|
والمتابع للأحداث المصرية عقب ثورة 25 يناير 2011م يستطيع أن يدرك بلا تعقيدات عاملين أساسيين في الإجابة على السؤال السابق أولها يتعلق بشخصية السيسي نفسه والثاني يتعلق بخصومه والمعني هنا تحديداً تنظيم الإخوان المسلمين وأنصاره ممن شكلوا ما أسمي بتحالف دعم الشرعية , وبالنظر إلى العامل الأول المتصل بشخصية المشير السياسي يدرك المرء أن الرجل يتميز ببعض الصفات الرئيسية التي أكسبته احترام الناس وتقديرهم وفي مقدمتها ما تميز به من مصداقية في المواقف فالرجل من خلال ما كشفت عنه المرحلة الماضية لم يعهد عنه ممارسة أي شكل من أشكال الدجل والبهتان على خصومه وعلى الناس, وتحلّى بروح مسؤولية عالية, جعلته يحذر وينبه الرئيس المصري السابق وتنظيمه للعدول عن أخطائهم, وحاول جاهداً الجمع بينه وبين معارضيه السياسيين عقب أزمة الإعلان الدستوري المعيب الذي أعلنه مرسي واستفز جميع القوى السياسة والشعبية لكنه لم يجد آذاناً صاغية لدى مرسي وتنظيمه تحول دون تفاقم الأحداث وتطورها إلى ما صارت إليه, وتميز السيسي كذلك بروح أخلاقية عالية جعلت لغته وخطابه مبتعدين عن كل ما يسيء ويشين, وأستطاع دوماً أن يعبر عن وجهة نظره دون إسفاف ولا إساءة ولا تجريح ,كما عكست رؤاه واقعية بعيدة عن الشطط والخيال غير القابل للتطبيق فقد ركز دوماً خلال حملته الانتخابية على أن تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها مصر تتطلب عملاً جاداً متفانياً ودؤباً من جميع المصريين في نفس الوقت الذي فتح الأبواب أمام إمكانية نهوض وتطور مصر من خلال مجموعة من المشاريع الكبيرة كممر التعمير الذي تبناه العالم المصري فاروق الباز منذ سنوات, وإلى جانب ما أشرنا إليه فقد تميز السيسي بالحرص الشديد على استقلالية القرار المصري وتحريره من الارتهان للخارج سواءً قبيل او أثناء ثورة يونيو أو بعدها وأستطاع أن يعيد التذكير بروح وزعامة عبدالناصر وبقيمة مصر الحرة المستقلة أمام جشع الرغبات الأمريكية الغربية في امتلاك القرار المصري والاستحواذ عليه, واقترن بذلك ما كشفت عنه الأحداث عن شخصية السيسي المنظمة والمرتبة التي تحسب لكل خطوة حسابها بدقة قبل الإقدام عليها ساهم في إغنائها الخبرات القيادية التي اكتسبت بفعل المراكز القيادية التي سبق له العمل بها, وكذا حرصه حد الاستماتة في الحفاظ على مصر وأمنها وتطويرها وتنميتها ونهوضها وانفتاحه على جميع المصريين وحرصه على الوحدة الوطنية والإجماع الشعبي الذي تجسد في الحرص على تحقيق اكبر قدر من الإجماع السياسي واحترام الأزهر والكنيسة والقضاء المصري.
تلك ابرز الخصائص والسمات التي طبعت شخصية السيسي بجانب مصداقيته التي مثلت رأس ماله الحقيقي والثمن الذي ضمن له تأييد المصريين وتقديرهم والتفافهم الكاسح حوله في زمن قياسي بما جعل كل المراقبين يرون أن فوزه في الانتخابات أمراً مؤكداً ومحسوماً.
فوز السيسي في الانتخابات لن يكون نهاية المطاف فأمامه تحديات سياسية عظمى واستثنائية بما تواجه مصر من مخاطر خارجية هائلة سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية ومائية وداخلية بفعل قوة عنف الخصوم وإمكانياتهم الكبيرة وحجم المشاكل الاقتصادية الضخمة المتراكمة في ظل انفجار سكاني وتحديات أمنية بما امتلكته التنظيمات الإرهابية من تقنيات وإمكانيات وأموال ووسائل إعلام ومنهج انتحاري عدمي لا يردعه وازع من ضمير أو أخلاق أو وطنية أو دين مما يجعل المهمة المقبلة في غاية الصعوبة, إن نجح فيها السيسي يكون قد صنع ما يشبه المستحيل وإن اخفق أو فشل فيكفيه شرف المحاولة.
وعلى جانب آخر فقد كشفت الأحداث المصرية منذ ثورة 25 يناير وحتى اليوم عن صورة مغايرة لخصومه السياسيين من تنظيم الإخوان وحلفائهم, فقد كان منهجهم وخطابهم السياسي غنياً بالبهتان ومفتقداً للمصداقية وطافحاً بالكذب وغارقاً بالخيال ومرتهناً للخارج وموسوماً بالتآمر والتواطئ والتمالئ مع جهات دولية واقليمية مشبوهة ومعادية لمصر ونهضتها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً, فالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية أمراً معروفاً, والمراهنة على دعم الغرب افقدهم صواب إدراك قدرة وإرادة الشعب, والافتقاد للمصداقية كان واضحاً فيما عبروا عنه من مواقف وارتكبوه من أخطاء كشفت عن سماتهم وأفقدتهم ثقة شعبهم ومن ذلك خروجهم عن منهجهم السياسي الذي طالما عبروا عنه منذ عشرينيات القرن الماضي وانقلابهم عليه دون سابق تمهيد ولا إنذار ولا تدارس ولا مناقشة وإعلانهم بعدم الترشح للرئاسة وأنهم لا يريدون سوى الحصول على 30-40% من مقاعد مجلس الشعب وما تميز به خطابهم السياسي المسف ضد المشير السيسي الذي لم يتورعوا فيه عن اتهامه باسخف التهم ووصفه بأقذع وأقذر الصفات التي هبطت بتنظيم الإخوان وحلفائهم إلى أدنى الدركات وجعلت خصمهم السيسي في أعلى مراتب القيم والأخلاق والتدين الصحيح أما رؤائهم الخيالية والمرتجلة فقد عبر عنها بوضوح برنامج ال100 يوم الذي تبناه مرسي ولم يتحقق منه شيء, وقد ترافق ذلك كله مع كبر وغطرسة وعناد سياسي لا مثيل له جعل تنظيم الإخوان وحلفائهم عاجزون عن إدراك المتغيرات المعتملة في المجتمع والإصرار على الخطأ وعلى شعارات ببغاوية بعيدة عن المنطق شلّت قدرتهم على التكيف مع تطورات الأحداث وتجنب المصير المأساوي لهم ولبلدهم وانحسر مشروعهم السياسي على التخريب وإقلاق الأمن وتأزيم البلاد والسعي لتدمير النظام السياسي وتعطيل الانتخابات وتحطيم الاقتصاد, وتقزم مشروعهم إلى سعي مستميت لاغتيال السيسي وتهديم بنيان الدولة وغفلوا عن خيارات كبيرة كانت مفتوحة أمامهم لمواصلة العمل السياسي دون عنف ولا تخريب أو تدمير أو ارتهان لقوى الخارج, واتبعوا سياسة إما نحن أو الطوفان وحرق مصر التي تكررت على لسان محدثيهم كثيراً وهي أسوأ سياسة وخاتمه وأكبر مصيبة تلحق بأي تنظيم على الإطلاق.
* صحيفة الأولى:
في الأحد 25 مايو 2014 07:10:02 م