|
وفي ضوء الإجراءات الإسرائيلية المتسارعة ضد المدينة المقدسة، فقد تعالت الأصوات والنداءات والاستغاثات الفلسطينية وعلى مختلف النبرات الدينية والسياسية والاجتماعية، بأن القدس تعاني في كل لحظة، سيول جارفة من الانتهاكات اليهودية وهي في مرحلة خطر محدق، ولكن لا أحد يجيب كما ينبغي. وكانت كل البيانات الصادرة عن الاجتماعات فيما بين الدول بشأنها لا تساوي صفراً.
منذ الفترة الأخيرة، حذرت قيادات دينية وسياسية فلسطينية من خطورة قرار الحكومة الاسرائيلية بتقديم التسهيلات والسماح لجماعات وأعداد كبيرة من المستوطنين باقتحام ساحة المسجد الأقصى وإعطائهم الفرصة لأداء صلواتهم التلمودية داخلها، الأمر الذي يوشك أن يكون بداية تنفيذ مخططهم الأكبر وهو بناء الهيكل، حيث أعلنت جماعات متطرفة ومدعومة بأنها في لمساتها الأخيرة نحو تنفيذ هذا الهدف، أو بداية لتقسيم الأقصى بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الأقل. إلى جانب السماح بدخول يهود علمانيين وجنود، يهدفون إلى تثبيت الهوية الإسرائيلية في المكان وانتهاك المقدسات الدينية الإسلامية، وبحماية مشددة من قوات الاحتلال وأجهزته المختلفة.
إلى هذه اللحظة لم تتلق القدس ولم يتلق الأقصى أي أمرٍ يمكن أن يُذكر أو أن يساعد في صد الهجمة الأشرس ضدهما، من جانب الآلات الصهيونية العاملة، وسواء كان ذلك من على ظهر الأرض أو في باطنها.
في الوقت التي كانت تتلق الدول العربية تلك النداءات بشأن القدس والأقصى، فقد قامت الدول العربية (من فورها) خاصةً الخليجية، إلى تحريك إمداداتها السياسية والمالية والمعنوية ليس لمن ينادي ويستغيث هنا في القدس، بل وعلى نحوٍ أولى بتوجيه المدد (عِدة وعتاد) إلي الشقيقة مصر، بحجة تقديم مساعدات اقتصادية لمواجهة ظروفها الحالية، معتبرة أن هذا الدعم يعبر عن مكانة مصر المحورية فى المنطقة، وأن اختلالها يعنى اختلال المنطقة. أمّا القدس وفي الشهر الكريم لم ترق بعد إلى المستوى الذي يتطلب فيه مد يد العون والمساعدة.
إن القوة التي بدت عليها حزمة المساعدات التي أعلنت دول الخليج العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات عن تقديمها إلى مصر سواء بالمزيد من المليارات من الدولارات أو بإرسال بحوراً من النفط وغير ذلك من رسائل الحب والتهاني والتبريكات بشأن إسقاط الحكم الإخواني- مع تأييدنا ضمناً لأى دعم أو مساندة فيما بين الدول العربية والإسلامية إذا كانت في سياقها الصحيح- لم تكن مفاجئة أو غير مألوفة، وهي كما يعلم الجميع لا تأتي بسبب التكامل العربي أو التكافل الإسلامي، بل تأتي في إطارات أخرى مختلفة تماماً عما يعتقد البعض. وأغلبها ما يقع في سياق التنافس وكسب الأصوات والخوف المستشري فيما بينها من حيث ملكيات وجمهوريات ودول معتدلة وأخرى ممانعة، إلى جانب سطوع ظاهرة المشاحنات والمنافسات الدينية والمذهبية التي بدأت في انتشارها في الإثناء بصناعة أمريكية وتجميع إسرائيلي متقن وغير ذلك.
إن ما أحجمت عن فعله الدول الخليجية بشأن القدس والمسجد الأقصى، وما سارعت إلى فعله مع مصر بعد تدخّل الجيش، لا يدل بأي حال على الدعم المأمول في الأصل وعلى الأسس الصحيحة، بل يدل من جديد بالإضافة على عدم انتباهها للقدس وفلسطين بشكلٍ عام وكما ينبغي، يدل على تجذر الكراهية والتنافس السياسي والديني بين الدول والأحزاب والجماعات على اختلافها. بدلالة أن المساعدات التي تقاطرت فجأة إلى مصر فور لجوء الجيش المصري إلى عزل الرئيس المصري \"محمد مرسي\"، كانت غائبة تماماً عن المصريين قبل تولي الجيش زمام الأمور.
ثلاث شركات أو ثلاثة رجال أعمال، يمثلون ثلاث دول عربية خليجية مشغولون منذ مدة في إبرام صفقة كبرى بوساطة قطرية لبيع (عقد لؤلؤ إسرائيلي)، لرجل أعمال سعودي في مملكة البحرين، وإذا ما تمت الصفقة على نحوٍ ما، فإنها ستكون إنجازاً آخر يضاف إلى إنجازات تلك الدول، بغض النظر عن أن الأيدي التي صنعت ذلك العقد هي أيادٍ صهيونية يهودية، وبالتغاضي التام أيضاً عن أن تلك الأيدي هي ذاتها التي تعمل جهدها على تهويد القدس وتسعى إلى هدم الأقصى وصناعة الهيكل.
خانيونس/فلسطين:
في الإثنين 15 يوليو-تموز 2013 12:54:49 ص