|
لأن اليمنيين حاذقون في التجارة وحانقون في السياسة, والشعور بالخسارة والربح يطغى على أيّة قيمة أخرى لديهم , فقد تفاعلوا أكثر مما يجب مع الأزمة في مصر, سواء بالتهليل الأرعن لعزل مرسي أو بالشعور بالصدمة المبالغ فيه, وكأن ذلك نهاية العالم! والمسألة أبسط مما يتصور الجميع أو يتمنى! فلا عزل مرسي سينهي قوة الإخوان, ولا بقاءه سيغيّر مصر والمنطقة! والمهم ألّا يسيل دمٌ أو ينكسر عظمٌ أكثر ممّا سال وانكسر فجْر السبت الدامي في رابعة العدوية!.
لا أريد لليمنيين أن يكونوا مثل بعض مشجعي كرة القدم الحمقى والمتعصبين!.. الهتاف هو كل حياتهم.. يموتون ويحيون لمجرد أن يروا هدفا في مرمى! ويشمتون كما تشمت النساء حتى لمرئى الدماء!.. يحدث في مصر ما يحدث بينما يتقاسم اليمنيون ويتقاصمون, ويتحاورون!.. يتقاسمون حتى أقسام الشرطة, ويبدو أنهم في طريقهم كي يتقاسموا آبار النفط, وآبار المياه, وحتى ملح البحر! .. وهم يقصمون ظهر البلاد بالصمت على ضرب أنابيب النفط والكهرباء, ونهب المعسكرات!.. وهم يتحاورون رغم ذلك ولو في الظلام!.. والغريب أنهم راضون عن أنفسهم تماما رغم كل ذلك, وربما أعلنوا قريبا عن وجوب أن يتعلّم العالَم من تجربتهم! قبل أن يشعلوا حربا أخرى كما حدث في سنوات خلت!.
الآن يتساقط الملايين بالجوع والظلام والفراغ انتظاراً للمتحاورين المشغولين بإيجاد الحلول! حتى لمشاكل الطب البيطري! رغم أن الأزمة في اليمن لا علاقة لها بالطب البيطري! بل ببطَر الحكام وأنانيتهم, وغرورهم وجهلهم!.
في مصر, ورغم هول ما يحدث يظل الأمل قائما في الخروج من مستنقع الدم! أمّا نكتة الموسم والمواسم القادمة فهي تهمة التخابر مع حماس! لكن الدولة رغم كل شيء تظل موجودة حاضرة فلا أحد يضرب أبراج الكهرباء, أو النفط, أو يقطع الطريق, ولا أحد يتحدث عن تقسيم الثروة والسلطة ويكررها كل يوم كأغنيةٍ مملّة!.. لا أحد يفعل ذلك في مصر رغم اختلاف المصريين الحاد حول عزل مرسي, .. ورغم انقسام المصريين حول ذلك إلا أن الانقسام لا ينسحب على ثروة مصر وأرضها, ومقدّراتها, وجهاتها الأربع!.. كما أن الجيش واحد وموّحد ومحل احترام الجميع بما في ذلك الإخوان! الذين يعلنون أن خلافهم ليس مع الجيش بل مع قيادته!.. كما لا يوجد في مصر فصيل سياسي مسلّح يحكم محافظة أو محافظتين!.. أو حراك في جنوب مصر يهدد بالانفصال! ويستعين حتى بالشيطان!.
لقد قضى التقاسم في اليمن على كل أمل في تغيير حقيقي, بعد أن أصبح السياسيون مجرد آلات حاسبة! أو حصّالات نقود يومية! لا حُلم في رؤوسهم, ولا ضوء في قلوبهم, أو أمل في عيونهم!.. حتى السياسي القديم من جيل الأحلام الكبيرة فقدَ ذاكرته تحت الثريّات الساطعة, وعلى المآدب الأنيقة العامرة!.. أما الشباب الثائر.. وهُمْ طليعة الشعب وطلْعةُ حلمه, فقد تقاسمتهم أطراف الحوار وأحزابه, وتناهبتهم قوائم التشتيت وأصحابه!.. وكأنّ الغاية من ثورة الشباب هي الحوار بحد ذاته, ومجرد المشاركة ولو بالصمت!.. أما ماذا بعد.. وإلى أين؟ وما هو سبب المشكلة؟ فقد غابت الأسئلة حين غامت الرؤية! وضاعت الحقيقة حين ماتت الذاكرة.
يصبح السياسي بلا حلم مجرّد سائس في مزرعة, لا سياسيّ في وطن!.. سائس يقود قطيعاً صوب إقطاعية يتحاذق ليقتطعها.. ويتكالب كي ينتهي إليها!.
في الأحد 28 يوليو-تموز 2013 11:16:16 م