دولة القبيلة
كاتب/محمد الشلفي
كاتب/محمد الشلفي
يشارك المواطن العادي في الثورة لأنه يشعر بالظلم والمعاناة، أما فئة من «المتمايزين» فدوافعهم أنهم مميزون.
لاحظوا مثلاً، كم مرة ذكرنا البعض من «المتمايزين» بتضيحاتهم، بالأمس فعل صادق الأحمر وهو بهذا التذكير يكون قد ذكرنا بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع الواحد مرة في مقابلة السعيدة ومرة في تصريح بمنزله، وهذه المرة أمام اجتماع موسع بصنعاء لتحالف قبائل اليمن وهكذا تبدو تضحياتهم مميزة وجديرة بالاهتمام والحصول على ثمن، فيما لم أسمع أحداً من اليمنيين في الداخل والخارج ذكرنا لمرة واحدة بدوره في الثورة، لدينا 2000 شهيد وأسرهم تئن بصمت، ولدينا جرحى يعانون الآلام حتى اليوم وبعضهم مقعد ومشلول وغيرها من الأوضاع الصعبة، ولدينا من فقد وظيفته ولدينا جوعى ومرضى رضوا بالقليل وبالتقدم البطيء لإنقاذهم. إلا أنهم يؤمنون أن من يطلب من أمه ثمنا لا يستحق أماً.
لا أعتقد أن الثورة غيَّرت شيئا في «المتمايزين» ولا أعادت لهم صياغة مفاهيمهم للدولة والجمهورية وواجباتهم كمواطنين في ظل قوانين الدولة التي تقوم على المواطنة المتساوية. في كلمته بالأمس أمام تحالف قبائل اليمن أكد صادق الأحمر رئيس التحالف المعضلة الحقيقة في فهم رموز «قبلية» حتى لو كانت تلبس ثيابا حديثة أو تتواجد في ساحات ثورة تدعو للمدنية في اليمن للدولة وللمدنية وشوَّش مفهومها لدينا حيث هو مشوش لديه.
فالقبيلة مفهوم يناقض مفهوم الدولة ولا يمكن لصادق وغيره الجمع بين النقيضين، وفي ظل الدولة التي يعترفون بها قولاً عليهم التخلي عن كل ما يمت للقبيلة بصلة ابتداء من المفهوم وانتهاء بالثقافة لأن الدولة قادرة على استيعاب مفاهيمها البدائية في أطر عامة وليست خاصة.
وفي ظل الدولة إذا لم تُنظِّم من يدعوها صادق بـ«القبيلة» فيما يبدو كاحتكار في إطار قوانين الدولة ومؤسساتها فإنه فعلا يصيبنا بتشوُّش كبير.
كيف يكون مع الدولة وهو لا يلتزم بقوانينها، إذا كان صادق الأحمر يمتلك أسلحة ثقيلة فهو لا يختلف عن الجماعات المسلحة التي نصحها في خطابه بنبذ العنف لأن الدولة وحدها التي يحق لها احتكار وسائل «العنف الشرعي» في المجتمع بمعنى أن مجرد امتلاك أي طرف للسلاح يضعه في مواجهة الدولة فماذا لو استخدمه؟ ولهذا لا يحق لغير الدولة أن تعلن الحرب.
حين نتحدث عن اليمن كمجتمع قبلي نقصد أنه مازال يحتكم إلى ثقافة بدائية ما قبل الدولة تعتمد في بقائها وإدارة شؤون أفرادها على العصبية (رابطة الدم) في الدرجة الأولى، وهي عصبية عملت الأديان والقوانين الحديثة على تفكيكها لصالح قانون سماوي أو وضعي يصيغ علاقاتهم ببعضهم ويخرجهم من حالة الحروب والثارات والفوضى والاضطراب التي ينتجها المجتمع القبلي وعصبيته.
وفي اليمن تقول القبائل منذ خمسين عاما أنها مع الدولة ولا تفعل، فيحدث العكس وتضعف الدولة، وبعد ثورة الشباب الشعبية السلمية، إذا لم تكن القبيلة صادقة مع نفسها فتبدأ بالانتقال من حالة البدائية وتتطور بتطور المجتمعات الإنسانية وتنمو في بيئة متطورة نابذة للعصبية والفوضى والثارات وتبدأ بالاستثمار بوسائل وطرق جديدة وتنظم نفسها بشكل حديث عبر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، فستكون هي أول المتضررين.
لقد جعلتنا ثورة الشباب السلمية وساحات الحرية والتغيير نحب القبيلة التي خرب قيمها النظام السابق وشوهها بعض رموزها أحببناها حين قبل أبناؤها الأطهار بأن تستوعبهم الثورة كـمواطنين لا قبائل مسلحة.
يا رموز «القبيلة»: لم تعد تجدي مقولة «أمنّي وشل سلاحي» فهذا هروب من المسؤولية. بادروا مرة واحدة بفعل مدني حقيقي لا يمت إلى العنف والسلاح بصلة، فنحن نرى كما ترون كيف أن دوركم لا يتخلى عن البندقية والحنين إليها ولا يرى دوره منفصلاً عن العنف.
alshalfi@hotmail.com
     
في الإثنين 08 أكتوبر-تشرين الأول 2012 06:38:29 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=205&lng=arabic