اللجان الشعبية في أبين تكشف فراغ السلطة في اليمن
كاتب/محمد المقالح
كاتب/محمد المقالح
طارق الفضلي رجل مهرج وارتكب حماقات كثيرة تسبب جزء كبير منها بجرائم قتل طالت عديداً من أبناء محافظة أبين نفسها فضلاً عن تبنيه لأعمال إرهابية عديدة وكذا تحالفاته المشبوهة مع أجنحة متعارضة في نظام صالح وتشظياتها جعلته كله مرفوضاً وربما مطلوباً من قبل غالبية أبناء أبين وبعض أطرافها النافذة غير أن هذا شيء و حصار مجاميع مسلحة لمنزلة منذ أكثر من أربعة أيام شيء آخر تماماً..
الحصار المسلح لمنزل الفضلي خارج إطار القانون لا يعبر فقط عن غضب الناس تجاه الفضلي وأعماله المدانة ولكن أيضاً عن غضبهم من الدولة وغيابها الكلي عن معاناتهم بقدر ما يكشف خطورة الفراغ السياسي والغياب الكامل للدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية في أبين وفي اليمن عموماً.
الرئيس الذي وافق على مقترح يقال إن اللواء علي محسن هو من تقدم به عبر حليفه وزير الدفاع، والقاضي بتسليم محافظة أبين للجان الشعبية مقابل تخلي الدولة عن مسئولياتها الأمنية والخدمية اثر خروج مقاتلي القاعدة "باتفاق سياسي " لم تكن جيدة ولا حسنة النية ولكن الرئيس هادي اعتقد حينها وربما بحسن نية أن موافقته بل ودعمه بحماس لفكرة اللجان الشعبية سيحقق له أمرين اثنين كان يبحث عنهما من قبل.
الأول هو تعزيز حربه ضد الإرهاب وأنصار الشريعة وتحصين المحافظة شعبياً ومنع إمكانية عودتهم من جديد، والثاني هو تعزيز نفوذه هو كرئيس في أبين عبر اللجان الشعبية أمام قوى نافذة أخرى تتنازع السلطة في المحافظة ومنها شخصيات وفصائل في الحراك الجنوبي والتكتلات القبلية وغيرها.
لكن الرئيس هادي الذي غرق في محددات قوى النفوذ التقليدي والحراكي من خارج الدولة لم يدرك أن قوته الحقيقية هي من قوة الدولة ومن قوة مركزها القانوني وفاعلية أجهزتها الخدمية والأمنية التي يقف على رأسها وان أي منافسة في مربع النفوذ من خارج الدولة وعلى حساب فاعلية أجهزتها الأمنية والخدمية والسياسية ستكون منافسة خاسرة ولصالح خصومة بل مصدراً يومياً لابتزازه وإضعاف مركزه كرئيس للدولة وهذا ما حدث ويحدث اليوم ليس بسبب ضعف وإضعاف مركز الدولة في أبين بل وفي إضعافها قبل ذلك في صنعاء.
يقف الرئيس هادي اليوم ومعه كل أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية عاجزاً أمام فضيحة حصار منزل الفضلي من قبل مسلحين غاضبين من الفضلي ومن السلطة معاً, فلا رئيس اليمن -وأبين مسقط رأسه-تدخل لإنقاذ الفضلي وإقناع المسلحين بالانسحاب وفض الحصار ولا هو وقف مع المسلحين وساندهم في مطلبهم الذي يبدو عادلا "تسليم الفضلي" إلى الأجهزة الأمنية ومحاكمته في تهم موثقة يدعيها أهالي الضحايا من أبناء المحافظة المدمرة والمشرد أهلها منذ قرابة العام والنصف حتى الآن.
ما يؤسف له حقاً هو أن الرئيس هادي الذي لم يستطع إنقاذ محافظة أبين حين قصفت -من الجانبين- وعلى مدار العام يوم كان نائبا للرئيس لم يستطع اليوم وهو رئيس للدولة أن يعيد المشردين من أبناء أبين ويضمن أمنهم بقوة الدولة التي يرأسها لا بل هو اعجز من أن يحدد موقفاً واضحاً من الفضلي أو من المحاصرين لمنزله فكيف سيكون حاله بالنسبة لقضايا أكثر تعقيداً أمام هذا العجز القاتل الذي تعانيه السلطة والدولة في رأسها.
هناك حقيقة واضحة راهنا عليها منذ البداية وهي انه "كلما تعزز مركز الدولة ومركز رئيسها وبقية مؤسساتها المختلفة كلما تعزز نفوذ ودور الرئيس هادي وبقية مسؤولي الدولة, وكلما حدث ذلك وجدن لنا نحن اليمنيين العزل مكانا في هذه الدولة وظلا في كنفها والعكس صحيح تماماً حيث ضعف مركز وأداء الرئيس ينعكس ضعفا للدولة ولنا جميعا.
لقد خذلنا هادي وخذل أحلامنا في دولة مدنية قوية وعزيزة رغم أننا كنا أكثر من أيد تقوية مركزه الرئاسي أمام تغول القوى النافذة من حوله, لكنه انحاز إلى جانبها وترك شعبا بكامله مكشوفاً لها وللفراغ القاتل أيضاً وها هي فضيحتنا جميعا تنكشف في حصار اللجان الشعبية لأحد الفارين من العدالة بعد أن وجدت نفسها معنية بالاقتصاص مباشرة وبيدها ممن تعتقد أنه تسبب في قتل ومعاناة أبنائها وان الدولة أو بعض نافذيها في صنعاء يحمونه ويغطون على أعماله باستمرار بدلاً من قيام الدولة بواجبها في حمايتهم وفي تحقيق العدالة على الصغير والكبير منهم.
يبقى أن نقول بأن غضب أبناء أبين من الفضلي ومن غياب الدولة يكشف حقيقة أخرى نبه إليها من قبل وهي "إن المواطنين يمكن أن يقبلوا بسلطة الدولة عليهم حتى لو كانت مستبدة أو فاسدة بل حتى لو كانت دولة احتلال لكنهم لا يمكن أن يتحملوا سلطة جائرة عليهم من داخلهم أو من "فئة" أخرى من خارجهم لا مركز قانوني أو ديني لها، وان حدث فإلى حين ينفجر الوضع وتتحول اللجان الشعبية إلى مشكلة شعبية.
أبين اليوم والجنوب عموماً أصبحا نهباً للفراغ السياسي والغياب المتعمد للدولة وأجهزتها الأمنية والخدمية كما هي نهب لمتآمرين آخرين لا يريدون لها ولا لقضيتها ولا لليمن بكاملها خيراً, ولكن الرئيس هادي يبقى هو المسئول الأول والأخير أمام معاناة أبين ومعاناتنا جميعاً.
عندما يتسيد المسلحون على سلطة الدولة في صنعاء تكون الدولة في أبين وفي كل اليمن في مهب الريح.
  *تغريدة
  ضعف مركز الرئيس هادي وتناقص شعبيته ليس بسبب عدم وجود حلفاء له من القوى النافذة في صنعاء بل بسبب تحالفه معها.

في السبت 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 06:52:05 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=234&lng=arabic