|
الفريق اول عبد الفتاح السيسي بات الآن في وضع "النمر الجريح" بسبب شعوره بالخديعة من قبل حلفائه الامريكان الذين اوقعوه في هذا المأزق المصيدة، سواء عندما نصحوه بان يقوم بانقلاب عسكري صرف، واعطاء السلطة الى قيادة مدنية صورية (تعيين عدلي منصور رئيسا والبرادعي نائبا)، او بالتريث وعدم اقتحام ميدان رابعة العدوية وفض الاعتصام بالقوة مثلما كان يخطط.
الهجمة الاعلامية الشرسة التي يشنها انصار النظام العسكري في محطاتهم التلفزيونية هذه الايام ضد الولايات المتحدة الامريكية ووسطاتها تعكس خيبة الامل المريرة هذه لدى الفريق السيسي وزملائه.
فمن المفارقة ان ينطق الرئيس الصامت عدلي منصور فجأة، ويتهم السناتور جون ماكين بالتدخل في شؤون مصر الداخلية لأنه فسر الماء بالماء، ووصف الانقلاب بالانقلاب وحذر من ان مصر تتجه الى حمام دم شامل، اذا لم يتم حل الازمة بالطرق السلمية.
نعم السناتور ماكين يتدخل في الشؤون الداخلية المصرية، ويتنطع لدور الوسيط دون ان يكلفه احد بالوساطة، ولكن السؤال هو من الذي سمح له بالقيام بهذا الدور وفرش له السجاد الاحمر، وفتح امامه كل الابواب؟ الم يستقبله الرئيس منصور بحفاوة بالغة في مكتبه، فلماذا لم يطالبه اثناء المقابلة بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية المصرية ويطالبه بالرحيل فورا؟
السيد عمرو موسى الذي لعب دورا خطيرا في الازمة الحالية من خلف الستار بتهيئة الظروف والمناخات للانقلاب العسكري، يقول للسناتور ماكين "ان اهل مكة ادرى بشعابها" كمؤشر على اعتراضه على صولات وجولات هذا السناتور المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، ونسأل السيد موسى لو انه، اي السناتور ماكين، ايد الانقلاب العسكري فهل كان سيقول له ما قاله، ام سيعتبره من اهل البيت الذي يعرف شعاب مكة وحاراتها وازقتها؟
***
حالة الارتباك التي تعيشها مصر ووصلت ذروتها منذ حدوث الانقلاب العسكري، هي التي ادت الى هذا الوضع المأساوي الراهن، الذي يمكن ان يتطور الى حرب اهلية ومواجهات دموية تعصف بهيبة الدولة وتدمر هياكلها ومؤسساتها.
الاجندات الامريكية تتناقض كليا مع الاجندات الوطنية المصرية، وما تريده امريكا هو استمرار الدور الوظيفي لمصر في حماية حدود اسرائيل وضمان امنها واستقرارها، مقابل ثمن بخس لا يزيد عن مليار وثلاثة ملايين دولار سنويا تكون شركات السلاح الامريكية المستفيد الاكبر منها فما قدمه العرب لمصر في عام، سواء المؤيدين منهم لمرسي او المؤيدين لعزله (20 مليار دولار) يوازي نصف ما قدمته امريكا لمصر في 40 عاما.
الفريق أول السيسي اعترف في حديثه لصحيفة "الواشنطن بوست" انه كان على اتصال شبه يومي مع تشاك هاغل وزير الدفاع الامريكي، ويشعر بمرارة لان الرئيس الامريكي باراك اوباما لم يتصل به على الاطلاق، وهذا الاعتراف يعني ان التنسيق كان كاملا بين الجانبين، ليس فقط حول الانقلاب العسكري وانما في قضايا اقليمية اخرى، وهذا ما يفسر تأييد امريكا له، وعدم تسمية الانقلاب بالانقلاب بل هو ثورة لإعادة الديمقراطية وترسيخها في البلاد مثلما قال جون كيري وزير الخارجية لمحطة تلفزيونية باكستانية.
من المؤكد ان قرار اقتحام ميداني النهضة ورابعة العدوية قد جرى اتخاذه، وان ساعة الصفر قد تحددت، فباب الوساطات قد اغلق نهائيا، والحلول السياسية تراجعت ان لم تكن قد فشلت كليا، فالإخوان وانصارهم من الاسلاميين لن ينهوا اعتصاماتهم طوعيا، والجيش الذي يصفها، اي الاعتصامات، بانها غير سلمية، ويتحدث عن اسلحة واعمال تدريب للأنصار وتعذيب للخصوم لن ينتظر طويلا وطفح كيل صبره تجاه حالة الجمود الحالية.
ايام عيد الفطر المبارك ستكون بمثابة "هدنة" يتلوها الاقتحام الدموي المتوقع، فالتفويض صدر من قبل مجلس الوزراء للواء محمد ابراهيم وزير الداخلية المتشدد لإنهاء الاعتصامات بالقوة قبل اسبوعين، ولا نملك الا ان نضع ايدينا على قلوبنا انتظارا للكارثة، الا اذا حدثت "معجزة ما" تحول دون ذلك وتحقن دماء المصريين الطيبين.
امام الجيش المصري وقيادته خياران، الاول ان يتم الافراج عن جميع المعتقلين من قيادات الاخوان وعلى رأسهم الرئيس مرسي، والانخراط في حوار حقيقي لحل الازمة داخليا بعيدا عن الوسطاء العرب والاجانب اصحاب الاجندات المتعارضة مع المصالح الوطنية لغالبية الشعب المصري، او اللجوء الى القوة لفض الاعتصامات.
***
استخدام القوة واستمرار اعتقال الرئيس مرسي وزملائه، لن يؤدي الى القضاء على التيار الاسلامي وازالته عن الخريطتين الاجتماعية والسياسية، بل قد يؤدي الى نتائج عكسية تماما، ونجزم بان هناك عقلاء وبراغماتيين داخل حركة الاخوان يمكن ان يتم التفاوض معهم للوصول الى مخرج من الازمة يحقن الدماء، فماذا يمنع الفريق السيسي من الذهاب الى الرئيس مرسي في سجنه واخراجه منه واصطحابه في سيارته الى قصر الاتحادية لفترة مؤقتة تتلوها انتخابات رئاسية في اطار تسوية ومصالحة شاملة، مثلما فعل العاهل الاردني الراحل حسين بن طلال عندما ذهب الى سجن الجويدة وبسيارته التي قادها بنفسه لإخراج المعارض ليث شبيلات من سجنه.
ندرك ان الظروف مختلفة كليا، والمقارنة في غير مكانها وزمانها، لكننا نتحدث هنا عن مسألة اخذ زمام المبادرة، والتضحية من اجل مصر وشعبها الطيب، ووضع مصالحها فوق مسألة الكرامة الشخصية والاعتبارات الاخرى.
فهل يفعلها الفريق السيسي؟ نأمل ذلك وان كان لدينا الكثير من الشكوك في هذا الصدد.
في الأحد 11 أغسطس-آب 2013 06:31:53 م