|
عندما كان العدل والتراحم يسود كل ربوع أرض الإسلام ويعم الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، فكان حينها إذا قيل للمسلمك اتق الله ارتعدت فرائصه واصتكت ركبه خوفاً وخشية من غضب الله العزيز الجبار، فلم يكن في العهد الأول للإسلام لا بغي ولا تدليس ولا محسوبية ولا رشوة ولا ارتشاء ولا أكل أموال الناس بالباطل، ولا حيلة ولا احتيال، ولا غش في التجارة، ولا في أي أمر من أمور المسلمين، ذلك لأن شياطين الإنس والجن حينها كانوا في الأصفاد ليس في شهر رمضان فقط، ولكن في كل الأيام والشهور والأعوام..
وبذلك ظل الإسلام قوياً، وظل الشياطين من إنس وجن في أصفادهم قروناً وقروناً عديدة، كيف لا وقد كان العلماء والفقهاء خشية من عذاب النار يفرون من القضاء ومناصب السلطة فرارهم من الطاعون، وإذا ابتلي أحدهم سار في قضائه بما يرضي الله ورسوله، متمثلاً سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة من تبعوه من الصحابة والتابعين، أي أنهم أولئك القضاة الصلحاء الأتقياء لم يكونوا يسعون لتولي القضاء، ولم يكونوا يعطون ويبذلون المال والرشوة والهدايا ابتغاء لذلك، ولا يتقبلونها في سير عملهم القضائي، ولا يعتمدون على المحسوبية لا لصالحهم ولا لصالح غيرهم.
ولذلك ساد العدل عامة الناس حتى في العهود التي تلت عهد الرسول محمد وخلفائه الراشدين، وتتالت الأيام والأعوام والقرون حتى وصلنا نحن المسلمين إلى ما نحن عليه من سوء إلى عهد صفد فيه الأخيار والصالحون، وصار شياطين الإنس والجن يسرحون ويمرحون ويعوثون ويلوثون طوال الأيام والشهور حتى في شهر رمضان المبارك، لا يردعهم رادع أبداً، فلم يعد أحد منهم يخشى الله ولا يتقونه، فقد عمّ الفساد وطغى الفاسدون، وصار أكل أموال الناس بالباطل هو السلوك السائد إلا من رحم ربي.
حتى صرنا وكأننا نعيش عصور الجاهلية الأولى بل وأسوأ من ذلك، حيث صار قتل النفس التي حرمها الله مباحاً وفق فتاوى شرعية ما خلق الله فيها من سلطان، من الذين يفترون على الله كذباً وعلى يد من يدعون حماية دين الإسلام، وهم إنما يحمون أنفسهم ويمارسون نزواتهم السادية (الدراكولية) فمن ليس معهم في نزواتهم ولا يخضع لهم فدمه وروحه وماله وعرضه مباح، وكذلك في التجارة صار الغش والمغالاة ورفع الأسعار هو السلوك السائد والمتبع دون وازع من ضمير أو خوف من الله ولا من الدولة ولا من الناس وغضبهم.
فكل يريد زيادة ثرواته وأرباحه، ولا تهم الوسيلة أحلال أم حرام، ولو تألم الناس أو جاعوا، وغيرهم من الفاسدين مثل أغلب رجال المال والتجارة لا رحمة ولا شفقة بعامة المسلمين، ولا خشية من غضب الله، فقد نزع الإيمان من القلوب، وصار الذين يتقون الله ويخشونه قلة قليلة، لا حول لهم ولا قوة، في مجتمعات أشد سوءاً من شياطين الجن، فلم يعد يصفد إلا الصالحون والأتقياء..
أولئك الصلحاء الذين إن صاحوا أو صرخوا أو تذمروا طالتهم الدسائس والأحابيل لإسكاتهم، ولم يعد لأمة الإسلام في زماننا الحاضر إلا رحمة الله تعينها وتعين كل مسلم على الصبر حتى يأتي فرج الله، وتصفد شياطين الإنس والجن من جديد، كما كانت مصفدة في العهد الأول للإسلام عهد الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وعهد خلفائه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وليس بوسع أمة الإسلام وبالذات اليمانيين منهم إلا الدعاء والتهجد والابتهال إلى الله تعالى وحسن الظن به؛ لعله يهدي الضالين وينهي الفاسدين ويعيد الشياطين من جن وإنس إلى أصفادهم، ليس في شهر رمضان فحسب بل في كل الأشهر والأعوام، كما كان الحال في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك العهد الجميل الذي كان فيه تقوى الله تخشع لها القلوب والأنفس والعقول والأبدان.
فما نحن فيه يبين ويؤكد أن الأغلب من الناس نسوا عذاب القبر وعذاب يوم القيامة وقيمه فصاروا يخشون العباد أكثر من خشية الله الواحد الأحد.
في الجمعة 27 يوليو-تموز 2012 12:26:12 ص