجتمع القبلي إلى أن يقلع عن التزامه وولائه للدولة.
أعود فأقول: إن حكومة الوفاق صمتت عن قضية التسول الكبرى التي أهانت الشعب اليمني في الأسواق والمولات في الخارج، بالأمس كانت بعض الأحزاب تجمع التبرعات من اليمنيين لإخواننا في فلسطين والبوسنة والهرسك, واليوم تتلقى هذه التبرعات وتحيلها إلى المنظمات التي تتبعها ليتم توزيعها على أعضاء الحزب فقط، أما الفقراء الحقيقيون فلم يحصلوا على أية مساعدة حتى يحضروا البطائق الحزبية التي تثبت أحقيتهم، وبالتالي شرعية حصولهم على المساعدات للظهور فقط.. كم طفلاً أو شيخاً أو امرأة أو فتاة تعرضوا لأمراض وجوع وعري وربما موت من جراء تخم تجار السلاح والدين والذين يتقيأون شبعهم رصاصاً قاتلاً, البعض يموت لمجرد أن اسمه ليس مسجلاً في الجمعيات التي تتبع بعض الأحزاب, لذلك فهو لايستحق المعونة, وآخرون يحصلون على كل شيء بل ويصبحون أصحاب ثروة على حساب الفقراء.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل دولة الإمارات عاجزة عن تقديم مليار دولار للبنية التحتية في اليمن بدلاً من فتح باب التسول في الأسواق للحصول على خمسة ملايين درهم؟ لماذا تقبل حكومة الوفاق إهانة هذا الشعب بهذه الصورة؟ وهل تخيلت هذه الحكومة أن أناساً طالت الحرب بيوتهم وهدمتها سواء في صنعاء أو أبين أو تعز وهم بالكاد يعرفون القراءة والكتابة, وليس لديهم خزائن حديدية يحتفظون فيها بمستندات أو أصول ملكية فتأتي الجمعيات الإصلاحية تطالبهم بأن يقدموا ما يثبت أهليتهم لأن يحصلوا على معونة؟ ألا يكفي ما هم فيه من مهانة وقهر وذل, لكي يكون في ذلك كفاية عن مطالبتهم بأن يكونوا ضمن حزب الإصلاح.
إن استمرار الحكومة الراهنة بالكيفية القائمة سيوسع من الاختلالات الأمنية وأعمال العنف وتعطيل السلك الديبلوماسي, بل ستشعل شرارة مفاجئة في العنف المناطقي وعنف التمرد, وستحول اليمن من انحدار تدريجي في الأزمة إلى تدهور سريع ذي عواقب وخيمة إنسانياً وسياسياً وأمنياً.
ويمكن أن يبرز سيناريوهان محتملان:
1 – فوضى تؤدي إلى تقسيم، فمع حدوث تدهور في قدرة الحكومة على أداء وظائفها تنهار الخدمات الأمنية, وهذا الانهيار من شأنه أن يولد عنفاً ضارياً.
2 – الاستمرار بهذه الكيفية سيؤدي إلى تجزئة للسلطة على نحو فوضوي، إذ من الواضح أن ظهور نمط من السيطرة المحلية والمعرضة لتقلبات مستمرة من شأنه أن يمثل أكبر إمكانية لعدم الاستقرار, حيث يمتزج العنف السياسي– المناطقي في أقصاه مع صدامات داخلية بين بعض مكونات اللقاء المشترك الآخذة في الضعف وخاصة تلك التي تحمل نزعة العداء لأمريكا أو تلك التي تحمل التعصب المناهض للحوثيين, إذا استمرت هذه الحكومة فلن يرجح لقوات الأمن أن تبقى على قيد الحياة كمؤسسة وطنية غير حزبية وسيحاول تنظيم القاعدة التخطيط لمزيد من الهجمات وإحداث فوضى سياسية.
- الجمهورية
في الإثنين 23 يوليو-تموز 2012 12:54:28 ص