مقارنة جزئية وموجزة بين حُكمي العثمانيين (الأتراك) والأئمة لليمن !
كاتب وصحفي/يحيى عبد الرقيب الجبيحي
كاتب وصحفي/يحيى عبد الرقيب الجبيحي
من وحي مقالة الدكتور حسن علي مجلي، عن الاحتلال التركي لليمن

مقارنة جزئية وموجزة بين حُكمي العثمانيين (الأتراك) والأئمة لليمن !

*****

 

- في هذه المقالة الموجزة، سوف لن اتحدث بها عما حققته تركيا من بداية حكم حزب العدالة والتنمية عام 2002م وحتى اليوم من منجزات اقتصادية هائلة ظهرت بجوانب تنموية عديدة، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر ارتفاع معدل دخل الفرد التركي من أقل من 3000 دولار الى اكثر من 11 ألف دولار، وكان لهذا النجاح الاقتصادي الكبير نجاح سياسي أيضاَ، فمن حيوية سياسية قوية امام اوروبا الى ظهور تركي بارز بمنطقة الشرق الأوسط ليصبح أهم ملف سياسي في السياسة الخارجية التركية هو الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية المحتلة، وتدني العلاقة التركية - الاسرائيلية بسبب ذلك وبسبب استمرار حصار غزة الى ادنى مستوى لها، خاصة بعد الهجوم الاسرائيلي على الباخرة - اسلام - يوم 3/5/2010م وربط عودة العلاقة بتعويض أسر الضحايا ورفع الحصار الجائر المفروض على غزة، حتى ولوظهر بعض الارباك للدور التركي في المنطقة مع بداية عاصفة الربيع العربي وأحداث سوريا المؤلمة بالذات.. ولأسباب أخرى عديدة بمافيها خلق مشاكل داخلية مفتعلة، فان ذلك لم ينقص من التوجه التركي الجلي والايجابي نحو العرب.. اضافة الى نجاح امني كبير، لتخلوا تركيا اليوم من المشاكل الامنية ومن الارهاب الذي بات يعصف بمعظم جيرانها اليوم، بل يكفي الشعوب العربية فخراً بتركيا اليوم إنتشار اللغة العربية بمختلف المدارس والجامعات التركية وغيرهما، وباتت إجادتها من أهم الشروط المطلوب توافرها لمن يرغب بالعمل بمجلس الوزراء التركي من الاتراك، بينما كان مجرد تعليمها قبل عام 2002م بمثابة جريمة... الخ..
ـ أقول.. لن أتحدث هنا عما وصلت اليه تركيا من نجاحات وخلال اقل من اثني عشرة سنة، والتي تحتاج لعشرات المقالات لسرد بعضها، وانما سيكمن الحديث عن وضع مقارنة جزئية وموجزة جداً بين حُكمي الأتراك العثمانيين وبين الأئمة لليمن، مقتصراً على العهد العثماني الاخير، وعلى حكم الإمامين يحيى وأحمد يحي حميد الدين - يرحمهما الله - كنماذج لكليهما فحسب! وقد يتساءل القارئ ومعه حق عن الدافع لنشر مثل هذه المقارنة ومناسبتها والتي دفعتني للعودة الى قراءة بعض الكتب التاريخية والسياسية المعنية بمثل هذه الجوانب خاصة كتاب: (الحكم العثماني في اليمن 1872 ـ 1918م للدكتور فاروق عثمان أباضة، الذي استقيتُ منه معظم معلومات هذه المقالة الموجزة..
والدافع لسرد هذه المقارنة او مناسبتها.. انما هي مقالة الدكتور حسن علي مجلي المنشورة بصحيفة (الأولى) يوم 26 مارس 2014م بعنوان (من مخازي الاحتلال التركي لليمن).. وانا بهذه "الدردشة" لا أُفنِّد ما جاء بمقال الدكتور ولا أعتبر جوهرها صحيحاً او غير صحيح فهذا ليس موضوعي هنا.. وانما ربما لفهمي الخاص بدافع الدكتور لتسطير ما سطَّر، خاصة في ظل الأوضاع السياسية التي تمر بها اليمن اليوم، بما فيها التوسعات غير المجدية لبعض القوى الفكرية التي باتت بما تمثل من توجهات وتوسعات غير مستساغة وان كانت مؤقتة هي شاغل العامة والخاصة داخل اليمن وخارجها والتي قد تكون هي من دوافع الدكتور مجلي لنشر مقاله! أو هكذا فهم امثالي! وهو قد يكون فهماً سليماً وقد لايكون كذلك.. مع ان القارئ لكلا المقالين هو الذي عليه فهم الدافع لكليهما!!
ـ مكرراً أن المقارنة هنا تقتصر على العهد العثماني - التركي - الأخير، وعلى حكم الإمام يحي وابنه احمد كنماذج فحسب، والتي تتمثل بكل ايجاز ممكن بالآتي:
1- تمتع اليمن خلال الحكم العثماني او التركي الاخير بحكم معتدل يتناسب مع ذلك العصر - كما تمتع اليمنيون تباعاً لذلك بحرية شعبية ولو نسبياً، حيث وجدت في كل لواء وقضاء مجالس محلية كان يطلق عليها (مجالس الإدارة) والتي كانت تضم اعضاء من صفوة أبناء اليمن، كما كان يوجد مجلس شعبي آخر هو (المجلس العمومي) للولاية، والذي كان مقره صنعاء، وكان رئيسه هو الوالي، بينما نائبه كان من اليمنيين المعروفين بالنزاهة والوطنية والخبرة في شئون البلاد.. كما كان هذا المجلس الذي يضم ثلاثين عضواً يتمتع بسلطة واسعة باعتباره كان بمثابة برلمان مصغر، اضافة الى وجود نواب يمنيون يتمتعون بالكفاءة والاخلاص والسمعة الحسنة ممن كانوا يمثلون اليمن في البرلمان العثماني والمسمى بـ (مجلس المبعوثان)..
2- كانت توجد محاكم متنوعة ومنتشرة في كل ارجاء اليمن - شرعية وتجارية واستئناف وتمييز خاص (أي محاكم للنقض والإبرام) بجانب نظام للنيابات حيث كان يوجد نائب عمومي ومركزه صنعاء، ثم وكلاء له في الالوية والأقضية ومعظمهم ممن تخرجوا من كلية الحقوق بجامعة (الإستانة).
3- شهد العهد العثماني أو التركي الأخير إنتشار بعض المستشفيات وتواجد أطباء أجانب وصيدليات ومدارس متنوعة وكان التعليم مجاناً على نفقة الدولة!.
4- أوجد العثمانيون - الاتراك - جوانب ادارية ونظام مالي محدد المعالم، وكان للادارات العامة التي بصنعاء فروع لها بمختلف الأقاليم اليمنية.. واهتموا بتحسين واصلاح ميناء الحديدة وانشأوا له أرصفة جديدة بجانب انشاء مكثف بالحديدة، أيضاً كان ينتج عشرة اطنان من الثلج يومياً، اضافة الى انشاء ملاحات بالصليف لهدف استغلال الملح في الاغراض التجارية واعتنوا بالزراعة وطواحين لطحن الغلال، كما قاموا بتنظيم البريد ومد اسلاك البرق بين بعض المدن اليمنية مع خطين خاصين بين صنعاء والحديدة أحدهما للبرقيات العامة والآخر لبرقيات الحكومة، وأقاموا محطة للحجر الصحي خاص بالحجاج بجزيرة كمران.
5- أولى العثمانيون - الاتراك - الجوانب العمرانية في اليمن عناية كبيرة ولاتزال بعضها ماثلة للعيان حتى اليوم وأوجدوا أول خريطة جغرافية لليمن! كما اهتموا اهتماماً كبيراً بشئون القبائل والعشائر اليمنية، وانشأوا نظام - الجندرمة - الذي اتاح الفرصة لبعض اليمنيين في الانتظام بسلك الجندية وتلقيهم للتدريبات المختلفة.. فكان ذلك بمثابة نواة لتكوين جيش نظامي يمني..
6- وجد في العهد العثماني التركي الأخير تمثيل سياسي وديبلوماسي وقنصلي وتجاري لبعض الدول الغربية وغيرها باليمن.
ـ ثم.. تعلم بعض اليمنيين بنفس تلك الفترة بعض أساليب الحياة الراقية والعصرية، مما كان يتصل بذلك العصر من تمدُّن وغيره.
ـ هذه بعض ايجابيات الحكم العثماني التركي الأخير أثناء حكمهم لليمن، والتي هي بمثابة غيض من فيض وجزء من كل..
ــ أما حكم الأئمة لليمن ممثلاُ بالإمام يحيى كأنموذج فقد تمثل بعضه بـ :
1- الحكم المطلق.. فكل السلطة كانت مركزة بيده فلم يحرص بل لم يفكر مجرد تفكير استشارة بعض أهل الحل والعقد فضلاً عن رأي شعبه بما يخص شئون الوطن.. ولم يكن يسمح بأي تصرف مهما كان ضئيلاً الا بعلمه وبعد موافقته، بينما الوزراء الذين كان يعيِّنهم كانت مراكزهم هي وسائد ديوانه، كون الإمام كان هو الحكومة والحكومة هي الإمام.. والغريب انه كان يوجد وزير للمواصلات، بينما كانت وسائل المواصلات تقتصر على ظهور الحمير والبغال! وكان ابناء الامام يديرون شئون الألوية بنفس الطريقة.. إذ كانت كل صغيرة وكبيرة مرتبطة بهم وبعلمهم وموافقتهم فلاصلاحية ولا أهمية للحكام والعمال المحسوبين ظاهريا على مناطق تلك الألوية!
2- كانت اموال الدولة هي اموال الامام، حيث كانت للامام سلطة مطلقة في التصرف بها وعلى النحو الذي يراه، فكان يشرف مباشرة على كل ما كان يصرف من بيت المال مهما كان المبلغ ضئيلاً.. أجل.. كان الامام هو الامام ووزير المالية ورئيس الشورى والوزير والقاضي والحاكم والعالم والطبيب والمحامي والكاهن وكل شئ.. كل شئ!.
3- قام الامام يحي بتعطيل ما كان العثمانيون - الأتراك - قد أوجدوه من اصلاحات ادارية وسياسية وتشريعية، وتوجهات ايجابية عامة، باستثناء الحفاظ على بعض المباني والتي آل مآلها اليه والى اسرته!
4- أقام الامام يحي حكمه على اساس ديني - مذهبي - مما دفعه الى تشجيع أتباع مذهبه عما عداهم! بجانب حرصه على إبقاء الروح القبلية بما كانت تمثل من جوانب اجتماعية سيئة وعتيقة ببعضها.. مع إثارة الخلافات بين القبائل والمناطق ليجعل البعض يزرع والآخر يحصد وينهب ويسيطر ويعبث، فأوجد بذلك تنافراً وتباغضاً وأحقاداَ وكراهية مستترة ومعلنة بين ابناء الوطن الواحد.. وكل ذلك كان يهدف من ورائه الى بقاء سيطرته ونفوذه و.. إماميته!.
5- عمل على إفقار الشعب اليمني وإذلاله ونشر الخوف والقلق والاضطراب بين أوساطه بجانب تجهيله.. وابتزاز ثرواته واحتكارها بحجة الحرص على الدين والعادات والتقاليد الموروثة، فعمل بذلك على عرقلة الوحدة الوطنية بوجهٍ عام!.
6- أهمل الامام يحي واسرته كل ما كانت له صلة بالجوانب الادارية ولم يوجدوا لامدارس ولامستشفيات ولاحتى أوراق ومستلزمات خاصة بالمعاملات.. بل ان النظم الادارية التي اوجدها العثمانيون - الأتراك - قام الامام يحي بتعطيلها وتخريبها، بما في ذلك الارشيف الرسمي بما فيه من وثائق هامة والذي تم تبديده وتمزيقه... الخ..
ـ فماذا لو استغل الامام يحي ماكان العثمانيون - الاتراك - قد اوجدوه على الاقل؟! خاصة النظم الادارية وتطويرها واستغلال الثروات الطبيعية التي كانت اليمن تزخر بها، اعتقد لوكان قد فعل لكانت اليمن حققت الكثير من التقدم والرخاء خاصة وأنها كانت من اوائل الدول العربية التي حصلت على استقلالها! لكنه الغباء المفرط والشقاوة وسوء النية وعدم الثقة بالذات، مع ان الامام يحي تواجد بنفس الفترة التي تواجد بها الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي انطلق نحو بناء وطن من لا شئ، فاستخرج ثرواته ووحد بين أبنائه رغم التنافر والحروب التي كانت بينهم، وأوجد دولة باتت شبه قارة.. تتمتع برخاء وأمن وأمان ومهابة بعرضها وجوهرها.
أما الهاشمي - يحي واسرته - فقد فضَّلوا الانغلاق وتفرغوا لإثارة المشاكل والتباينات بين ابناء وطنهم.
ولذا - لا غرابة ان يخاطبهم الشهيد محمد محمود الزبيري من قصيدة عنوانها (صرخة الى النائمين) يقول فيها - طيب الله ثراه:
(ماكان ضرهم وهم من هاشم لو أنهم كإبن السعود كرام؟!)
ــ هذه مجرد مقارنة جزئية وموجزة وبسيطة ولفترة زمنية قصيرة ومتقاربة بين حكم العثمانيين - الاتراك - لليمن وبين حكم الأئمة الذين ابتليت بهم اليمن قرابة احد عشر قرناً قلم يحققوا لها لا الخراب وتدمير بعض المصالح التي بنتها بعض الدول التي حكمت اليمن لفترات متقطعة، ولم يعد يذكر التاريخ من حكم الأئمة هؤلاء غير الدماء والمصاعب والمصائب التي حلَّت باليمن أرضاً وشعباً - جراء الحروب التي كانت تحدث بين المتنافسين منهم والتي كان اليمنيون مجرد وقودٍ لها!
ــ والغريب.. مع انه لم يعد غريب في اليمن اليوم حتى الشيطان.. ان يوجد بين ظهراننا وبهذا العصر بكل مابات يمثل من تطورات سياسية وثقافية وتكنلوجية، من لا يزال يتطلع الى عودة حكم أولئك الأئمة وتحت أي مسمى، بل واعادة الماضي بكل أمراضه المذهبية والمناطقية حتى ولو بتسطير مقالة تنال ممن كانوا بمثابة الخصوم لهم؟!!
على امل ان يفهم القارئ من هدف تسطير هذه (الدردشة) بقدر فهمه لـ (دردشة) الدكتور مجلي.

صنعاء.. في 28/3/2014م..

Aljupaihi@hotmail.com

  
في الثلاثاء 01 إبريل-نيسان 2014 06:19:36 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=966&lng=arabic