|
-هناك ثلاث خطوات لتحقيق ذلك تتمثل اولاها في استبعاد المعلومات المضللة والثانية بحث مدى مصداقية ومنطقية المعلومات الغير مؤكدة والثالثة تجميع الادلة الواضحة ومعرفة مدى كفايتها في اثبات التهمة من عدمه على أي من الاطراف المشتبه فيهم ومدى انسجامها مع الهدف من العملية ومن هو الطرف الاكثر استفادة منها .
-اولا المعلومات المضللة :
-بالنسبة للمعلومات المضللة فتنطبق على الاخبار الغير واقعية اوالمتعارضة مع الحقائق على الارض كمحاولة نفي او التشكيك في صحة العملية ووجود محاولة اغتيال رغم العثور على نفق ضخم تم حفره بإمكانيات كبيرة ومهندسين يتمتعون بخبرات عالية في مجال الحفر وهكذا،وهذا الامر ينطبق على محاولة البعض اتهام الرئيس السابق بفبركة القضية،منطلقين في ذلك من عدد من المبررات التي يمكن تفنيدها بسهولة وكما يلي :
-تزامن الإعلان عن النفق مع وجود لجنة العقوبات في صنعاء واعتبارها محاولة من صالح للهروب من الاتهامات التي وجهها إليه فريق المحققين الدوليين وتصوير نفسه كضحية للإرهاب ,ولإثارة الشارع العام وتعاطفه معه،والتخفيف من الشبهات الكثيرة التي تدور حوله كأحد معرقلي التسوية واستحضار جريمة النهدين ،والحديث عن هوس صالح بالإنفاق وما عرف عنه منذ توليه السلطة بتشييد انفاق في منازله لاستخدامها كمخارج سرية في الحالات الطارئة .
-وكذا القول ان صالح بنى مؤخرا نفقا يمتد من جامع الصالح الى دار الرئاسة ،وأنه ايضا أمر بحفر هذا النفق في العام 2011م \"لمواجهة أي طارئ إثر المظاهرات التي كان يسيرها شباب الثورة آنذاك، والحديث عن صعوبة حفر نفق يقع ضمن النطاق الامني لصالح وصعوبة اخفاء أطنان من الاتربة اثناء التخلص منها عن انظار نقاط المراقبة والحراسة لمنزل الرئيس السابق\"وغير ذلك.
-بالنسبة لمسألة تزامن الاعلان عن اكتشاف النفق مع تواجد لجنة العقوبات فالسبب بسيط كون العملية كانت في مراحلها الاخيرة حسب ما ذكرته لجنة التحقيق نفسها أي ان انكشاف العملية وهى في لحظاتها الأخيرة كان السبب ولا علاقة له بوجود لجنة العقوبات ،وحتى لو افترضنا جدلا صحة هذا الطرح فما جدوى ذلك بالنسبة لصالح ،فاكتشاف النفق لن يؤدي الى تبرئة ساحته من أي اتهامات قد توجهها له لجنة العقوبات بدعم الارهاب او الوقوف وراء الهجمات واعمال التخريب ، التي تطال البنية الاساسية ،وكل ما في الامر ان الكشف عن النفق سيؤدي الى اضافة تهمة جديدة من قبل لجنة العقوبات الى احد خصوم صالح لا اكثر .
-اما مسألة فبركة القضية من اجل الحصول على تعاطف شعبي فأعتقد ان صالح ليس بحاجة لذلك بعد التعاطف الجارف معه عقب جريمة النهدين ،كما أن فشل وفساد خصومه وعجزهم عن ادارة البلاد في الفترة الماضية قد زاد من شعبيته كثيرا وهذا امر لا احد يستطيع انكاره للأسف الشديد،اما ما يتعلق بمسألة استحضار النفق لجريمة النهدين فيرجع ذلك الى أوجه الشبه العديدة بين الحادثين كاختيار المسجد ساحة للتنفيذ وصلاة الجمعة موعدا للتفجير واستهداف عدد من القيادات المؤتمرية الى جانب صالح في العمليتين،اضافة الى اختراق الحراسة ووجود بصمات واضحة لنفس الجهات المشتبه في وقوفها وراء تفجير النهدين .
-من الغريب قول البعض ان هدف صالح من النفق هو اظهار نفسه كضحية للإرهاب امام لجنة العقوبات ،لان صالح لايحتاج الى ذلك ،فقرار مجلس الامن رقم 2014 اعتبر حادثة النهدين جريمة ارهابية ومن ثم فأن صالح وفق ذلك المنظور يعتبر احد ضحايا الارهاب على الاقل في تلك الحادثة .
-بالنسبة لمسألة اتهام صالح بحفر النفق في عام 2011م فكان المنطقي ان يتم حفر النفق من داخل المنزل لا من خارجه -لان الهروب يكون من الداخل الى الخارج اما العكس فيعتبر اقتحام -بحيث يتمكن صالح من استخدامه للهروب في حال تسارعت التطورات بشكل غير متوقع وعجل المتظاهرون من محاولة اقتحام المنزل،ومن ثم كان من المفترض التحسب لمواجهة هذا الاحتمال من خلال الاضطرار لفتح مخرج للنفق عند النقطة التي وصل اليها الحفر خارج المنزل وعدم الانتظار حتى يصل الحفر الى النقطة المخطط لها لان المهم في مثل هذه الحالة التمكن من الفرار عبر النفق ، لكن في حال كان الحفر من خارج المنزل فلن يكون بمقدور صالح استخدام النفق لان الحفر لم يصل بعد الى داخل المنزل .
- في حال سلمنا بأن النفق تم حفره العام 2011 فلماذا لم يستكمل العمل فيه مادام صالح مهووس بالأنفاق الى هذه الدرجة ؟كما يفترض مع هذا الهوس ان يكون هناك نفق جاهز ليس من 2011 بل قبل ذلك بعقدين من الزمن على الاقل، لكن المشاهد المصورة التي بثتها القنوات الفضائية للنفق ولجدران الهنجر المقام عليه تظهر بوضوح حداثة البناء ،كما لايعقل ان يختار صالح جعل مخرج النفق في مكان ملاصق لمقر احدى الشركات التابعة لاحد خصومه الرئيسيين والمخاطرة في الوقوع بقبضة مسلحي خصمه،،اما ما يتعلق بالنطاق الأمني فالهنجر يقع في شارع مسدود لامنفذ له من الاتجاه الاخر ما حد من اهمية التركيز الأمني لحراسة صالح عليه، كما ان اختراق الحراسة والامكانيات الكبيرة للجهة المتورطة مكنها من تجاوز عيون صالح الأمنية ،وكل ماسبق يدحض فبركة القضية ويرجح صحة محاولة الاغتيال .
-ثانيا محاولة إزالة الغموض عن عدد من نقاط القضية والبحث عن السبب الكامن وراء تضارب بعض المعلومات و مدى صحتها:
1-ظهر تضارب المعلومات جليا في الطريقة التي تم من خلالها اكتشاف النفق، فوفق مصادر مطلعة لصحيفة الشارع فقد تم ذلك بمحض الصدفة بعد خلاف بين احد العمال الذين يقومون بنقل التراب مع المشرف ومسارعته ابلاغ احد افراد حراسة صالح ،في حين قال احمد الصوفي في تصريحاته للشرق الاوسط، إن \"أحد المشاركين في العملية، وهو جندي، هو من كشف المخطط قبل مرحلة تنفيذ التفجير .
-في حال كان من كشف عن الجريمة احد العمال فكيف تم معرفة اسماء افراد الحراسة المتواطئين في العملية؟ لان المفروض ان تبقى هوياتهم مجهولة ولايعرفها الا مخططي العملية،وبالمثل في حال كان من كشف العملية هو احد الجنود فالمفترض الا يكون مطلع على مكان حفر النفق والعمال الذين يحفرونه،لان مثل هذا النوع من الجرائم لايسمح عادة للأفراد المنفذين الاطلاع بكافة تفاصيل العملية ولايسمح لهم الا بالمعلومات الخاصة بدوركل واحد منهم.
-في كلتا الحالتين فالأمر المرجح وجود مصدر اخر للمعلومات ،وهو ما لمح اليه عبده الجندي في تصريحاته للسياسة الكويتية بقوله \"لولا أن معلومات وصلت من هنا وهناك وكشفت المخطط\"،وكذلك ما قد يفهم من تحية الرئيس السابق في أول تعليق له على محاولة الاغتيال\" لما اعتبرها يقظة الضمير الوطني لدى الرجال الاوفياء الذين استطاعوا ان يدلوا على هذه الجريمة \"فلو كان يقصد من حديثه افراد حراسته كان المفترض الاشادة بيقظتهم ومهاراتهم في اداء مهامهم فلا دخل للضمير في ذلك ،لكن على مايبدو ان صالح قصد شخص آخر عاد اليه ضميره الوطني مؤخرا .
2-كان من الامور اللافتة للانتباه في القضية التأني الواضح من قبل صالح واتباعه في عدم توجيه اتهام لجهة بعينها ،فصالح تجنب اتهام الاخوان مباشرة في محاولة اغتياله رغم ما عرف عنه من حرص خاصة في الاشهر الاخيرة على استغلال أي حادثة او تطور داخلي او خارجي لمهاجمة الاخوان،لذا كان غريبا تجنب صالح توجيه اتهام صريح لخصومه بالوقوف وراء محاولة الاغتيال الجديدة بعد اكتشاف النفق ووجود ما يكفي من الادلة التي ترجح تورطهم فيها.
-فلم يبدأ صالح بالحديث عن كونه مخطط \"إرهابي \"انقلابي تقف وراءه تلك العناصر المتطرفة التي خططت ونفذت جريمة دار الرئاسة الإرهابية واعتباره امتداد لما يسمى بالربيع العربي،الا في ظهوره الثالث بعد الكشف عن النفق ،كما ظهر ذلك في تجنب الجندي والصوفي وحتى الاعلام المقرب من صالح في توجيه اتهام مباشر للإخوان في العملية وكأن هناك تعليمات مشددة بعدم القيام بذلك.
-يرجع السبب في ذلك على الارجح الى أمرين الاول يتمثل في حرص صالح على عدم الاستعجال وانتظار نتائج التحقيق وتجنب الظهور وكأن العملية من تدبيره وهدفها النيل من خصومه ،والثاني تضارب الادلة الاولية للجريمة وما تشير اليه من احتمال وجود اكثر من طرف متورط فيها.
-رأس حميد كعربون لإنجاح المصالحة مع صالح:
-بالنسبة لتضارب المعلومات بشأن الطريقة التي تم بها كشف النفق فهناك احتمالين الاول ان يكون علي محسن هو مصدر تلك المعلومات خاصة على اعتبار انه الشخص الذي تمكن من تجنيد عدد من افراد الحراسة بسبب انتمائه لنفس منطقة الجنود \"سنحان\"ولما له من امكانيات مالية ونفوذ في الجيش ، لذا يمكن فهم حديث صالح عن يقضة الضمير التي ربما كان يقصد بها ضمير محسن .
-والثاني عدم استبعاد صالح تورط جهة اخرى غير حميد واخوانه او اشتراك اكثر من طرف في محاولة اغتياله ،وهنا سيكون الحوثي هو الطرف الاخر المشتبه في تورطه في القضية،لكن ذلك يصطدم بأمرين هما :
-الاول لماذا لم يوجه صالح اتهامه للحوثي بالوقوف وراء محاولة اغتياله خاصة مع المعلومات التي بلغته عن وصول افراد حراسته المتورطين في العملية الى صعدة؟حسب ما اوردته صحيفة الوسط في تقريرها عن القضية والاخبار التي نشرتها وسائل الاعلام المقربة من صالح حول ذلك .
-والثاني صعوبة تقبل مسألة تعاون اولاد الاحمر والحوثيين واشتراكهم في عملية حفر النفق،لكن الامر قد يكون ممكنا في حال تم ذلك التعاون عبر وسيط كفارس مناع مثلا،وهذا يعزز من صحة فرضية التورط المشترك لحميد ومناع في محاولة الاغتيال ،وهذا التحالف ينطلق من قاعدة في علم السياسة تقول انه لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح مشتركة وهذا الامر ينطبق على عالم رجال المال والاعمال فكل همهم تحقيق مزيد من الارباح وتنمية ارصدتهم والحفاظ على مصالحهم ،ويبدو أن صالح تحول الى عدو مشترك لحميد ومناع واصبح التخلص منه ضرورة لحماية مصالحهما.
-اذا كان خلاف حميد ومن خلفه الاخوان بصالح معروف والرغبة في الانتقام لماحصل لهم في عمران ومحاولة نسف التسوية وارباك المشهد والتنصل من مخرجات الحوار والتخلص من صالح وكبار قيادات المؤتمر الشعبي،فأن خلاف مناع بصالح كان قد تصاعد بعد تحول الاخير العام 2011م الى الصف المعارض لصالح ،والذي كان سببا في اعتقال الامن القومي لمناع لاكثر من اسبوع،وكانت هناك معلومات كثيرة تتحدث عن وجود شراكة بين الرجلين ،ومن غير المستبعد وجود خلاف مالي كبير مايزال عالقا بينهما،وربما يكون السبب في تورط مناع في قضية النفق .
-أما بالنسبة للجنرال محسن فقد اراد على مايبدو من كشف امر النفق لصالح وافشال العملية في لحظاتها الاخيرة تحقيق التالي :
1-التأكيد على حجم وجدية الخطر الذي كان محدق بصالح يتهدد حياته وابراز دوره الكبير في انقاذه،وهو بهذا كمن يكفر عن خطئه بحق صالح ويحاول تعويضه عن دوره الثانوي -اذا ما قورن بدور ابناء الشيخ-في محاولة اغتياله في النهدين ،وما يعنيه ذلك من ازالة عقبة النهدين من طريق التصالح مع صالح ،الذي كان حضوره لإداء صلاة العيد في الجامع دليلا على قبول التصالح مع محسن من حيث المبدأ لكن رفضه مد يده لمصافحته واشتراطه المتكرر استثناء جريمة النهدين من المصالحة ،ربما كان السبب في كشف محسن لقضية النفق وضمان نجاح المصالحة.
2-الكشف عن النفق معناه تقديم رأس حميد واخوته لصالح على طبق من ذهب كثمن باهض وعربون يؤكد من خلاله على رغبته في طي صفحة الماضي وبناء تحالف جديد مع صالح على حساب تحالفه مع ابناء الشيخ والاخوان عموماً خاصة مع ادراكه رفض صالح التام أي مصالحة مع ابناء الاحمر ،ويبدو أن الجنرال العجوز بات على قناعة بانتهاء عهد اولاد الاحمر ودورهم كركن من اركان النظام خاصة بعد خسارتهم لمعاقلهم ومناطق نفوذهم ولثقلهم القبلي،وهنا يبدي محسن مرونة ومهارة واضحة في قدرته على تغيير تحالفاته بما ينسجم مع التطورات الداخلية والخارجية .
3-في حال تبين تورط فارس مناع في عملية النفق ،فأن الجنرال يضمن تحالف صالح معه في مواجهة الحوثي ،لان من الصعب الاقتناع بضلوع مناع في عملية بهذا الحجم دون معرفة الحوثي والحصول على ضوء اخضر منه بذلك .
-بالنسبة للحوثي فلاتوجد ادلة واضحة تدينه باستثناء فرار المشتبه بتورطهم في العملية الى صعدة وخبرة اتباعه في حفر الانفاق في صعدة وبني حشيش وما قيل عن محاولة حفر نفق تحت مقر الامن القومي،لكن الحوثي يعتبر أكثر الاطراف المستفيدة من العملية ،ففي حال نجاح العملية في التخلص من صالح فأن معنى ذلك الانتقام من صالح ونظامه والتخلص من عقبة رئيسية امام عودة الامامة او اعلان ولاية الفقية في البلاد،وضرب خصومه الرئيسيين ببعضهم وما يعنيه ذلك من اضعاف للطرفين ،اضافة الى اثارة الفوضى في العاصمة ودخول انصاره على الخط كمنقذ لاحتواء الفوضى والسيطرة على صنعاء من داخلها.
-أما في حال فشل العملية فأن الحوثي ربما يستخدمها كذريعة للتخلص من فارس مناع وتعيين احد اتباعه من القيادات المؤسسة للجماعة كمحافظ جديد لصعدة،وفي الوقت نفسه اظهار رفضه وانزعاجه مما قام به مناع امام الرئيس السابق.
-بالنسبة للأدلة التي تدين حميد واخوته فهي واضحة وقد تطرق اليها الكثيرين قبلي ولا أجد جدوى من تكرارها هنا ،ولابد من التنويه ان ما ذهبت اليه يظل احتمال غير مؤكد وربما تظهر معلومات جديدة قد تقلب الامور رأسا على عقب هذا ما ستكشفه الايام القادمة ،لكن الشيء المفيد الذي كشفته العملية هو كثرة الجرذان في البلاد وموضة الانفاق ،ما يحتم على الرئيس هادي التحسس عند قدميه فمن يدري اين سنسمع عن ظهور النفق القادم ؟.
aziz5000000@gmail.com
في الإثنين 18 أغسطس-آب 2014 03:17:32 ص