|
أدت نتائج هذه الاحداث إلى بروز تحالفات خطيرة تُكمن خطورتها في قوة تأثير الانتماء المذهبي في تشكلها لتتجاوز البعد القبلي والانتماء السياسي واستطاعت هذه التحالفات بسطوة الانتماء المذهبي والديني تفتيت التحالفات السياسية والاجتماعية كأحد العناصر المكونة للمنظومة السياسية واستقرار الدولة، وأثبتت الوقائع أن التيارات السياسية كانت غطاء هش للتحالفات السابقة، لتبرهن بذلك قوة التأثير للانتماء الطائفي والمذهبي على مؤثرات الانتماء للتيارات السياسية.
وأصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم يجمعهم خندق واحد وأهداف سياسية بعضها مرحلية نابع من الرغبة في الانتقام وتصفية الحسابات بين قيادات القوى السياسية لإضعاف كلاً منهم الآخر بفرض قوة وسلطة المذهب الديني ، ووصل مستوى هذه التحالفات إلى طور أكثر خطورة يهدد مستقبل اليمن ودول الجوار.
ما يدور في اليمن من اقتتال بين المليشيات المسلحة يثير المخاوف من إنتاج واقع مدُمر للمجتمع، رغم ما يجمع عليه البعض حول اهداف الحروب المتفرقة في محافظات البيضاء، و اب ، و مأرب ، والجوف والحديدة ، كقيام جماعة الحوثي بمحاربة جماعة (انصار الشريعة )جناح تنظيم (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) .. إلا ان السعي لتنفيذها هذا الهدف بهذا السيناريو والنزعة التي تبديها جماعة انصار الله (الحوثيين) تجاه القبائل وأبناء مناطق جغرافيا القتال (الشوافع) ستكون له اضراره وآثاره المدمره الاشد خطورة على المجتمع، مقارنة بما سيلحقهُ الحوثيون من خسائر في صفوف تنظيم القاعدة في اليمن، نتيجة الحسابات الخاطئة ، مع التأكيد ان هذا لا يعني عدم محاربة تنظيم (القاعدة)، لكن بطرق ووسائل وتقنيات اقل تأثير على المجتمع وأكثر فاعليه لمحاربة القاعدة.
ان نتائج هذه الحروب ستخلق عوامل جديدة ستوظف تأثير الانتماء المذهبي لتأسيس تحالفات سلبية في مناطق وجغرافيا المذهب الشافعي ولا يستبعد ان تزيد من الالتفاف القبلي حول (أنصار الشريعة) واستغلال تنظيم القاعدة هذا الوضع الناتج عن اعمال القتال الذي تطغى عليه صبغة الانتماء المذهبي، والقيام بالتحريض ضد الطرف الآخر بذريعة ما تطلق عليه (محاربة الروافض) والخشية من اضعاف الاصطفاف القبلي والاجتماعي القائم لمحاربة الارهاب وتشجيع أبناء القبائل على احتضان عناصر القاعدة في مناطقهم.
اصبحت هذه الحروب ترسم واقعاً جديداً يكرس ثقافة الكراهية المذهبية بين أبناء الوطن الواحد، ومن الواضح ان جماعة انصار الله الحوثيين تراهن على ان محاربتها لتنظيم القاعدة قد يُسهل لها إعادة رسم الحدود بين المناطق الزيدية والشافعية كأحد اهدافها الطائفية لتمزيق الشمال عبر الحروب المذهبية، وفرض واقعاً جديداً لإخضاع سلطات الدولة والقبائل للمرجعية السياسية الدينية (الأثنى عشرية) ، وفي المقابل يُراهن تنظيم القاعدة على فرض هذا السيناريو لإيقاع الأبرياء في اعمال القتال والعنف في هذه المناطق كي تتحول إلى مناطق حاضنة له، للحصول على الحماية ، ولرفد صفوفه بعناصر جديدة.
ومهما اخفت جماعة انصار الله الحوثيين انشطتها في قالب جديد كمحاولة لإبعادها من دائرة الاتهام والترويج لمصطلح اللجان الشعبية ومحاربة القاعدة، وكذا اخفاء المليشيات الحزبية والدينية والقبلية لدورها التي اصبحت على مسافة قريبة من أنصار الشريعة والترويج لمبرر قتال القاعدة (للروافض) فإن ذلك لن يعفيهما من تحمل تبعات هذه الحروب وقتل الأبرياء.
الواضح ان اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي استبشر اليمنيون خيراً بتزامن توقيعه مع حلول فصل الخريف هذا العام ، على انه سيُسد الثغرات والإخفاقات لبعض مخرجات الحوار في ما يتصل بشكل الدولة وخيار الاقليمين وحق تقرير المصير للجنوبيين المرجح التوافق بشأنها وتضمينها في الدستور القادم .. إلا ان نشوة النصر وتمدد جماعة انصار الله الحوثيين بالطريقة التي تعاملت بها مع الشوافع للسيطرة على بعض المحافظات ، عكست هشاشة وإمكانية سقوط اتفاق السلم والشراكة الوطنية لتجاوزه بعض الخطوات التي كان ينبغي القيام بها قبل ابرامه لتُمهد للتهيأة للأوضاع لتنفيذه فيما بعد، بالنظر إلى ان شراكة القوة هي الطريق الاقصر إلى التمزق، والمصالحة قد تؤدي إلى شراكة متوازنة، الأمر الذي استشعر من خلاله الجيران خطورة الوضع في اليمن على الأمن الإقليمي والدولي في حال استمراره، أو سيطرة بعض الجماعات على باب المندب والممر البحري الدولي الذي تمر فيه أكثر من 21000 قطعة بحرية من سفن وناقلات نفط عملاقة سنوياً، بالإضافة إلى ما كشفته الوقائع بوقوع بعض الاطراف الموقعه عليه في دائرة الاتهام والمنتظر ان تصدر عقوبات دولية ضدها، بعد ثبوت تورطها في تضليل المجتمع الدولي، وهذا سيؤدي إلى تساقط بعضها كأوراق الشجر في فصل الخريف ، كما ستجد بعض الدول انها عاجلت بإعلان مواقفها المؤيده لحركة الحوثيين ، بعد ان باتت افعالها تؤشر على ان وجودها أصبح مصدر خطر يُهدد الأمن الإقليمي والدولي، ومنها (ايران( التي قد تشعر لاحقاً بأخطائها لدعم هذه الحركة في وقت لازالت تسعى فيه لإقناع الدول (الست) التي تفاوضها بشأن إغلاق ملفها النووي، ورفع أو تعليق العقوبات المفروضة عليها في المباحثات المزمع عقدها في 24 نوفمبر القادم .
في الختام ندعو كافة القوى والتيارات السياسية والدينية النأي بنفسها عن هذه الصراعات وتغليب مصلحة الوطن والأمن والسلام ، ومراعاة مصلحة الجميع بمختلف الاتجاهات والانتماءات الدينية والسياسية والقبلية، وإفساح المجال لإنجاح الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لإنقاذ اليمن من التشرذم والتمزق المذهبي.
Maqbas1@yahoo.com
في الإثنين 27 أكتوبر-تشرين الأول 2014 02:02:16 ص