|
تأييداً للتسوية السياسية إجمالاً التي قدمتها (المبادرة الخليجية) بـ(مرحلتيها) لحل المعضلة اليمنية وأقرها مجلس الأمن بقراريه السابقين (2014 و2051).. وتأكيداً لوقوفه إلى جانب تطبيق بنود المرحلة الثانية منها.. والتي تبدأ بعقد (مؤتمر الحوار الوطني) الشامل، الذي يضم الأطراف والأطياف اليمنية جميعها.. لرسم الصورة المستقبلية التي ستكون عليها الجمهورية اليمنية (الثانية).. بعد أن تناهى إلى علمه بالتأكيد تلك (الارتدادات) المؤسفة، التي أعلن عنها من باعوا (يمنيتهم) بثمن بخس من أعضاء (حراك الجنوب) و(اللقاء المشترك).. فور سماعهم لخطاب الرئيس التوافقي (المنتخب) - ذي الأصول اليمنية الجنوبية -: عبد ربه منصور هادي.. الذي أدلى به في أول أيام ولايته المؤقتة - والتي ستنتهي بعد عام.. في الثالث والعشرين من شهر فبراير من عام 2014م -، والذي أعلن فيه عن الانتهاء من تطبيق المرحلة الأولى من (المبادرة الخليجية).. والانطلاق نحو تطبيق (المرحلة الثانية) منها، والتي يتصدرها (الحوار الوطني الشامل).. ليفاجأ الرئيس عبد ربه - كما فوجئ اليمنيون جميعاً - وكما فوجئت الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدولي فيما بعد بـ(رفض) الحراك الجنوبي واللقاء المشترك.. الدخول في هذا (الحوار الوطني) ما لم يتم وفق شروط (الحراك) التعجيزية (على أرض محايدة وتحت إشراف دولي.. وبين دولتين - لم تعودا قائمتين - هما اليمن الشمالي واليمن الجنوبي)، ووفق شروط (اللقاء المشترك) الانتقامية (إبعاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن رئاسة حزب المؤتمر، وأقاربه عن مناصبهم ومواقعهم في المؤسستين الأمنية والعسكرية وتحقيق الأمن).. وكأنها مسؤولية الرئيسين (هادي) و(باسندوه) وحدهما، وليست مسؤولية كل مخربيه من (حراك الجنوب) و(اللقاء المشترك) وغيرهما من (الحوثيين) وميليشيات (الأحمر). لقد قيل ساعتذاك.. في تبرير هذا الارتداد أو هذه (الردة) عن ما تم الاتفاق عليه من قبول لـ(المبادرة) بمرحلتيها، والتوقيع عليها في (الرياض) من قبل (الحراك) و(المشترك).. بأنه ليس بأكثر من شروط لتحقيق (مكاسب) نوعية في (نسب) حضور مؤتمر الحوار الوطني وفي (مخرجاته)، لتكون لـ(صالح) الجنوب.. على الشمال، ولكن.. عندما عاد (حراك الجنوب) لتكرار الأسطوانة (المشروخة) نفسها.. لحضور المؤتمر (أرض محايدة، وإشراف دولي، وبين دولتين).. منتهزاً فرصة الاحتفالات بالذكرى التاسعة والأربعين لثورة الربع عشر من أكتوبر، وخروج مئات الآلاف من اليمنيين الجنوبيين إلى شوارع (عدن) وميادينها احتفاءً واحتفالاً بـ(الذكرى).. في محاولة لتجييرها وكأنها تجديد لمطالب (الحراك) الانفصالية، بينما تولى زعماء (الحراك).. توصيف أعوام (الوحدة) الاثنتين والعشرين بأنها (احتلال شمالي) للجنوب كـ(الاحتلال البريطاني) له!! وأن هذه (الجماهير).. ستكون هي أدوات استعادة (الاستقلال).. كان يتأكد لـ(الأمم المتحدة) وذراعها المكلف بحفظ السلام والأمن الدوليين (مجلس الأمن).. بأن الشعارات التي أطلقها (الحراك) في فبراير الماضي لم تختلف في مضامينها عن هذه التي أطلقها (الحراك) نفسه قبل شهرين، وأن عليه أن يتحرك للدفاع عن (المبادرة) التي توافق عليها الخليجيون ومعظم العرب والأوروبيين والأمم المتحدة ومجلس أمنها.. وربما للدفاع عن السلام والأمن الدوليين بمنظور الولايات المتحدة المرعوبة من (القاعدة).. كرعب أحد وزراء خارجيتها السابقين من (الجيش الأحمر) السوفييتي إلى حد الاختباء منه تحت السرير، والقلقة من (إيران) وملفها النووي.. وهو ما سيصب في النهاية - إن كان هذا أو ذاك - لصالح (الوحدة اليمنية)، التي تربت الأجيال اليمنية على حلم قيامها.. وطي سنوات (التشطير) من أرضها وإلى الأبد!! لقد كان أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه.. يقول في نهاية موسم حج كل عام: (يا أهل الشام.. شامكم، ويا أهل اليمن.. يمنكم) ولم يقل (يا أهل اليمن الشمالي) أو (يا أهل اليمن الجنوبي)، فقد كان (اليمن).. منذ حضارة سبأ وما قبلها يمن واحد، ولم يُعرف أنه.. يمنان إلا على يد الإمبراطورية البريطانية - سيدة البحار التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس - والمائة والثلاثين عاماً من احتلالها!!
لقد نادى كثيرون من المعنيين بـ(المبادرة الخليجية).. التي كانت وكأنها (سفينة نوح) لإخراج (اليمن) من (طوفان) الأحقاد والأطماع والعنعنات القبلية والانقضاض على الشرعية التي وجد نفسه فيها.. بسبب النجاح الكاسح لـ(دورة خليجي) عشرين، التي رأى العالم فيها.. ولأول مرة: يمناً آخر غير الذي يعرفه.. بضرورة العودة لـ(أصحاب المبادرة) لاحتواء هذه (الردة) بجزرة الهبات أو حتى الوعود بها، أو لـ(مجلس الأمن) حامي المبادرة لـ(كسر) هذا (الارتداد).. بعصا قراره رقم (2051)، ولم يخطر ببال أولئك المعنيين بـ(المبادرة) في داخل اليمن أو في خارجه.. أن (مجلس الأمن) سيأتي بقضه وقضيضه.. برئيسه وأعضائه إلى (صنعاء) ليعقد جلسته في رحابها: تأييداً لـ(المبادرة).. وحثاً عملياً جاداً لإنفاذ مرحلتها الثانية بانخراط الأطراف جميعها في (مؤتمر الحوار الوطني).. الذي يمثل فاتحتها.
وليس من شك.. في أن الذي حمل (مجلس الأمن) على قدومه وبهذه الصورة المفاجئة إلى (صنعاء)، هو ذلك الدبلوماسي البارع.. العربي المغربي الأصول: السفير جمال بن عمر.. مساعد أمين عام الأمم المتحدة، الذي فرغته الجمعية العامة لمتابعة (الملف اليمني).. وفرز حقائقه من ادعاءاته لتطبيق المبادرة الخليجية بمرحلتيها: الأولى.. التي انتهت بنجاح أقرب إلى الخيال.. في تسعين يوماً، بانتخاب (هادي عبد ربه منصور) رئيساً للجمهورية.. و(محمد سالم باسندوه) رئيساً لحكومة الوفاق الوطني المشكلة - بالتساوي - بين أحزاب المعارضة.. والحزب الحاكم، و(الثانية).. التي بدأت بالتحضير لعقد (مؤتمر الحوار الوطني).. الذي جدد (الحراك) و(المشترك) بل والحوثيين وميليشيات الأحمر معارضتهم لحضوره إلا وفقاً لـ(شروطهم) التي لا تملك بحق أي قدر من العقلانية أو الوجاهة السياسية.
لقد سمع السفير جمال كثيراً.، دون شك.. طوال شهور المعضلة أو الأزمة اليمنية، والتقى بالقيادات اليمنية في داخل اليمن وخارجه.. وحاول ما وسعته الحيلة في حمل المقاطعين على التراجع عن مقاطعتهم لـ(مؤتمر الحوار)، ثم وضع الحقائق.. ومرئياته كلها أمام الأمين العام ورئيس وأعضاء مجلس الأمن، فكان قرارهم.. بـ(القدوم) إلى (صنعاء).. متخطين ومتحملين كل الصعاب التي يمكن أن تواجههم. لقد قدم السفير جمال بن عمر بذلك لـ(اليمن) ولملايين اليمنيين.. من أصحاب العقول الراشدة والقلوب العامرة بحب اليمن (الواحد): المغلوبون على أمرهم.. أمام أصحاب الحناجر العالية والجيوب الطافحة بملايين الريالات اليمنية لشراء عوز الناس وحاجتهم لها.. من شراذم (الحراك) و(المشترك).. ما قد يعجز عن تقديمه الكثيرون، وهو ما يستحق التقدير والثناء عليه والإكبار لجهوده الاستثنائية.. وبكل المقاييس.
مع وصول (الوفد).. إلى (صنعاء) في السابع والعشرين من (يناير)، وقبل أن يعقد جلسته التاريخية المرتقبة.. كان قد التقى بالرئاسات اليمنية الثلاث (الجمهورية والوزارة والبرلمان)، وبرؤساء الأحزاب والهيئات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.. للتشاور والتداول معهم، وشرح أهداف زيارة (الوفد): الداعمة لـ(المبادرة الخليجية)، و(المؤيدة) لها بمرحلتيها، و(المهنئة) للقيادة اليمنية على نجاحها السياسي الباهر في إنجاز المرحلة الأولى من المبادرة.. وللشعب اليمني على تجاوبه الذي أكد به البعد (الحضاري) الذي يتحلى به في إنجاح المرحلة الأولى منها! وكان طبيعياً أن يقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي .. حفل استقبال لـ(الوفد) الذي كان في معية حضوره إلى صنعاء أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني.. الذي لعب أدواراً إيجابية بالغة الأهمية في تذليل صعوبات تنفيذ المرحلة الأولى من المبادرة، حيث ألقى الرئيس عبد ربه الذي كشفت المرحلة الحرجة التي مر بها (اليمن) طوال عام 2011.. عن معدنه اليمني الأصيل، وشجاعته في اقتحام مصاعب المرحلة الأولى من المبادرة، وأناته وصبره في الاستماع إلى تلك الأصوات النشاز المنددة بالمبادرة والمتوعدة بفشل مرحلتها الثانية.. خطاباً رفيع المستوى، أليق ما يكون بـ(اليمن) وتاريخه وحكمته التي تتحدث عنها كل أيامه الخوالي.. حتى وهو يشير إلى العقوبات التي (ستفرض على معيقي التسوية)..؟!
ولكن.. وبدلاً من أن يتفهم (الحراك) قيمة ومغزى قدوم أعضاء مجلس الأمن ورئيسه إلى (صنعاء)، لعقد جلسة تاريخية بها لدعم انتقال السلطة فيها.. إلى إدارة سياسية منتخبة من قبل جموع الشعب اليمني بكل أطرافه وطوائفه.. كان رئيسه (العميد ناصر النوبة) يحرك في (عدن) مجموعات من المتظاهرين، ويدير الأسطوانة المشروخة نفسها: أسطوانة (الانفصال) التي لا يشاركه فيها حتى من خرجوا معه في تلك المظاهرات بدواعي الحاجة.. إذا جد الجد. لقد نسي (النوبة).. أن (المبادرة) ليس في واردها أساساً بحث موضوع (الوحدة) اليمنية القائمة تاريخياً في وجدان الشعب اليمني منذ الأزل، والتي تحققت سياسياً وإدارياً بجهود رجال وشباب اليمن وقادته التاريخيين في الجنوب والشمال.. منذ أن غادر المستعمر البريطاني أرض الجنوب اليمني، وكان حرياً به أمام هذا الواقع الوجداني والتاريخي.. أن لا يواصل السير في طريق مسدود، وأن يسهم في (المستقبل) اليمني المنتظر.. بدلاً من البكاء والتحريض على (التشطير) الذي انتهى وولى زمنه.. بخروج صانعه البريطاني من جنوب اليمن منذ سبعينات القرن الماضي!!
على أي حال، لم يدع رئيس مجلس الأمن.. البريطاني - لهذا الشهر -: السيد مارك برانت.. هذه الشوشرة (النوبية) بأن تمر دون حسم، عندما قال في مؤتمره الصحفي الوداعي لصنعاء: (إن قرار مجلس الأمن رقم 2051 يحدد بوضوح، أن مجلس الأمن لن يتساهل مع أي تدخل) وهو (يدعو أولئك الذين يحاولون حرف العملية إلى أن يوقفوا كل نشاطاتهم)!!
لكأن (الحراك) ومؤسسه.. يعيشون في عالم افتراضي من صنع خيالاتهم، دون أن يتذكروا حاجة اليمن.. ليس لمجلس الأمن وحده، بل وللجمعية العامة وللخليجيين وللعرب وللأوروبيين جميعاً.. لدعم مستقبله ومستقبل شبابه وشاباته، ونهضته.. على كل الأصعدة.
ويبقى بعد هذا كله.. (السؤال) الاستنكاري الذي عنونت به هذا المقال: (هل اليمنيون بحاجة إلى "استفتاء" جديد حول "وحدتهم").. بعد أن أيد 98% منهم (دستور الوحدة) عام 1991؟!
تنويه:
ورد في المقال السابق (في "الإسكندرية".. (ع الطائر) لاثنين وسبعين ساعة..)2/2، أن المستشار الإعلامي للملك فاروق هو (جعفر ثابت) والصحيح أن اسمه (كريم ثابت)، لذا لزم التنويه.
dar.almarsaa@hotmail.com
- نقلا عن صحيفة الجزيرة السعودية:
في الأحد 03 فبراير-شباط 2013 09:37:32 ص