صنعاء وصراع البحر والصحراء
دكتور/عبدالعزيز المقالح
دكتور/عبدالعزيز المقالح
شهْدت الأجواء في أرضنا اليمنية الحبيبة، وفي صنعاء العاصمة خاصة صراعاً حاداً بين العاصفة الترابية القادمة من الصحراء والرياح الموسمية الممطرة القادمة من البحر. كان الصراع عنيفاً وكانت الغلبة في البداية للعاصفة الرملية التي سيطرت على الأجواء، وكان أول ما فعلته أن حجبت الشمس وأسقطت على الأرض كميات هائلة من رمادها الترابي الذي غطى سطوح المنازل والشوارع ونجح في التسلل إلى غرف النوم، وفي مناخ كهذا صارت الرؤية منعدمة وتوقف الطيران عن الحركة. أما السماء التي كانت صافية شفافة مليئة بالسحب البيضاء، وأحياناً بالغيوم الماطرة أو شبه الماطرة، فقد اختفت تماماً وصار منظرها داكناً شأن كل شيء هبطت عليه العاصفة وأخفت معالمه.
وكان على الذين يغامرون في الذهاب إلى أعمالهم أن يدركوا أن الشوارع قد صارت في حالة عماء تام، وبدأ الناس يتحسّسون طريقهم وسط العاصفة الترابية وهم بالكاد يرون بعضهم، كان أغلبهم يسيرون على أقدامهم، والقلة منهم فقط هي التي تركب السيارات أو الباصات، وكان من الصعب التفريق بين الشارع والرصيف لذلك فالجميع يشقون طريقهم بصعوبة، بينما كانت واجهات المنازل كواجهات الدكاكين غائبة في هذا المشهد المعتم الذي يؤكد كثيرون من أبناء الجيل القديم والجديد أنه غير مسبوق، وأن صنعاء لم تشهد في تاريخها الحاضر وربما القديم مثل هذه العاصفة التي استمرت أياماً. وبدا الأمر وكأن الصحراء تثأر من مظاهر التحديث في هذه المدينة، من الشوارع المسفلتة والبنايات العالية، وويل للناس والمدن من انتقام الصحراء ومن غضبها المكبوت.
لم يكن القلق ناتجاً عن أن العاصفة القادمة من الصحراء قد تحجب رؤية الأشياء أو تسدل ستاراً سميكاً من الغبار على الأجواء أوالطرقات، وأن يتسلل رمادها إلى العيون والأنوف والأفواه، وإنما كان القلق تجاه ما سوف تعكسه على النفوس من ضيق وشعور بالرغبة في تصعيد التوتر ورفع درجة الانفعال، حيث تلعب الأجواء المتقلبة دوراً في تأزيم الأوضاع وتهييج النفوس، وحينما يسير الإنسان في شارع مزدحم بالناس والعربات يشعر أن الجميع في حالة تحفز واستنفار، وكأن انعدام الرؤية في الأجواء يعكس حالة انعدام الرؤية في الحياة العامة ويسير بالجميع نحو الارتجال في التعامل مع القضايا والتخبط في اقتراح الحلول التي سرعان ما تؤكد الأيام أنها لم تكن حلولاً بل جزءاً مضافاً إلى المشاكل وفي أحسن الأحوال جزءاً من المسكنات المؤقتة التي لا تغني عن الحلول القائمة على رؤية عميقة وشاملة.
ولعل أسوأ جنايات عاصفة الصحراء تلك أنها قد عملت على تأخير موسم المطر عن موعده المحدد في الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار)، وهو الشهر الذي يتفاءل به الفلاحون ولا ينفكون يرددون مثلهم الشعبي «في آذار يخرج الماء من الجدار»، وقد حاولت الرياح الموسمية القادمة من البحر بكل ما أوتيت من قوة أن تقاوم العاصفة الترابية وأن تخمدها بسيل من أمطارها إلاَّ أن الغلبة -كما سبقت الإشارة- كانت للعاصفة التي جاءت محملة بكل ما اقتلعته من تراب الصحراء ورمادها، وحتى كتابة هذا الحديث والصراع دائر بين البحر والصحراء والآمال معلقة على انتصار البحر الذي بدأت بوادره تظهر بأمطار الأيام الماضية وقبل أن ينتهي الموسم وتشهد البلاد فترة من الجفاف المصحوب بحالة من القلق والاستياء العام.
تأملات شعرية:
لا تفتح نافذتي من فضلك
دعها مغلقةً.
ليلٌ آخر يحجب ضوء الشمس
ووجهُ الشارع
ليلٌ من أقنعةٍ وترابْ!
لا رؤيةَ في الميدان العام
ولا ضوءَ هنالك في القاعةِ
حيث القادة يختصمون
وتصطدم الكلمات على جدرانٍ
خاويةٍ وسرابْ.
في الجمعة 30 مارس - آذار 2012 06:02:53 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=55&lng=arabic