|
الاعتراف بالمشكلة، هو البداية السلمية لمعالجتها، والدعوة إلى الاعتراف بها لا يعني الانحياز لها، أو الاستفادة منها، أو تأجيج نيرانها، أو التشفي بطرف معين أو السعي لإدانته.
منذ سنوات مضت وخاطري يتلقى الكثير من المخاوف الناجمة عما يتهدد الوحدة اليمنية.. أكبر إنجاز ونصر نحرزه في تاريخنا.. وكيف تفاقمت مشاعر تلكم المخاطر لتشمل ما يتهدد وحدتنا الوطنية، التي حافظنا عليها عبر العصور، وحماها شعبنا ورسخها في ظل التواجد الاستعماري وحكم الدويلات والإمامة.
وحدتنا اليمنية، والوطنية تتهددها مخاطر، علينا أن لا ندفن رؤوسنا عنها، لافي الرمال المتحركة ولا بين ركام الأوهام والوعود التي ينسجها الأشقاء والأصدقاء الذين نرى فيهم أهل الحل والعقد..
حقيقةٌ مُرة، أقولها ولا أخشى من رد فعل عاطفي أو مزايدة من مزايد لأني محصَّن من ذاك بعشقي للوحدة وبنشأة تكويني النفسي على الإيمان بها وباعتزازي، لأني قدمت لها مالم يقدمه شاعر آخر (ديوان بالملكة. ونتاج عقود من الكتابة للإذاعة والصحافة..) ولهذا لا أخشى المزايدات والتأويلات المغرضة.
حقيقة أحسست بمرارتها في حلقي، وبمخاوفها في خلدي، من قبل أن تفرز الأحداث والممارسات ما أُطْلِقَتْ عليه تسمية الحراك الجنوبي السلمي عام 2007 وما أسميت بحركة (موج) أو العصبة الحضرمية مؤخراً، ولكن منذ العام الثاني على رفع علم الوحدة في عدن 1990، وبعد أن شممت رائحة العداء للحزب الاشتراكي واضُع اللبنة الأولى للوحدة اليمنية بتوحيد اثنين وعشرين سلطنة وإمارة، ومشيخة، والشريك الأساس في المجيء بيومها المشهود، وتحقيق الهدف المنشود لأجيال تعاقبت، ومنذ رأينا العمل جهاراً نهاراً وليلاً ليس لشرخ العصا مع شريك صنع الوحدة بل كسرها بما تعرض له الحزب الاشتراكي من مضايقات ومس الايذاء كوادره إلى درجة الاغتيالات للعشرات منهم في الطرقات والشوارع والمنازل، في أكثر من مكان بما في ذلك العاصمة.
مرارة أحسَّ بها كل غيور على النصر الوحدوي العظيم، منذ همست مدننا في جنوبنا الحبيب بشكواها ممن رموها بهم، أو قُذفوا إليها للإساءة للوحدة قبل الإساءة إلى كل المؤمل منها، وأحلام تعلقت بخيراتها ومكاسبها.
من كان المؤمل أن يكونوا أيادي لكل ما هو خير، كانوا وللأسف أيدي لكل ما هو شر وتدمير كل شيء؛ من واجبات الدولة والتزاماتها إلى إسقاط هيبتها إلى المساس بالحقوق وفي صدارتها قداسة حق المواطن في ملكيته وماله وتسببت في ردود أفعال متدرجة في الغضب، من الفيدرالية، إلى تقرير المصير إلى فك الارتباط،، إلى التخلي عن الهوية اليمنية أو الانتماء لليمن بشعار (الجنوب العربي) الذي رفعه المستعمر البريطاني ورفضه أبناء الجنوب قبل أبناء الشمال، تلكم الأيدي لم تنحصر شرورها ومخاطرها وصلافتها على المحافظات الجنوبية والغربية بعد تحقيق الوحدة اليمنية وحسب، ولكنها امتدت إلى المحافظات الشمالية، بل وإلى ملكيات وحقوق في أرياف شمال الشمال.
إن مشاكل ومعاناة المواطن في شمال الوطن وجنوبه، تعود إلى عوامل عدة وسلبيات وقصور كبير فيما يتعلق ببناء الدولة، والحفاظ على هيبتها، وواجباتها في مجال المساواة والعدل، وصارت المحسوبية السياسية والمناطقية والأسرية والقبلية هي ما يتحكم في اختيار من يتولى قيادة شئون الدولة، حيث لم يتوقف الأمر عند اختيار الوزير والقيادي.. ولكنه امتد إلى اختيار شاغلي الوظائف الملتصقة بحياة الناس اليومية ومشاكلهم كقاضي المحكمة ومدير المديرية ومدير المرور وقسم الشرطة.. إلخ. وهذا ما جعل رجل الشارع قبل غيره يتذمر وهو يرى من يحتك بهمومه ومشاكله، لا يؤدي واجبه من منطلق الالتزام بشرف المهنة وأمانتها، بل من منطلق مصلحته ومصلحة من يمثل، وبما يعكس أنه المختار غير المناسب، وغير المؤهل.. وهذا مما أضعف الدولة، وأطاح بالآمال ودفع إلى البحث عن الحلول والمخارج وان عبر الفيدرالية والحكم المحلي الواسع الصلاحية على مستوى الأقاليم والمحافظات.
أقول هذا عن متابعات واستنتاجات تقول إن أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين يحرصون على وحدة اليمن، ولا يؤيدون شيئاً اسمه فك الارتباط أو تقرير المصير، متمسكون بالفيدرالية.. كما أن ما آل إليه الحال بسبب عوامل أشرنا إليها قد جعل من الفيدرالية حلاً مرجواً لدى أبناء الشمال الحريصين على وحدة اليمن ومنهم ساسة ومثقفون ورجال أعمال، فحين سألت أحدهم عن حماسه للفيدرالية وإن على مستوى المحافظات، أجابني باختصار: تصور أنه لا يوجد مِنَّا أو من أبناء محافظتنا مدير أمن أو مدير ناحية، وأن سبعين في المائة من مواقع الأعمال الإدارية تشغلها كوادر من خارج محافظتنا!!
وحين سألته عن كفاءات وقدرات أولئك السبعين في المائة، أجاب مبتسماً: من المؤكد أنهم لا يختلفون عمن تم اختيارهم لمحافظتكم من خارجها..
عرفت ما يرمي إليه -مُغلِفاً إياه بابتسامة ساخرة- لأجد أمامي سؤالاً يلح على سامعه طلباً لإجابة صريحة منطقية، مفاده: ماالذي أوَقعنَاَ في هذه النكبة الخطيرة، حتى ألحقنا هذه الجناية بوحدة وطننا وبوحدتنا الوطنية، وكيف أوقعنا أنفسنا حيث لم ينجح ما أسمي بالخط البريطاني ولا الخط التركي أن يوقعنا فيه؟.
سؤال من أسئلة كثيرة تطرح نفسها أمام بصيص الأمل الأخير، (مؤتمر الحوار الوطني) الذي نرى أنه لن يدرأ خطراً ولن ينهي أزمةً ولن يضمد جرحاً.. مالم يضع اليد على مكمن الوجع، وما أدى إلى ما آلت إليه شئون الدولة وأوضاع الوطن بأكمله مالم فليس أمامنا غير البكاء على الفردوس المفقود.
في الثلاثاء 20 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 06:15:13 م