ثنائية الوحدة والتعدد في النظام الفيدرالي
كاتب/وليد محمد سيف
كاتب/وليد محمد سيف
الفيدرالية لا تنشأ فقط من اندماج دول بسيطة في واحدة مركبة، إذ أن كثيرا من الدول البسيطة تحولت لدول اتحادية لمجابهة نزعات انفصالية وأزمات داخلية كما الهند، ماليزيا، اسبانيا والبرازيل.. وفي اليمن كان الأخذ بهكذا خيار محل اجماع المشاركين في مؤتمر الحوار، استجابة لرغبة شعبية متزايدة في العدالة بتوزيع السلطة والثروة.. والحديث عن مخاطر التمزق جراء اعتماد هكذا منظومة يتغافل عن حقيقة ان غياب الدولة العادلة هو ما أفرز نزعة انفصالية في الجنوب وتمردا أقاصي الشمال.. وهو خطر يتضاعف طالما استمرأنا السير في ذات النهج السابق.. بخلاف الأمر يمكن لمنظومة مغايرة تستند على لا مركزية حقيقية ليس فقط ضمان المشاركة في السلطة والثروة، بل الحفاظ على ديمومة الوحدة واستمراريتها .
الوحدة في الدول الاتحادية مؤطرة دستوريا.. ودساتيرها لا تجيز لأي اقليم الانفصال باستثناءات محدودة حينما تعطي لأحد الأقاليم حق تقرير المصير، لكن وفق شروط معقدة تجعل منه أمر مستحيلا، فبعضها يشترط استفتاء كافة ابناء الدولة عليه.. بينما يخول الدستور القوات المسلحة حق ردع الحركات الانفصالية ويمنع الترويج لها في اوساط المجتمع... ورغم ان الفيدرالية تقوم على ثنائية السلطات واستقلاليتها حيث يكون لحكومات الاقاليم سلطات وصلاحيات، في مقابل سلطات الحكومة الاتحادية، إلا ان السلطات الاخيرة تضمن بطبيعتها وحدة الدولة وتماسكها، لتظهر عن طريقها الدولة بهوية متجانسة موحدة كما هو الحال في الشؤون الخارجية والدفاع والجمارك والعملة الموحدة وشؤون الهجرة والجنسية والجوازات...
مع ذلك فلا الدستور ولا الهوية الموحدة كافيان للحفاظ على وحدة الدولة، ما لم تتوافر مصالح مشتركة بين جميع فئات الشعب، فهي الرباط الوثيق لمختلف الوحدات المكونة للدولة الاتحادية.. وتتجسد تلك المصالح في وجود سلطات ومهام مشتركة بين هذه الوحدات والحكومة الفيدرالية، يُطلق عليها السلطات التشاركية او المتزامنة تستدعي بدورها وجود مؤسسات مشتركة وآليات تنسيق تتولى مهام تنفيذها بشكل تشاركي بين مستويات الحكومة في الدولة الاتحادية، وقضايا مثل حماية البيئة والإسكان والنقل والتعليم الثانوي والجامعي، تقدم تمثيلا جيدا لنوعية السلطات التشاركية...
تمثيل أبناء الأقاليم في هياكل الدولة الاتحادية تعضد وحدتها أيضا، وتضمن تحقيق المصالح المشتركة، ليس من خلال هياكل السلطة وآليات التنسيق المشتركة بين الأقاليم والدولة الاتحادية فحسب، انما أيضا في السلطتين التنفيذية والتشريعية للدولة الاتحادية، وإن كان تمثيل الأقاليم في السلطة التشريعية هو الملمح الابرز لمشاركتهم في السلطة الاتحادية في اغلب فيدراليات العالم عن طريق مجلس الأقاليم كغرفة ثانية للمجلس التشريعي.. مع تباينات كبيرة في كيفية اختيار اعضائه او نوعية السلطات المسندة لها من فيدرالية لأخرى، التي تترواح بين الانتخاب المباشر كما في الولايات المتحدة الأمريكية او بطريقة التعيين في كندا، بينما تتبع ماليزيا والهند نظاما مختلطا من التعيين والانتخاب .
الدستور، والسلطات الاتحادية، والتمثيل الإقليمي في هياكل الدولة الاتحادية، تقدم ضمانات للوحدة، غير ان السلطات التشاركية والمصالح المشتركة للوحدات في الحكومة الفيدرالية بما تثمره من إجراءات مشتركة من قبل مستويات الحكومة حيال قضايا تهم الجميع وتمس مصالحهم، توفر رابطا وثيقا للتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، وكافة تلك الاجراءات مندمجة بشدة في بنية النظام الفيدرالي، لتشكل مع عنصر التعدد والاستقلالية اهم ملمحين للدولة الاتحادية: الوحدة والتعدد.. ولا يستقيم احدهما في غياب الآخر.

Walidsaif76@gmail.com

 
في الخميس 05 يونيو-حزيران 2014 12:40:39 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1041&lng=arabic