نموذج الأستاذ المثالي في المدارس النرويجية
كاتبة/زكية خيرهم
كاتبة/زكية خيرهم
- مغربي الهوية ومفخرة للوطن

كلّ صباح قبل أن يباشر الأستاذ سعيد بندواح حصته التعليمية في ثانوية بيورن أوسن بمنطقة رومسوس في اسلو الجملة الأولى التي ينطق بها بعد تحيته لتلاميذه، :\\\" هل فطرتم يا ابنائي؟ إن كان أحدهم جائعا، يهرول إلى مطعم المدرسة وياتي له بالفواكه.
تقول إحدى التلميذات التي كانت تدرس عنده لصحافي جريدة الأفتن بوستن: لقد كان الاستاذ سعيد بندواح ، والدا بالنسبة لنا. يسعى بكلّ ما في جهده أن يوفر ذلك المناخ الاجتماعي والعاطفي داخل الفصل. في نظره علاقة المدرس بالتلاميذ والتلاميذ بالاستاذ ، لابد أن تكون مبنية على مناخ عاطفي أساسه المحبة والاحترام المتبادلين بين الجميع. لان ذلك التآلف والتضامن في الفصل هو الذي يشجع التلاميذ على حب التعليم ومواصلته. إن المحبة بين التلاميذ والاستاذ هو ما يدفع بالتلميذ إلى الأمام وتحفيزه على استمرارية التعليم والوصول إلى الهدف. يقول الاستاذ سعيد بندواح ، أن الاستاذ الناجح في عمله، لا يقتصر فقط على درجات التعليم والشهادات العليا فقط، بل الأهم أن يجعل التلاميذ يتعلمون كل يوم شيئا جديدا وأن يكون الأستاذ متابعا لتلامذته ، يوجههم مع مراعاة الفروق بين تلميذ وآخر حسب ظروفه العائلية وحسب شخصيته، وظروفه الاجتماعية ومستوى النضج عنده، وهذا يتطلب الخبرة المتنوعة في مجال التعليم.

\\\"نورا عبد الله البالغة من العمر ثمانية عشر سنة، تقول في حسرة، إنني افتقد كثيرا استاذي سعيد بن دواح. أنا الآن في ثانوية سوناس في اسلو، لكني أحس أنني في حاجة إلى ذلك التحفيز والتشجيع الذي اعتدته من استاذي السابق. لقد كان يقول لنا: \\\" الفيلسوف لا يرقص أبدا\\\". وهو كان يعني بذلك أن علينا نحن التلاميذ أن نستعمل العقل، وأن العواطف جيّدة لكن الكثير منها قد تُفسد وتحطّم. وأهم شيء ألا يرقص المرء على ايقاع الآخرين، بل على كل فرد يجب أن يجد الإيقاع الذي يناسبه. لقد كان ديموقراكيا معنا في الفصل، لا يفرّق بين تلميذ وآخر. مبتسم دائما بشوشا، مهتما بمشاكلنا وهمومنا نحن الطلبة. شخصية مميزة، فهو في قمة الجدية مع حسّ فكاهي. يعاقبنا حين نتخاذل ويغفر لنا في نفس الوقت بمنحنا فرصة أخرى، مع كثير من الحماس والتشجيع. إنه فعلا ذلك المعلّم الذي يعلّمنا معنى الحياة في ذلك الفصل الذي يجمعنا معه سنة طويلة، فيه الصالح والطالح، المجتهد والكسول، المجدّ والمستهتر، المتقائل والمتشائم. استطاع استاذنا أن يجعلنا نتقبل بعضنا البعض رغم اختلاف خلفياتنا الاجتماعية والقافية والجنسية أيضا. جعلنا نندمج مع بعضنا البعض ونهتم بالدرس، وأصبحنا نحب حصته وكل يوم نريد أن تثبت له ما زرع فينا من قيم رائعة وسلوك حسن. وكأننا بذلك نريد أن نقول له ها نحن كما أردتنا أن نكون.
ولد سعيد بن دواح وترعرع في المغرب. حصل على الإجازة في الأدب الفرنسي والتاريخ. كان يعلم دائما أن مهنة التدريس هي الوظيفة المناسبة له. وله قاعدة أساسية في التعليم، وهي لابد ألا نتخلى عن الطالب. في نظره، لابد للاستاذ أن يفتح عينيه ليعرف أحوال الطلاب، وأن يكون هناك تعاونا مع الاستاذ والمتخصص الاجتماعي بالثانوية، حينها يمكن ان يتوفر التعليم الجيد.
تقول الطالبة نورا للصحفي الذي اجرى معها المقابلة. كنا دائما يوم الجمعة ننهي حصة الدرس بالوقوف والرقص، فيغادر كل منا إلى بيته نهاية الاسبوع فرحا. هكذا كنا ننهي اسبوعنا الدراسي مع استاذنا في فرح ورقص وأمل للقاء اسبوع جديد آخر معه.
بعد أربعة عشر سنة من التعليم لم أنس أسم طالب واحد كنت أدرسه.
يقول الاستاذ سعيد بحسرة اسوأ شيء في مهنة التعليم أن تودع طلبتك آخر السنة، إنهم أبنائي. وتضيف الطالبة نورا قائلة: \\\" لن أنس اليوم الذي يودهنا فيه الاستاذ سعيد بكلمات يملأها التشجيع لنا على المواصلة والجد في دراستنا، وأن نكون منظمين في حياتنا لأن ذلك هو اساس النجاح. كما أن التعاون مع الآخرين اساس التطور، فبلد النرويج مجتمع تطور على اسس التعاون والتضامن. بغض النظر موقعك في المجتمع فتجربتك في الحياة وحبك للتعاون له فائدة في المجتمع. لا أزال اتذكر عينيه الدامعتين التي كان يمسحهما من غير خجل امامنا ونحن نودعه لسنة دراسية جديدة.\\\"

  
في الثلاثاء 20 مايو 2014 03:09:23 ص

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1030&lng=arabic