|
بينما يوصدوا أبوابهم في وجه كل مرشدٍ وناصح،لأن الكثير من متخذي القرار يكرهون الناصحين،ويستجيبون للمطبلين الذين يطلقون الساق للريح،عند الملمات مولين الأدبار عندما تدركهم المصائب،أما أصحاب المبادئ فهم الثابتون عند احتدام المعارك،يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع،والفرق شاسع بين مطبل يبذل كل جهده،من أجل شخصه ويغرق حتى أذنيه في مستنقع الأثرة،وبين صاحب مبدأ يسير في اتجاه خصائص الإيثار،ويهب روحه خالصة فداءً لما آمن به،هذه النوعية من المطبلون الذين يمارسون السياسة،يدعون احتكارهم للثقافة والمعرفة،عُرفوا بأنهم من أصحاب المهارة والقدرة،على التسلق وركوب ظهر الأنظمة بمختلف توجهاتها،فقد كانوا في ألأمس اشتراكيين وقوميين أيام الكوبونات(الصدامية)والدولارات(القذافية)،ثم تحولوا إلى مؤتمريين حتى النخاع عندما كان المؤتمر على رأس السلطة،وهاهم اليوم شبابيين وثوريون،وديمقراطيون،وسبحان مبدل ألأحوال من حال إلى حال.
بَيْد أن هؤلاء المطبلون يفشلون تماما سواء كانوا مع السلطة الحاكمة أم مع المعارضة،في أول اختبار لهم،اثر مقال ينشر في بعض الصحف والمواقع ألإخبارية،فيه بعض النقد لمسئول معين كبيرا أو صغيرا أو حزب سياسي،فيقومون بسرد سيرته العطرة ومنجزاته العظيمة،فيقولون بفضلة زرعنا التفاح وقلعنا القات،وأصبح طعامنا زبيب وشرابنا عسل،وأصبح سيف رائد فضاء ومنطقة يحصب مزار للسائحين،ولولاة لسقطت السماء على ألأرض من زمان وأصبحنا في خبر كان،ثم يمطرون كاتب المقال بوابل اللعنات بهدف إسكاته والكف عن كلامه المباح,غير مدركين إن ألنقد البناء لجميع المسئولين دون استثناء،سواء بالقول أو الكتابة الصحفية حق كفلة الدستور،ابتداء من رئيس الجمهورية مروراً برئيسي مجلسي النواب والشورى ورئيس الوزراء والوزراء،وانتهاءً ببقية المسئولين مدنيين وعسكريين هم معرضون للنقد حين يرتكبون أخطاءً سياسية،ومن لا يتحمل النقد يفترض فيه أن لا يحتل موقعاً يرتبط بالشأن العام،هذه هي القاعدة العامة في النظم الديمقراطية.
ولاشك أن عبادة الأصنام(اللات،والعزة،ويغوث،وهبل)التي ورثها العرب قبل الإسلام لا زالت(جيناتها)تسري في عروقنا،وأستطيع القول بعد هذا العمر الطويل من تجربتنا السياسية،ومن الكذب العربي في ممارسة الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة،بأن هناك فئات عربية تعبد الأصنام على هيئة الحكام،فتكون إرادة الحاكم الفرد ملك أو أمير أو رئيس،هي مصدر السلطات والدستور،فيحتفظ الحاكم بالسلطة والثروة والنفوذ ويوزعها كيفما يشاء(مكرمات)حينما يشاء،فيحيطونه بهالة من التبجيل والتقديس ويتم اختزال الشعب في صورته،فهو الجندي والعامل والمثقف والمحامي والطبيب،وكل ما يعمله يصنف ضمن الأمور الخارقة،بل وتحتل صورة كل مكان وصولاً إلى غرف النوم،وصاروا حكامنا وزعماؤنا الملهمين المعصومين يختصرون فكريا،فكر أمتهم وما على أمتهم سوى التهليل والتصفيق لهم.
حتى أننا صرنا لا نتأمل في أفعالهم وأقوالهم ومقدار مصداقيتها وصوابها،لأننا ألغينا عقولنا إمام عقولهم،وتحولنا إلى ببغاوات نقلد أقوالهم وأفعالهم،كما فعلت الأمم السابقة مع ملوكها،فالقائد الأوحد،والزعيم الملهم،والوالي المطلق،فكرة انبثقت في الأمة العربية والإسلامية،لا يمكن أن يخطئ،لأن الملك أوالحاكم يعتبر في نظر تلك الثقافة منصبا من قبل الله مستدلين على ذلك بقول الله عز وجل(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)صدق الله العظيم،إنها بحق معضلة عقليه ثقافيه تشكلت في سياقنا الاجتماعي الثقافي السائد،بفعل المطبلين والمهرجين من المطيعين و مقبلي الأيادي،فهل لنا أن نتحول عنها نحو العصر ورحابته،حيث لآطاعة لإنسان ولا قدسية لأحد من بين هذه المخلوقات البشرية وغيرها،أم انه قد كتب علينا أن نعيش في ظل أنظمة دكتاتورية،يتم فيها توارث(الحكم)من ألآباء إلى ألأبناء أبد ألأبديين.والله من وراء القصد والسبيل.
في الثلاثاء 29 أكتوبر-تشرين الأول 2013 08:28:29 م