|
ومن خلال القرار يتضح أن أي من الأطراف السياسية لن يستطيع التحكم في مسار الحوار , وبطبيعة الحال فإن تشكيل اللجنة الفنية سينعكس بالضرورة على تشكيل لجنة الحوار نفسها , خصوصاً أن اللجنة الفنية ستصبح بتشكيلها وآلياتها ولجانها هي نواة لجنة الحوار في شكلها النهائي .
تشكيل اللجنة خفف من حدة المحاصصة المتبعة منذ التوقيع على المبادرة الخليجية والمحصورة بين طرفي الأزمة وأدخل مكونات جديدة ظلت بعيدة عن المشهد السياسي لفترة طويلة , وجاء ادخالها هذه المرة بفعالية وليس بشكل هامشي كما حصل سابقاً في لجنة الحوار الوطني أو المجلس الوطني للثورة .
كما أن من حسنات القرار الجديد أنه استبعد المشايخ والعلماء من الذين كان يتعمد أحد الاطراف السياسية اشراكهم بتلك المسميات تمهيداً لاستحواذه على الأغلبية وكشكل من أشكال التحايل علي بقية الأطراف .
إلا أن تشكيل اللجنة أظهر استبعاد لشباب الساحات والذين شكلت لجنة وزارية خاصة من أجل التفاوض معهم, وجاء استبعاد الشباب ليتم اللعب على المكشوف وانهاء تبادل الأدوار بين القوى السياسية وشبابها , خصوصاً ان هناك رفضا قاطعاً من البعض لإشراك شباب المؤتمر في الحوار على اعتبار أنهم ليسوا من شباب الثورة ولم تكن لهم مطالب من الأساس , وهذا الرفض قد يكون مبرراً لو أن المبادرة الخليجية اعترفت بالثورة , لكن مختلف الاطراف - ما عدى الحوثيين والحراك وبعض اليسار - قبلت التسوية السياسية معترفة ضمناً أننا في أزمة أو أن الثورة لم تصل الى مرحلة القدرة الذاتية على احداث التغيير المنشود , وشكل استبعاد الشباب مخرجاً ذكياً لهادي لأنه كان من المستحيل عليه اشراك شباب باسم الثورة متجاهلاً في نفس الوقت شباب حزبه , معتبراً أن شباب مختلف التيارات السياسية ممثلاً في اللجنة بقيادات التيارات نفسها , الا ان ذكر القرار للحركات الشبابية كجهة ممثلة في الحوار كان مبهماً وفيه قدر كبير من المراوغة والالتفات على وعود سابقة باشراك الشباب , فلم يحدد ماهي تلك التكتلات لنعلم حجمها ولا منهم الشباب تحديداً الذين تم اختيارهم بناء على هذا المعيار ولا ما هي الألية التي اتبعت , وكان من الأفضل استبعاد ذكر التكتلات الشبابية على اساس ان جهاتهم السياسية تمثلهم ولا داعي للتستر باسمهم , كما كان من المفترض على هادي اشراك تكتلات الشباب الغير ممثلين بجهاتهم والذين أظهروا تباعداً حقيقياُ مع تياراتهم وليس تبادل أدوار , واقصد بذلك تحديداً جبهة إنقاذ الثورة اضافة الى بعض التيارات الشبابية المستقلة بشكل حقيقي وكان يمكن استيعابهم في الحوار تحت مسمى جديد " التكتلات الشبابية المستقلة " , لكن ضيق الوقت والخوف من تكرر مشاهد خلافات الشباب إضافة الى حاجة هادي الى شباب في اللجنة يكونون ممتنين وبالتالي منتمين له أكثر من امتنانهم وانتمائهم لتياراتهم , كل ذلك دفعه الى اختيار البعض بناء على معاييره الخاصة التي لم تكن أبداً تعبيراً عن ساحات الثورة مع تقديري العالي لمن تم اختيارهم .
الا أن أروع ما في التشكيلة الجديدة هو التنوع المذهل والمعقد بين شخصيات تمثل جهات سياسية في انتمائها لكنها قد تساند قضايا وأطراف أخرى مثل القضية الجنوبية أو قضية صعده بحكم انتمائها الجغرافي أو قربها من تلك الأطراف , وان ظهر من التشكيلة أن الغلبة فيها لطرفي الأزمة ( المشترك والمؤتمر ) الا أن ذلك التنوع قد يغير الكثير من الحسابات .
كما أن تمثيل المرأة كان جيداً نسبة الى حجم تواجدهن في المشهد السياسي , وكذلك تمثيل المنظمات كان ممتازاً وقوياً .
قد تظهر الكثير من الاعتراضات على اللجنة من بعض الجهات لعدم تمثيلها مثل بعض الأحزاب القديمة والجديدة وبعض التيارات الاصولية ومراكز القوى التقليدية التي تعودت تمثيلاً مستقلاً بها بمعزل عن تياراتها السياسية , وللرئيس عذره في كل ذلك فالجميع مُمَثل اما عن طريق جهته او جهة قريبة منه أو من أفكاره , ومن المستحيل تمثيل الجميع في 25 شخصية , اضافة الى أن هادي أظهر حكمة في استبعاد بعض الشخصيات والتي لها ماضٍ قد يكون محرجاً حتى لأحزابها , وفي كل الأحوال فإن إرضاء الناس غاية لا تدرك .
وبالانتقال الى مضمون القرار بعيداً عن اشخاص اللجنة يمكننا تسجيل الملاحظات التالية :
1 ) جعل القرار المبادرة الخليجية هي المرجعية في كل شيء وأعطاها قدسية لا تستحقها بل لم تنص عليها حتى المبادرة الخليجية نفسها , فلا يتوجب علينا أن نكون رهينة للمبادرة وفي نفس الوقت لا مانع من التعامل معها كأمر واقع , الا أن شرعية الحوار وما ينتج عنه يفترض أن تكون أقوى من شرعية المبادرة .
2 ) اعطى الرئيس هادي نفسه الحق بأن يكون الفيصل في أي قرار يُختلف عليه ولو اعترض عليه حتى شخصان , ومعنى ذلك أن هادي منح نفسه صلاحيات لا حدود لها تتناقض مع مبدأ الحوار الذي يفترض توافق القوى الرئيسة عليه لا أن يتحكم به فرد واحد مهما على شأنه .
3 ) لم يكن القرار مغرياً لبعض الأطراف الجنوبية الرافضة للحوار , حيث لم يقدم لها أية ضمانات بإنجاح الحوار وحل عادل للقضية الجنوبية مقابل تخليهم عن بعض الشعارات التي حاصروا أنفسهم بها , خصوصاً في ضل استمرار سيطرة الأطراف التي شاركت في حرب 94 م على الأجهزة الأمنية والعسكرية بل وحتى المدنية , مما يشكل حاجزاً نفسياً حقيقياً أمام تلك الأطراف يحول بينها وبين الحوار , لأن نتائج الحوار وكما هو معروف انعكاس للقوة على الأرض .
4 ) ظهر تهميش غير مبرر لقضية صعده في الفقرة 2 " د " من المادة 2 المتعلقة بالنتائج التي يجب ان يتوصل اليها الحوار والتي نصت على : " يعالج مؤتمر الحوار الوطني الشامل مختلف القضايا ذات البعد الوطني، بما فيها أسباب التوتر في صعدة " , ولا أدري هل من صاغ تلك العبارة على علم بالحروب الست والدمار الهائل واعداد الضحايا الذين بالآلاف ؟ وهل ما حصل في صعده توتر ولم تعقبه أحداث جسام , أم ان المقصود معالجة اسباب التوتر الحالية بمعزل عن الحروب الست ؟ تلك العبارة كانت ملائمة قبل الحرب الاولى عام 2004 م وليست ملائمة أبداً اليوم , وهذا مؤشر خطير على أن هناك ضغوط غير مفهومة باتجاه تهميش قضية صعده , متمنياً أن أكون مخطئ في ذلك .
" نقلاً عن صحيفة الجمهورية "
في الثلاثاء 17 يوليو-تموز 2012 11:05:06 م