أكذوبة (الربيع العربي)
كاتب/أصيل القباطي
كاتب/أصيل القباطي
دائماً ما يتهرب بعض المثقفين والكتاب من الاجابة على سؤال "ما الذي جُني من الربيع العربي..؟"، والذي تطرحه الجماهير وهي ممتلئة بالخيبة جراء تبخر الأحلام التي عقدتها على «الربيع العربي»، المصطلح الذي طرحه من واشنطن باراك أوباما وكانت أنداك زوجته "ميشيل" بجواره، ولا أعلم ما سبب وجودها بجانبه ذلك الوقت، يفرون من تعقيدات التطرق إلى معطيات يطرحها الواقع إلى الحديث عن "الثورة الفرنسية" وما تلاها من مخاضات استمرت لعقود، ويردفون "فما بالنا إن صبرنا على مخاض «الربيع العربي» مادام مستقبلنا سيكون مثل المستقبل الذي لاقته فرنسا"..!
في الحين الذي نرى فيه الدم يتدفق والجوع تتسع مساحاته والخراب يطارد ما تبقى من زوايا سليمة، يستشرف البعض "فرنسا جديدة" من على كومة الجثث التي خلفها هذا "الربيع" لكنها تبدو على مسافة قرون، ولا يجد ضيراً في فراره المفضوح من هذا الواقع، بل يتمادى ويطالب الشعوب بالاستمرارية، ويبرع في تخليق فزاعات كفزاعة "العسكر"، كما ينسى - هذا البعض - واقعه ويذهب بعيداً في الخوض في الأحلام الوردية التي لم تكن إلا بالونات بلاستيكية خسفت بها وقائع الأمور.
غريب أمر بعض المثقفين والكتاب اليمنيين من حاملي شعار الليبرالية وممن جرفتهم المراوحة في المواقف، فهم يتفانون في كيل الشتائم لـ"عسكر" مصر وتقذيع "النظام السوري" ومؤخراً يتأففون من نتائج الانتخابات الجزائرية بينما يتجاهلون الوضع مزري تعيشه اليمن، يتابعون تحسرهم على مالا ناقة لهم فيه ولا جمل، ويلوكون الحديث عن «الربيع العربي» وصنع ايجابيات له وان كانت مستقبلية، واليمن كبلد مر بالتجربة سيكون له من جنة طولها وعرضها كفرنسا سهماً وافراً.
ما الذي يدفعه إلى مهاجمة دول تحارب الإرهاب، مثلاً، غير العقدة التي أصابته جراء عجز الدولة اليمنية عن مكافحته بسبل ناجعة، سننزلق إلى غور الماورائي إن أخذنا هذه الفرضية بصحة، لكن لا أجد الفرضيات الأخرى تتلاءم والمكانة التي أضع فيها أولئك الكتاب ولا أحبذ الانتقاص منها، بأي حال، حتى ولو تدحرجوا عنها بملء إرادتهم. ولست أعني فيما قلته، بالتأكيد، حمالة الحطب من في عنقها سلس من ذهب، ذهبُ نوبل، فتلك مرمية في برزخ الكذب.
ليس حديثي مدحاً لما نسميها، مجازاً، أنظمة سابقة أو تباكياً عليها البتة، إنها السبب الرئيس للفقر والجهل اللذين تعاني منهما الشعوب العربية، أو قدحاً في تغييرها، ولا تجاهلاً لحق الشعوب في الثورة عليهم، بل أراها في حالة ثأرية مع الأنظمة، لكن المصيبة الفادحة في الأسلوب الذي تم بواسطته هذا التغيير، وهو أسلوب «الربيع العربي» الذي كانت تسميته بذاتها مصل تخدير للجماهير التي وقعت على أثره في سيل من التخيلات في الوقت الذي شاع فيه التطرف ووجدت المنظمات الإرهابية لها موطئ القدم المناسب واتسع الفارق بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء وتفشت به الأزمات وساد فيها القتل على ما عداه.
يُقال أن في الربيع يُزهر الورد وتكتظ الأرض بالاخضرار، لكن ربيعنا العربي لم تكتظ به الأرض إلا بالدم، ولا تقل لي ما قاله السياب "قُدس الرب، هذا مخاض المدينة"، تختلف تماماً ظروف زمن السياب عن الزمن العربي الذي نعبر عليه إلى المجهول. لو أن السياب ما زال على قيد الحياة لهجا هذا الوضع.
وبخصوص فرنسا ومن يستشهد بها مثلاً، فقل لي من سيعطب العربة التي تحمل راية الطائفية والشعارات ضيقة الأفق وهي تسير بسرعة وتشق جدار النسيج المجتمعي، تلك العربة التي تناسلت منها عربات تحمل ذات الراية، من سيعطبها..؟ هل نسبة الجهل تضاهي ما كانت عليه في فرنسا إبان ثورتها لتسد بالنسبة المرتفعة من التعليم تلك الهوة السحيقة التي تتسع أكثر..؟ في ظل التشدق بمنجز "كسر حاجز الصمت"، أي حاجز صمت والشعوب هي من تبني الحواجز حولها ولو شاءت لدمرتها وما هي في حاجة إلى ربيع أو خريف.
قُل لي أنها فترة البناء ما نمر به بعد إذ هُدت تلك الحواجز، أو بناء طبيعي ذلك الذي تتخلله كل هذه المآسي..؟ أم أنك تعتبر الدماء ما يُرش به البناء لتتماسك لبناته وخرسانته، وتعتبر كل هذا التفكك والانقسام العمودي والأفقي الذي تشهده المجتمعات التي عصف بها «الربيع العربي» مجرد مضايقات معتادة لعملية البناء كمضايقات "البلدية" لأي عملية بناء وبحثها عن ذرائع للحصول على إتاوة.
كدت أنسى وأنا أكثر من ذكر "فرنسا" نتائج الانتخابات الجزائرية والتي فاز بها بوتفليقة لولاية رابعة، لو لم تكن الأحداث التي تمر بها المنطقة قائمة لكنت شككت في صحة النتيجة والجزم بعدم شرعيتها، لكنني الأن لا أستطيع إلا الاعتقاد بمصداقية الانتخابات، فالجزائري يرى غير بعيد عنه تونس وليبيا كيف هي مخرجات عمليات التغيير المصحوبة بمباركة غربية عموماً فرنسية خصوصاً، أدرك تلك العقوبات قبل أن تصل إليه تحت شعارات الديمقراطية، فانتخب رئيساً على كرسي متحرك طرح في مشروعه خيار الأمان الاقتصادي والارتقاء بالحقوق المدنية والاصلاحات السياسية وأعتبره أقدر على قيادة البلاد من شخص يرفع شعارات «الربيع العربي» وتدعمه فرنسا والغرب.
الخلاصة: لقد كذبوا علينا نحن العرب المساكين أكذوبة «الربيع العربي»، كما كذبوا من قبل على العالم أكذوبة "أسلحة الدمار الشامل العراقية"..



في الأحد 20 إبريل-نيسان 2014 10:58:06 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=1002&lng=arabic