|
لا أحد يستطيع أن ينكر أن ممارسات طائفية ومذهبية تمت في مراحل تاريخية مختلفة في هذه البلاد، وارتبطت بأشخاص لديهم شهوة سلطة ونهم لكسب المال غير المشروع، وصلوا إلى السلطة بطرق غير مشروعة، أو قفزوا إليها قفزاً وهم ينتمون إلى هذا المذهب أو ذاك لا فرق ولازال صدى بعض التصرفات والممارسات تردده الأجيال بواسطة الحديث الشفهي المباشر في المجالس المغلقة أو بالكتابة استغلالاً للشفافية والحرية، لكن كل الممارسات الطائفية والمذهبية والعنصرية السلالية لو بحثنا بدقة وتمعن في خلفياتها وزمن وقوعها سنجد أنها كانت مرتبطة بأحداث وصراعات تتعلق بشهوة السلطة وحب السيطرة وكسب المال والوجاهة، وكان الطرف الذي يشعر بضعف أو يرى أن أطروحاته السياسية والفكرية قد تجاوزها الزمن أو لا توجد لديه أية أفكار ومشاريع سياسية، وأن رياح التغيير ستعصف به يلجأ الى إثارة النزعات الطائفية والمذهبية والعنصرية أو كانت تبرز تلك النزعات والممارسات عندما يتعلق الأمر بالحاجة إلى الحشد الجماهيري وكسب الولاء لمنافع جماعة صغيرة أو منطقة أو للاستيلاء على السلطة أواستعادتها أو كسب مناطق جديدة كمورد رزق لأشخاص وجماعات .
من منا يستطيع أن ينكر أن فتاوى صدرت من أناس يسمون أنفسهم علماء وما هم إلا خُدام سلطة - بضم الخاء - وأبواق سلطان كانت فتواهم السلاح الذي تم استخدامه لقتل المخالفين سياسياً ومذهبياً ونهب ثرواتهم واغتصاب أراضيهم، وهناك فتاوى كثيرة قديمة وحديثة وقد تبادل الخصوم السياسيون الفتوى ضد بعضهم البعض بطريقة طائفية ومذهبية، وكذلك المعارك التي هزم فيها هذا الطرف أو ذاك في اليمن مدونة ويتم الرجوع إلى تفاصيلها كلما تأزمت الأوضاع مثل «دولة الفقيه سعيد» وهزيمته في معسكره بسماره بخيانة ومعارك تثبيت حكم الدولة الرسولية من عدن إلى مكة المكرمة وهزيمة الدولة الطاهرية القاسية، وكذلك هزائم دول الأئمة العديدة في مراحل مختلفة من تاريخ اليمن وهزائم فتح مناطق ما كان يسمى «اليمن الأسفل» من قبل الإمام يحيى أو حروب الزرانيق والإمام يحيى وآخر مآسي الطائفية والعنصرية ما جرى في «أحداث أغسطس الدامية عام 68م» بصنعاء التي كانت صراعاً بين قوى الثورة والتغيير بمضمون وطني وقوى الثورة المضادة والارتداد عن أهداف ومبادىء ثورة سبتمبر ومضامينها باختصار كان صراعاً بين يمين الثورة ويسارها، فتم تحويل ذلك إلى صراع طائفي وعنصري خسرت بعده البلاد كثيراً والتاريخ الآثم مدون ومنشور، وتدخلت في أحداثه المصالح الداخليةلبعض القوى مع مصالح قوى إقليمية ودولية؛ فلا البيضاني كان يدعو إلى تأسيس دولة شافعية ولا عبدالرقيب عبدالوهاب كان يريد تصفية الزيود لصالح الشوافع، ولا الفريق العمري وعلي سيف الخولاني كانا يريدان القضاء على الشوافع لصالح الزيود .
والتاريخ اليمني مليء بمنعطفات طائفية وعنصرية حادة ترسبت فيها كميات كبيرة من الصديد والقيح، لا تحتاج إلا إلى نبش بسيط للتذكير بمآسيها وكل من له مظلمة أو لم يستطع تحقيق أي نجاح في حياته أو فقد مصالحه أو وظيفته التي تدر عليه ذهباً يمكنه أن يعيد فشله أو مظلمته إلى المسكوت عنه في الجانب الطائفي والعنصري فأي فاشل سياسياً أو اقتصادياً أو من قامت الجماهير بانتفاضة أو ثورة ضده على مستوى البلاد أو المؤسسة أو الوزارة أو فقد مركزه السياسي أو الاقتصادي أو الوجاهة والمال الذي كان يحصل عليه أو من يريد الاستحواذ على السلطة وتحقيق مكاسب غير مشروعة يقوم باستدعاء الصديد والقيح الطائفي والعنصري من منعطفات التاريخ الحرجة. فعندما تكون مراكز القوى متنعمة بالنعيم ويُغدق عليها من أموال الشعب وثرواته وأراضيه تكون لديها اليمن أرض سلام ورخاء وشعبها مسالم ومتعايش حتى وإن مات أغلبية أبناء الشعب من الفقر والجوع والخوف والمرض، والعكس عندما تفقد مراكز القوى والمتنفذون من مشائخ وعسكر وشخصيات اجتماعية ومنتفعين وانتهازيين مصالحهم أو ينزعهم الشعب من مراكز حكمهم وسيطرتهم يبدأ نبش صديد وقيح الطائفية والعنصرية واستغلال حوادث هنا أو هناك .
وما يتم اليوم في اليمن أو غيرها من دول الربيع العربي الهدف منه استدعاء المخزون الطائفي والعنصري المتقيح لأن شكل تركيبة الحكم بدأت تتغير لصالح الشعوب، وهناك مراكز قوى عصبوية ظلت تحكم لفترات طويلة عبر لافتات عسكرية ومدنية ترى أنها في ظل نجاح التغيير الجذري لثورات الربيع العربي ستخسر مراكز حكمها ونفوذها، فهي اليوم تعمل على نبش مخزون القيح والصديد الطائفي والعنصري؛ بهدف التجييش والحشد للعودة إلى الحكم أو لضمان عدم خسرانها لنفوذها المالي والعسكري، مع أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب ينشد دولة العدل والإنصاف دولة المواطنة المتساوية؛ كونهم فقراء يعانون الظلم والاستبداد والطغيان، إما بفعل ممارسات دولة العسكر البوليسية أو المشايخ والقوى التقليدية المتنفذه أو قوى الكهنوت والظلام التي تقسم الناس الى سادة وعبيد ومشايخ ورعية أو مافيات الفساد والاستحواذ على السلطة والمال وخيرات البلاد . فلا وجود لصراع واختلاف طائفي ومذهبي في اليمن فالشافعي والزيدي والإسماعيلي «واصحاب مطلع وأصحاب منزل» كلهم يعانون من الظلم والقمع والفقر والقهر والتهميش، وهناك شلة أو مجموعة جزء من قبيلة أو مجموعة أسر تلتقي مصالحها وهي من مختلف المذاهب والفرق تدافع عن مصالحها وما غنمته من السلطة والحكم وتريد استمرار ذلك فهي لم تشبع بعد ولن تشبع. ومن يراقب فرز القوى السياسية وقوى المصالح سيرى أن أغلبية ساحقة من أبناء الشعب وهم ينتمون إلى كل المذاهب «الزيدي والشافعي والإسماعيلي وتشعبات التسميات الجديدة الحوثي والوهابي والسلفي والصوفي» مؤيدون للثورة السلمية والتغيير الجذري ويبحثون عن العدل والإنصاف و المواطنة المتساوية، وهناك قلة قليلة من جميع المذاهب والتسميات والتجنحات يستدعون المخزون من الممارسات الطائفية والعنصرية النتنة، بل ويمارسونها لصنع أحداث هنا وهناك للدفاع عن مصالحهم ونفوذهم وعما كسبوه من مال حرام ولا يتخيلون أنفسهم خارج السلطة وبعيداً عن الكسب والنهب والغنائم، فانتبهوا يا أبناء اليمن فأصحاب المصالح ومن يريدون البقاء حكاماً عليكم سراقاً لثرواتكم هم في طوائفكم كلها يريدون تحقيق مصالحهم بواسطتكم أنتم الغلابى الذين ستكونون وقود أي صراع يتم تغليفه بلباس طائفي أو عنصري .
في الجمعة 26 أكتوبر-تشرين الأول 2012 07:34:05 م