|
كشفت التعددية الحزبية صبيحة الوحدة اليمنية عن تيارات ولدت قبل أن تسمى بعقود.
أعلن الإخوان المسلمون عن تأسيس التجمع اليمني للإصلاح, كثاني أكبر حزب سياسي, وأكبر حزب إسلامي على الإطلاق, فلم يكن بجواره غير حزب الحق محدود الانتشار, أما اتحاد القوى الشعبية فله طبيعته الخاصة، رغم أنه لا يرقى لمستوى المقارنة.
العلاقة بين الإصلاح والحق كانت جبهة أمامية لموجات صراع خفي بين سياسيي الإسلام السياسي (سنة وشيعة)؛ باعتبار الإصلاح يمثل جزءاً من السنة, واستقطب إليه أسماء كبيرة من الأسر الهاشمية, وأعلن ممثلو التيار الآخر الممثل للتيار الزيدي الذي أصبح يتزعمه الحوثي بعد خروجه من حزب الحق ورعاية ما سمي لاحقاً بالشباب المؤمن عنه بتذمر شديد.
مع حشد الإصلاح للحرب ضد (الشيوعية)كما وصفوا الحزب الاشتراكي عام 1994م, أعلن بدر الدين الحوثي تضامنه مع الاشتراكيين وتحديداً قيادته التي تنتمي لأسرة هاشمية من أشراف حضرموت, وعلى خلفية وقوف الجنوب إلى جانب نظام الخميني ضد صدام حسين, بعكس ما فعل النظام الحاكم في الشمال حينها, وكامتداد لخارطة الصراع العالمي والجهاد ضد السوفيت في أفغانستان برعاية أمريكية – إقليمية, وامتداد محلي لفرز القوى في حروب المناطق الوسطى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي.
كل ما سبق عزز من اندفاع الطرفين نحو التعليم الديني, والتنافس على السيطرة على أكبر قدر من الأجيال الناشئة,وباعتبار الإصلاح كان يسيطر على مئات المعاهد العلمية ويديرها مالياً وإدارياً بموازنة حكومية, فقد سعى الحوثيون كتيار - قبل بدء الحرب مع الدولة - إلى الحصول على امتيازات خاصة مقابل هذه الميزة للإصلاح, فتم لهم ذلك وطبعت مناهج المدرسة العلمية بصنعاء بمطابع الكتاب المدرسي وبتوجيهات رئاسية,حتى بعد إلغاء المعاهد العلمية عام 2001م.
خسر الإصلاح عموده الفقري بإلغاء المعاهد العلمية, فاتجه للتعليم الأهلي, والتعليم الديني غير النظامي تحت مظلة تحفيظ القرآن الكريم, وهو نفس التصرف الذي سلكه الحوثي.
هشاشة التعليم العام أفسحت المجال لتنازع أجياله بين الطرفين وتكريس قيم متناقضة بين جيل واحد بعيدة عن الوطنية وطاعنة فيها, مع ما يحمله ذلك من نتائج مستقبلية.
تراكم الوعي المبني على الصراع بين الطرفين امتد إلى ساحة الإعلام, كأفراد وصحف, ثم قنوات, إما استقطاب الموجود أو بناء الجديد, كما حدث على صعيد منظمات المجتمع المدني بتأسيس كل طرف لمنظمات حليفة تتبنى مناصرة قضاياه.
بهذا تم إلحاق جزء كبير من النخبة المثقفة من المجتمع إلى رحى الصراع؛ لتصبح المصطلحات العنصرية والمذهبية المقيتة ترفع كلافتات حقوقية ولا يعترف أي منهما بحق الآخر مهما كان منطقياً.
أثناء حروب الحوثي الستة مع الدولة كانت الحرب الموازية إعلامياً ومدنياً لا تجري بين الدولة وحركة الحوثي, بل بين الإصلاح كدينامو عملاق لإدارة الحرب الإعلامية المناصرة لعلي محسن وآلته العسكرية ضد الحوثي الحركة المسلحة أو الفكرية, خاصة مع تأييد عدد من زعماء حاشد ذوي المرجعية الإصلاحية لهذه الحرب، ودفع أبناء قبائلهم لخوضها بالسلاح إلى جانب الجيش.
اصطفت نفس القوى التي اصطفت في حروب الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى ضد الحوثي؛ ليشكل اصطفافاً مضاداً بالمقابل.
بهذه العقلية وهذا الفرز دخل الطرفان إلى ساحات الشباب بداية العام الماضي لتقوض صفوف الشباب وتشقها بناء على هذا الفرز, خاصة بعد انشقاق علي محسن وتأييده للثورة الشبابية.
تجلى ذلك في الاشتباكات المسلحة في صراع الطرفين على السيطرة على معسكرات الجوف التي تركها الجيش واغتنام عتادها, والتحكم في المدخل الشمالي الشرقي لصنعاء؛ باعتباره شرياناً حيوياً للجناح العسكري الذي يقوده محسن.
وقف محسن والإصلاح والخليج وأمريكا مع المبادرة الخليجية كمخرج سلمي لحالة يمنية محتقنة حد الانفجار, فأعلن الحوثي وأنصاره أنفسهم الحامي الحصري لروح الثورة ومنقذها في وجه الحل السياسي, واستدعى شعاراته وأدبيات صراعه وإيران بشكل علني على غرار الجبهات الإقليمية المتناحرة.
بهذا وصل الطرفان إلى مفترق طرق في القضية الوحيدة التي اتفقا عليها وهي إسقاط صالح؛ فقد رأى الحوثي أنه من المستحيل تسليم الحكم لخصومه الأكثر عداء من صالح, وأنه لابد من مواجهة هذا التيار الجديد حتى مع صالح نفسه.
مارس الإصلاح قبل ذلك معه سلوكاً إقصائياً ضد رفاقه في الساحات لم يقتصر على الحوثي وصراع المنصة وجمعة الستين, بل امتد إلى اليساريين والقوميين والمستقلين,وأكال التهم والإشاعات اللازمة ضد هذه الأطراف لتحقيق الانفراد بقرار الساحات وقيادة المرحلة.
لم يفتقر الحوثي وأنصاره للذكاء اللازم لجذب الكثير من المقصيين إصلاحياً إلى صفه, وأغدق عليهم من الأموال والأسفار وفرص العمل – للإعلاميين بشكل خاص – ووفر لهم منابر الانتقاد للطرف المضاد، كما صنع الإصلاح من قبل ومن بعد.
القضية الجنوبية لم تسلم من استغلالها في معركة الطرفين المستمرة لاحتكار القضايا الحقوقية والتعبير عنها كل وفق أجندته ومصالحه, لدرجة اكتشاف صفقات سلاح إيراني سلمت للجناح الموالي للبيض في الحراك الجنوبي حسب تقارير منشورة, والذي يشتبك أحياناً مع العناصر الإصلاحية خاصة في عدن, ويعلن الحوثي مناصرته لحق تقرير المصير فيما يراه مقدمة تشرعن لسلوك لاحق قد يقوم به في صعدة وما حولها.
أظهر الإصلاح أطماعه مبكراً, فخسر الكثير من الأنصار, والمحايدين فكرياً وسياسياً, وتوسع الحوثي ليستقطب قوى جديدة يستنفر فيها الهاشميين بخبث, ويستثمر الليبراليين والاشتراكيين بدهاء.
يمتلك الطرفان أقوى البنى من حيث العقيدة الولائية والنفوذ والأموال والانتشار والتحالفات المحلية والإقليمية, والتنظيم الداخلي, وبالتالي فهما أبرز المؤهلين للسيطرة على البلاد في ظل غياب سياسات عمل واضحة وتغييرات تناسب المرحلة في بنية وقيادات المؤتمر الشعبي العام.
قد يكون التنافس السياسي بين الطرفين فعالاً وديمقراطياً للغاية, لكن خلفية العلاقة بينهما تنبئ بالتوجه نحو الصراع مفتوح الأدوات, مرعب النتائج.
المخيف في الأمر وجود فرز للقوى العسكرية المنقسمة والمتصارعة بدورها قد يؤدي إلى استثمار هذه البيئة, بل إن هناك مؤشرات عملية على ذلك قد تجعل كلاً من الفرقة والحرس جسوراً من الجثث لصعود الإصلاح والحوثي في ظل تأخر إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية محضة, وتمكين القوى المدنية والمستقلة من تمثيل التيار الشعبي الواسع الرافض لسيطرة الطرفين وأسلوبهما في إدارة الصراع بينهما وأدواته وأهدافه.
اليمن بما يمثله كروح وطن وجسد جغرافياً على بعد قذيفة من اختيار إحدى الحسنيين, النصر(لجم وتحييد هذه القوى) أو الشهادة (ترك الميدان لصراع الطرفين باسمه).
لكل فرد أن يختار موقعه الآن.
jnd_002@hotmail.com
في السبت 15 سبتمبر-أيلول 2012 06:29:19 م