حتى لا نمضي نحو الهاوية
دكتور/عادل الشجاع
دكتور/عادل الشجاع

ماهذا الذي يجري في اليمن؟! هل يمكن أن نكون فعلاً قد بتنا أكثر اقتراباً من اللحظة التاريخية التي يتحول فيها الإنسان إلى حيوان, بعد أن زعمنا أن الحيوان قد تطور إلى إنسان.
ثمة أحجية لا يمكن فك شفرتها أو فك طلاسمها إلا حينما تفهم السياسة مسيرة تخرج من باب اليمن للمطالبة بمحاكمة قتلة 18 مارس، وتمر بجوار الجثث المحترقة والأشلاء الممزقة جراء العملية الإجرامية التي حدثت بالقرب من مجلس الوزراء, وكأن الحادث عرض أو أنه في كوكب آخر غير اليمن, أو إن شئنا القول: إن هؤلاء الذين احترقوا أو أصيبوا ليسوا من فصيلنا السياسي، وبالتالي لا ينبغي التوقف أمامهم, مثل هذه الحادثة تمت في مايو 2012 في ميدان السبعين راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل وحوالي ثلاثمائة جريح, ولم نسمع عن مسيرة تطالب بالقصاص من الجناة أو حتى الكشف عنهم، ولحق هذه الجريمة، جريمة كلية الشرطة وحادثة رداع التي راح ضحيتها 13 مواطناً.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا فقط قتلى 18 مارس وليس غيرهم هم الذين تخرج لأجلهم المسيرات وتسقط لأجلهم الحصانات, مع العلم أنني مع الاقتصاص لهم من قاتلهم أياً كان؟ لماذا تحوّل قتلى 18 مارس إلى مادة إعلانية وسلّماً للإرهاربيين والانتهازيين للتسلق إلى المناصب وحسابات في البنوك للإثراء؟.
هكذا تدير القوى المتخلفة اليمن؛ يتحرك القطيع من الحيوانات من أجل مواجهات تخدم مراكز قوى القتل والتدمير، هذه القوى تشعل الحروب ثم تتقاسم أرباح السلام، نحن أمام قوى مازالت تشعل الوطن من أجل المزيد من شراء الذمم وبيع السلاح وجني المال وحصد الأرواح.
ولست بحاجة للقول: إن أولئك الذين ملأوا شاشات التلفزة والصحف نحيباً على قتلى 18 مارس واكتشفوا أنهم ثوار في ذلك اليوم لم تحركهم تلك الثورية للوقوف أمام الدماء التي أريقت فيما بعد، والحقيقة أن هؤلاء لم يكونوا مع هؤلاء القتلى بقدر ما كانوا باحثين عن مناصب، وهاهم اليوم يجنون ثمار ذلك.
الكل كان ينادي ويخطب ويكتب من أجل دولة مدنية، لكن هذه الدولة التي ننشدها أصبحت تستضيف كل يوم على مسرحها أناساً أكثر قبحاً وانتهازية.
وأمام هذا الواقع أقول للنخبة: عليك أن تراجعي حساباتك أو تعتزلي؛ لأن الوطن - على ما يبدو - أصبح أمام حرب سابعة بعد ما أصبح محافظ عمران والجوف ومأرب والبيضاء من حزب الإصلاح.
وهذا المحيط الجغرافي على تماس مع جماعة الحوثي في صعدة، هل الدولة المدنية يا من خزقتم طبلات آذاننا تخلق تراكماً أم تراجعاً؟ وهل سكوت أولئك الذين خرجوا يوم 21 مارس 2011م وتذرعوا بالدولة المدنية يعني أنهم مازالوا عاجزين عن الفهم؟.
 لقد فقد كل هؤلاء مصداقيتهم؛ لأنهم لم يستوعبوا التحولات، وسارعوا إلى ركب موجات الفوضى الخلاقة التي قال عنها الرئيس أوباما: إنها فوضى غير خلاقة؛ لأنها أصبحت تستهدف السفارات الأمريكية، لكنها حين تستهدف الشعوب العربية وتدمر بنيتها التحتية تصبح خلاقة.
نحن بحاجة اليوم إلى مراجعة أنفسنا، وتدارك ما يمكن تداركه حتى لا نمضي نحو الهاوية، ونسلم ما تبقى من العواصم العربية إلى العدو الخارجي.
أعود فأقول: إن الوطن أغلى، ودماء اليمنيين كلها متساوية، والقتلى لابد أن يحاسبوا، علينا فقط أن نطالب بنتائج التحقيقات، وأن نرفع لواء يمن موحد ؛لأننا إذا وقفنا موقف المتفرج سيؤدي ذلك إلى تقسيم اليمن، وعلينا أن ندرك أن الفراغ الذي تركه المثقفون والمفكرون والأكاديميون قد ملأه المتطرفون، وهاهم ينفذون أجندتهم من خلال الالتفاف على التسوية السياسية، ونحن نساعدهم على ذلك بدون معرفة منا بما ستؤول إليه الأمور.
 لقد ساهمت القوى المتطرفة في مفاقمة المشكلة عبر تأجيج مخاوف موهومة من أن بقاء علي عبد الله صالح داخل البلاد يعطل التسوية، وهذا كلام عار من الصحة؛ لأن بقاء علي عبدالله صالح داخل البلاد وعمله كمعارض يقدم تجربة حقيقية للتداول السلمي للسلطة.
 


في السبت 15 سبتمبر-أيلول 2012 06:28:17 م

تجد هذا المقال في وفاق برس
http://wefaqpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://wefaqpress.com/articles.php?id=195&lng=arabic