|
إنه الفساد الذي مهما تغذى، على عرق الناس، وثروات البلد، لن يشبع،
ولن يتوقف عن طلب المزيد، خاصة إذا وجد البيئة التي تغذيه، بيئة تواطأت على مجاراة الفاسدين والسكوت عنهم، بيئة ما تزال تعتبر الفاسد رجلا ثوريا "ثورة الفقراء والكادحين"، يأخذ من أجل الفقراء، ويحارب الظلم والقهر، إنه الوجه الكاذب والمغالط، التي دخل فيها عامة الناس وخاصتهم، فكل واحد يحلف بأغلظ الأيمان، أنه لو تتاح له الفرصة، لفعل أكثر من الفاسد.
ثم يأتي الحزب، او الجماعة او الرئيس، الذي يحكمنا، وينشئ لجان رقابية لمكافحة الفساد، فوق اﻷجهزة الرقابية، واللجان السابقة، لكي تتابع الصغار وتترك الكبار، تتابع الصغار وكأنها تقول لهم: لماذا لستم حيتانا كبيرة، حتى نخاف منكم، وﻻ نقرب حصونكم المنيعة؟، وهكذا تترسخ صورة نموذجية، في بﻻدنا اليمن، لترسيخ الفساد فيها، وهو أن الحوت الكبير الفاسد، يأكل الحوت الصغير.
وبسبب عدم تطبيق مبداء الثواب والعقاب، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تفشى الفساد بهذه الصورة المرعبة، في البر، والبحر، والجو، هذا الفساد الذي حول حياتنا إلى جحيم، وحول اليمن إلى دولة فاشلة، يعود إلي أن الحاشية الناهبة، تشهد فساداً منقطع النظير، وحولته إلي منظومة عمل، وإلي قوانين ولوائح مازلنا نسير على نهجها حتي كتابة هذه السطور، مما يجعل الفاسدين يستمرون، في فسادهم ونهب أموال الشعب، بل أنهم اخترعوا وابتكروا طرق ووسائل حديثة، إضافة إلى الطرق القديمة ليكون الفساد مزدوجاً ويؤتي ثمرته.
ومما لا شك فيه أن كل لصوص "الدولة اليمنية، القداما والجدد، الرجعيين والثوريين، يتمادون في فسادهم، واﻹكثار منه والتفنن فيه، ما دام الصمت عنوانا للمرحلة، والسكوت علامة الرضى، في مأثور الكلام، هذا الصمت الذي اغتنمه المفسدون، وكأنه إشارة خضراء، تبيح لهم الإتيان، على اﻷخضر، واليابس، وتدمير اليمن ارضا،وإنسانا، متخذين من "أنا ومن بعدي الطوفان"، شعارا لهم.
وانقلبت معايير الارتقاء في المجتمع، لغياب المعايير الموضوعية، في إتخاذ القرارات، والتسييس في مجال العمل، واﻹقصاء للكفاءات، في المناصب القيادية، بدﻻ من اﻹكثار منها، في مختلف المواقع، ومحاربة الناجحين، وتصعيب اﻹمور عليهم، ولذلك فلن تكون هناك تنمية، وﻻ تطور أوتقدم في هذا البلد العقيمة، ﻻ اليوم وﻻفي الغد.
وسيكون من الصعب تطويرها وإنقاذها، من براثن الفساد المقنن، سواء سياسيا، أو ماليا، أو حتى إداري، والتي عشش فيها الكسادوالفساد، وفقدان النزاهة الشخصية بإرادة تامة، بل بات يشرع له ويحصن، في سلسلة قوانين، تجعل أهل الثقة محل أهل الكفاءة، وأصبح توزيع المناصب العليا، والترقي فيها، مرهون بالعمل، لصالح الجماعة الدينية، أو الحزبية، أو اﻷجهزة اﻷمنية، التي عينته في المنصب وينتمي إليها.
ومن خﻻل المؤشرات التي نراها كل يوم، من قرارات التعيين الجديدة، والتي تصدر يوميا، في الوزارات، والهيئات، والجامعات، فإننا لن نرى حربا شعواء ضد الفساد، لان فتح ملفات الفساد في اليمن في هذه اﻷيام، سيؤدي إلى استنفار كلاب الفاسدين، يدافعون عن المجرم السارق الفاسق الآثم، ويصيحون ويشتمون الضحية، أو الذي يدافع عن الضحية، ولا يسمحون لأحد بالاقتراب من الفاسدين لأنهم عبيد، استمرؤوا العبودية..!!
هؤلاء العبيد لﻷسف الشديد، يذكرونني بكلاب الحراسة، التي تجيد النباح والعض، ونقل عدوى السعار، فهي تنبح في وجه كل من يقترب، من سيدها، حتى ولو كان سيدها، أكبر لص وأكبر مجرم في البلد، والعجيب أنه لو أتى، من هو أقوى من سيدها، وداس عليه أمامها، فإنها مباشرة تذهب الى قدمه، وتتمسح بها، وتتودد في ذل، وتبدأ بالنباح على من يقترب، من السيد الجديد لها.
و سيستمر مسلسل النهب للمال العام، النقدي، والعيني، طالما ظلت أمنية كﻻب الفاسدين، أن يلقي لها سيدها القديم او الجديد، بعظمة يبقي يلعقها، حتى يأتي مظلوم آخر، لتبدأ بالنباح عليه لتنال عظمة أخرى، بالمقابل تظل منظمات المجتمع المدني، والكتاب والصحافيين، خائفين وخانعين وصامتين أمام جرائم الفساد المالي واﻹداري، والله من وراء القصد والسبيل.
في الجمعة 03 يونيو-حزيران 2016 11:27:06 ص