لهذا نقف مع الرئيس .. ماذا بعد أن انطوى عهد الرئيس
كاتب/نصر طه مصطفى
كاتب/نصر طه مصطفى
( 1 ) : لهذا نقف مع الرئيس !

بقلم/ نصر طه مصطفى : 26 أغسطس 2006م

تدهشني كثيرا مواقف بعض إخواننا في المعارضة عندما يعتقدون أنه لم يعد في سجل الرئيس علي عبدالله صالح ما يجعلنا ندافع عنه وندافع عن مواقفه، ولذلك يلجأون بعضهم بوعي وأغلبهم بلا وعي إلى اتهامنا بالتزلف والتملق والخوف على مناصبنا (!) وكأننا لا ننطلق في دفاعنا عن الرجل ومؤازرتنا ومساندتنا له ولمواقفه من قناعة ويقين وصدق.
وإخواننا هؤلاء -مع كامل احترامي الشخصي لهم سياسيين وصحفيين- يمارسون علينا من حيث يعلمون ولا يعلمون إرهابا فكريا غير معقول ويقعون ببساطة فيما يتهمون الطرف الآخر بممارسته، وكأنه لا يمكن لأحد أن يقف مع الرئيس علي عبدالله صالح إلا إذا كان متزلفا ومن حملة البخور... فهل الذين اختلفوا معه الآن بعد أن وقفوا معه - أحزابا وأفرادا - طوال ربع قرن كانوا متزلفين ومنافقين وحملة بخور؟! وهل الذين كانوا ضده طوال سنوات طويلة ثم وقفوا إلى جانبه الآن أصبحوا متزلفين بعد أن كانوا أبطالا في نظر البعض؟!
أظن أن على هؤلاء البعض أن يعيدوا النظر في أحكامهم التي تستند إلى معايير سياسية بحتة وليس إلى معايير موضوعية تنظر للصورة من كل زواياها، لأنه لايمكن النظر إلى طرف ما أو شخص ما بأنه شر خالص والآخر خير خالص... هذه أحكام تتصادم ليس مع الفطرة البشرية وسنن الله في خلقه فقط بل تتصادم كذلك مع نصوص الشريعة الإسلامية وآدابها وأحكامها... أقول هذا من منطلق ما يمكن أن يسمعه أو يقرأه المرء من انطباعات حول آرائه منطلقاتها مواقف مسبقة وليست مواقف منهجية موضوعية...
يتذكر الكثيرون أني أصدرت كتابا عن الرئيس علي عبدالله صالح عام 1999م أي قبل سبع سنوات فقط وأنصفته إيجابا وسلبا وكنت حينها عضوا في مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح الذي كان قد خرج وقتها إلى صفوف المعارضة، ولم اسمع في ذلك الوقت أي انتقاد أو ملاحظة على آرائي لأن أولئك البعض كانوا يقرأونها بعين الرضا ... واليوم عندما أقف منافحا عن الرجل نفسه فلم أزد شيئا عما قلته ذلك الحين ليس فقط لأن قراءتي له ولشخصه كانت ولازالت منطلقة من استقراء أحرص أن يكون متوازنا وموضوعيا لكامل الصورة (الرئيس والمجتمع والدولة والأحزاب والمحيطين الإقليمي والدولي) بل كذلك لأن هذه الصورة بتفاصيلها لاتزال تقريبا كما هي مع اختلافات طفيفة وليست جوهرية!
نحن مقدمون على انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية هذه المرة وليست صورية فهل نستطيع الحفاظ على أخلاقيات التنافس؟! سؤال أنضم في إجابته إلى الزميل نبيل الصوفي الذي تمنى أن تحافظ هذه الانتخابات على مستوى لائق من أخلاق التنافس ... وهذا يقتضي من الجميع هدوء النفس والأعصاب واللياقة في التناول والخطاب، وإذا كنت أنا أول من يدين ويرفض أي تناول غير لائق من صحف المؤتمر لشخص الأستاذ فيصل بن شملان مرشح أحزاب المشترك، فبالضرورة لابد أن أرفض أي تناول غير لائق لشخص مرشح المؤتمر الرئيس علي عبدالله صالح، بل إن كيفية التعاطي مع شخص الرئيس بالذات ستوضح الفارق بين من يملكون القدرة على قراءة الأمور بعمق وهدوء ولياقة وبين القراءات المزاجية الانفعالية التي تقرأ الصورة من زوايا محددة فقط باعتبار أن لدى الرئيس في سجله من الإيجابيات والسلبيات عبر تاريخ سياسي طويل ومفتوح للجماهير ليس فيه أسرار أو خفايا ما يمكننا من قراءته قراءة موضوعية... فمن سيقول أن الرئيس بلا أخطاء فهو كاذب ومنافق بلاشك لأنه بذلك يصادم فطرة الله وسننه في خلقه، وبالمقابل فإن من سيحاول إقناعنا بأن أخطاءه أكثر من نجاحاته فقد جافى الحقائق على الأرض والواقع، لأن الأمر لو كان كذلك فعلا لكان البلد قد انتهى وسقط وتجزأ منذ أمد!
في قراءتي العدد الماضي لسنوات حكم الرئيس الثمان والعشرين ناقشتها من الزاوية التي يحاول البعض أن يسيء إليه منها... فهم في الوقت الذي يرفضون فيه كل أمر مرتبط بسنوات التشطير بما في ذلك ذكرى السابع عشر من يوليو التي يعتبرونها ذكرى شطرية يعودون في نفس الوقت ليحتسبوا تلك السنوات من سنوات حكمه، وهي من سنوات حكمه فعلا لكنها تختلف شكلا وموضوعا عما بعدها أي مرحلة قيام الجمهورية اليمنية في عام 1990م... لأننا عندما نقف مع تاريخنا المعاصر بالقراءة والتحليل يجب أن نحرص على المصداقية وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن نضع كل مرحلة في موضعها الطبيعي بكل ما نستطيع من الحياد والجدية، فنحن في كثير من الأحيان نسيء لأنفسنا ولصورتنا أمام الآخرين بل وأمام أجيالنا الجديدة التي من حقها أن تعرف الأمور كما هي فعلا لا كما نريد نحن...
فمن ينكر أن الرئيس علي عبدالله صالح هو صاحب أهم منجزات استراتيجية في تاريخنا المعاصر منذ قيام الثورة اليمنية... من ينكر انه صاحب قرار العفو العام في عام 1982 وإغلاق ملف المعارضة المسلحة ؟ ومن ينكر أنه صاحب إطلاق أول تجربة تعددية صحفية من خلال صدور صحف الأمل والشعب والصحوة خلال الثمانينات؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار استخراج النفط؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار استقلال القرار الوطني بعد أن كانت حكوماتنا تتشكل بالتشاور والفرض من الخارج؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار إعادة العمل بالدستور وإعادة السلطة التشريعية المنتخبة عام 1988م؟ ومن ينكر أنه كان ولازال أكثر قادة العالم العربي توازنا وتحررا في علاقاته الخارجية؟ ومن ينكر أنه صاحب الفضل الأول في قرار استعادة وحدة البلاد دون أن نقلل من دور الاشتراكي؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار الدفاع عن الوحدة ومواجهة مشروع الانفصال دون تقليل كذلك من دور الإصلاح وبقية القوى الوطنية؟
ومن ينكر أنه صاحب قرار قصر الرئاسة على دورتين انتخابيتين فقط؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار ضبط النفس في أزمة حنيش وتجنيب البلاد صراعا إقليميا حتى تم حلها سلميا؟ ومن ينكر أنه صاحب قرار حل أزمة الحدود مع السعودية رغم كل حساسية المشكلة؟ ومن ينكر أنه أكثر من دفع بكل شجاعة ثمن سلبيات برامج الإصلاح الاقتصادي رغم ضرورتها ورغم أنه برنامج لا تختلف مع ضرورته ومضمونه أحزاب المعارضة الرئيسية التي شاركت في صياغته في مراحل سابقة؟ ومن ينكر أنه الذي نجح في تجنيب اليمن ضربة عسكرية وشيكة في عام 2001م؟ ومن ينكر أنه بسياساته المتوازنة نجح في تحسين علاقات اليمن بأشقائه الخليجيين حتى أصبح الحديث عن انضمام اليمن لمجلس التعاون أمرا مقبولا بل وممكنا؟ الحديث يطول ويتواصل الأسبوع القادم إنشاء الله.

( 2 ) : ماذا بعد أن انطوى عهد صالح؟!

بقلم/ نصر طه مصطفى : 25 فبراير 2012م

اكتشفت وأنا أستعد لكتابة مقالي هذا على كمبيوتري المحمول أنه المقال الأول لي الذي أكتبه وأنشره في عهد رئيس لليمن غير علي عبدالله صالح... يا له من عمر طويل قضيناه في ظل حكم رجل واحد... إحساس غريب يتملك كل يمني كتب له أن يعيش في ظل عهد صالح كاملا وهو يستحضر مسارات حياته لأكثر من ثلث قرن ويكتشف فجأة أن عليه أن يسبغ صفة (الرئيس) على غير شخص علي عبدالله صالح... سنحتاج بعض الوقت في اليمن لنلحق صفة (السابق) عندما نتذكر الرئيس صالح وسنحتاج بعض الوقت لنسبغ صفة (الرئيس) على عبدربه منصور هادي بعد أن ظلت صفة (النائب) هي الأقرب إلى ألسنتنا حتى بعد أن انتخبناه رئيسا بعدد من الأصوات أكثر بكثير من تلك التي حصل عليها صالح ومنافسوه معا في انتخابات عام 2006م!
لقد أنجز اليمنيون ملحمة تاريخية عظيمة ببقائهم في الساحات العامة عاما كاملا يطالبون بالتغيير السلمي فأسقطوا كل مفاهيم الانقلابات والثورات الدموية والفوضى الخلاقة، وتوجوا ملحمتهم النضالية الخالدة بمنتهى الوعي بإقبالهم الكثيف على صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء الماضي لإعطاء ثقتهم للمرشح الرئاسي عبدربه منصور هادي رغم إدراكهم أنه كمرشح توافقي ووحيد سيفوز سواء بملايين الأصوات أو حتى ببضعة آلاف من الأصوات... لكن رسالتهم يوم 21 فبراير كانت واضحة... شيك ثقة على بياض منحوه لهادي يقابله سحب كامل للثقة من صالح الذي كان وأنصاره يتمنون أن يكون الإقبال على الاقتراع محدودا ليقولوا للناس فيما بعد أنهم لازالوا يحظون بثقة كبيرة من مواطنيهم... وأيا كانت الدوافع التي جعلت المواطنين يذهبون بتلك الكثافة للتصويت لهادي فإن القاسم المشترك بينهم جميعا كان الحفاظ على اليمن من الانجرار لأي فتنة تمزق أرضه وشعبه وتدخله في حروب وصراعات داخلية.
سيؤدي عبدربه منصور هادي اليمين الدستورية هذا الأسبوع كثاني رئيس للجمهورية اليمنية من جانب، ومن جانب آخر كمؤسس للجمهورية الثانية التي خرج الشعب اليمني ثائرا إلى الشوارع والساحات العامة من أجل قيامها وإنجاز حلمهم القديم في دولة مؤسسات مدنية تحترم الدستور وتعمل على سيادة القانون وتكفل المساواة والعدل والحريات والعيش الكريم... وسيطوي اليمنيون وإلى الأبد صفحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي يجب عليه اعتزال العمل السياسي كما يفعل كل الساسة المحترمون في الدول الديمقراطية عندما يخرجون من مواقعهم القيادية فكيف الحال وهو الذي خرج بعد ثورة شعبية عارمة فيما كان يخطط للتمديد لنفسه سبعة أعوام أخرى حتى العام 2020م... يمكن للرجل أن يؤسس بما يملكه من ثروة مؤسسة ثقافية أو علمية كبيرة بدلا من الحديث السمج عن قيادته للمعارضة أو ما شابه، فهو أحوج ما يكون للراحة من السياسة تماما كما تحتاج هي ذاتها أن ترتاح منه بعد هذا العمر الطويل في العمل السياسي.
سيجد الرئيس هادي أمامه مخلفات كبيرة من الدمار الإداري والمالي والاقتصادي والسياسي والاستثماري والأمني، وسيجد أمامه تركة هائلة من الفوضى العارمة في كل المجالات وانفلات أمني كبير وتردي غير مسبوق في الخدمات، وباختصار سيكتشف أن سلفه علي عبدالله صالح قد ترك له بلدا أسوأ من الحال الذي استلمه به في 17 يوليو 1978م... وهذا الدمار الهائل في مختلف المجالات كان سمة السنوات السبع أو الثماني الأخيرة ولذلك كانت الثورة الشعبية محصلة طبيعية وتلقائية للخروج من تلك الحال التي تسبب فيها نظامه... وهذه الثورة السلمية التي بلغت ذروتها يوم التصويت لهادي الثلاثاء الماضي بمنحه أكثر من ستة مليون صوت كما تقول التقديرات الأولية - عند كتابة هذا المقال صباح الخميس - قد منحت الرجل تفويضا كاملا لتنفيذ أهدافها في بناء دولة القانون والحكم الرشيد واستعادة روح اليمن وتعزيز تماسكه وإنجاز الحوار الوطني بأهدافه ومقتضياته الكبيرة والهامة بالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني.
منذ سنوات عدة لم يبدو اليمنيون بقدر كبير من التفاؤل مثلما هم عليه الآن... إذ أن إحساسهم بأنهم من فرض التغيير في قمة هرم السلطة بإرادتهم الشعبية منحهم قدرا كبيرا من الثقة بأنفسهم وأنه لن يستطيع أي حاكم بعد اليوم أن يفرض عليهم إرادته... كما أن إحساسهم بأن أحد أبناء المحافظات الجنوبية هو من يرأس دولتهم اليوم منحهم قدرا كبيرا من الاطمئنان على مستقبل وحدة بلادهم خاصة أنه رجل يحظى بسمعة حسنة ناهيك عن أن فترة الشهور الثلاثة الماضية أعطتهم انطباعا يقينيا بأن الرجل على قدر كبير من الحنكة والصبر والذكاء... وكذلك فإن إحساسهم بتعاطف المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي معهم منحهم قدرا كبيرا من الشعور بالأمان على مستقبلهم ومستقبل الأجيال الجديدة في اليمن، وأنهم بمثل هذا التعاطف الكبير والتفهم الدقيق لقضاياهم سيتجاوزون عنق الزجاجة من جميع النواحي... ولذلك كله فإن رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ورئيس وزرائه محمد سالم باسندوه يقفان أمام فرصة تاريخية لن تتكرر لتخليد إسميهما بالشروع الجاد في إعادة بناء اليمن أرضا وإنسانا... وبالقدر نفسه فإن شباب اليمن الثائر الذي أسقط الفساد والاستبداد على مفترق طرق وأمام لحظة تاريخية لن تتكرر إلا بعد عقود طويلة فإما أن تنجح ثورتهم في بناء الدولة المدنية الحديثة أو فإن اليمن سيشهد انتكاسة قاسية لا يعلم إلا الله كيف يمكن أن تنتهي... هذه اللحظة التاريخية هي التي ينبغي أن تجعل شباب اليمن يشكلون المعارضة الراشدة التي تساند مشروع بناء الدولة وتقف بصرامة ضد المشروعات التفتيتية الصغيرة واستمرار النمط السابق في إدارة شئون الحكم وهو الشيء الذي لا يمكن قبوله بحال من الأحوال.


في السبت 25 فبراير-شباط 2012 11:12:31 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=14&lng=arabic